بوتين وترامب يخيبّان آمال خصومهما

أخبار العالم

بوتين وترامب يخيبّان آمال خصومهما
انسخ الرابطhttps://ar.rt.com/kj31

مرّت قمة هلسنكي بين بوتين وترامب دون أي مطبات، وربما تكون هذه النتيجة الإيجابية الرئيسية لهذه القمة.

أزيلت كافة الخطوط الحمر التي أحاطت بالحوار الروسي الأمريكي، وأصبح بإمكان الجانبين بداية البحث عن أرضية مشتركة في خضم طيف واسع من القضايا.

ترى لماذا كان الحوار مع بوتين أسهل بالنسبة لترامب من حواره مع رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، أو المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل؟

لا يعود الأمر للشخصيات، وإنما لأن بوتين وترامب ليسا سوى رسل نهاية العولمة والنظام العالمي كما نعرفه الآن، لذلك يبدوان غريبين بالنسبة لنخب العولمة، التي يتمثل كابوسها الأكبر في أي تحالف محتمل لهذين الرجلين في توجههما نحو تغيير النظام العالمي الراهن.

واقع الأمر أن هذه التغييرات موضوعية، لا يتحكم بها ترامب أو بوتين، بل يحددها الاقتصاد، كما هو الحال دائما.

فالأزمة الاقتصادية التي اندلعت عام 2008 لم تنته بعد، بل على العكس، تتعمق ويتسع نطاقها، فالعالم يمتلئ بتخمة الإنتاج ويفيض عن الحد المطلوب، والمنتجات تجد مستهلكها فقط بفضل الارتفاع المتزايد للدين العالمي.

ما يعني أن أحدا لابد أن يعلن إفلاسه في النهاية، ولابد وأن يخسر أحد، ويقع في براثن الأزمة، بينما يكسب الآخر، ويحافظ على الإنتاج المحلي، ومعدلات النمو.

من هذا المنطلق تجسّد الحرب التجارية التي بدأها دونالد ترامب، التناقض الصارخ الموجود في العالم اليوم، وهو ما يمكن أن يصبح سببا في حرب قادمة.

وعلى الرغم من القوة العسكرية والثقل السياسي لروسيا أمام الغرب، إلا أنها لا تمثل تهديدا مباشرا للزعامة أو لوضع الغرب الاقتصادي.

فيما الزعامة الاقتصادية في العالم تنتقل أمام أعيننا اليوم نحو الصين، وهو ما يمكن أن يحرم الولايات المتحدة الأمريكية ليس فقط من السيطرة على النظام الاقتصادي العالمي، بل من الازدهار الحالي.

أضف إلى ذلك أن أوروبا هي المنافس الثاني اقتصاديا للولايات المتحدة الأمريكية، على الرغم من التحالف السياسي. أما عالم المستقبل فلن يتسع لأمريكا والصين وأوروبا معا، حيث يتعين على اقتصادات وإنتاج وتصدير إحدى هذه القوى التراجع بقوة.

وقد صرح ترامب منذ أيام قليلة بأن الصين وأوروبا هما خصمان اقتصاديان للولايات المتحدة الأمريكية، في الوقت الذي تمثّل فيه روسيا "عدوا في بعض القطاعات"، وعلى الرغم من أن روسيا تمكنت من تحدي الغرب ووقف تمدده، ووضع حجمه في تشكيل السياسة العالمية على المحك، إلا أن نصيب روسيا في الاقتصاد العالمي، على الرغم من كل الأمنيات، لا يؤهلها لتكون أحد الأطراف الأساسية في الحرب العالمية (التجارية) الرابعة.

إن ترامب، رجل الأعمال الموهوب القادر على الإحساس بروح الزمن، لا يعتبر روسيا التهديد الأساسي للولايات المتحدة الأمريكية، ويرى، شأنه في ذلك شأن أي مراقب واع للأمور، أفول الغرب، ويدرك بوضوح السبب في انتقال مركز الاقتصاد العالمي من الولايات المتحدة الأمريكية إلى الصين. إن تلك العملية هي الأخرى موضوعية، ولا سبيل لإيقافها، لكن ترامب، شخص فاعل ونشط، يريد على الأقل أن يحاول تغيير مسار التاريخ، حتى لو لم يكن لديه أي فرص للنجاح.

ولكن النخب التقليدية المناصرة للعولمة، والتي دفعت بنفسها العالم نحو الأزمة، وتعجز عن تقبل النهاية المفزعة، محاولة قدر الإمكان تأجيلها، تقاوم الانهيار الوشيك للنظام المالي الحالي، وما يتبعه من تداعيات سوف تتسبب في فقدانها للسلطة.

وعلى الجانب الآخر فإن بوتين وترامب ليسا سوى أدوات في يد التاريخ، ووسائل للتغيير العالمي المنتظر، ويقعان في طليعة التغيير كل على حدة، الأمر الذي يثير مشاعر التحفظ والعداء لدى المؤسسات الغربية العتيقة.

لم يكن من المتوقع أن تفرز قمة بوتين وترامب أي اتفاقات ملموسة، خاصة في نقاط الخلاف الجوهرية بينهما – أوكرانيا وسوريا، لكن ترامب حصل بعد هذا اللقاء على حرية المناورة في البحث عن أرضية مصالح مشتركة مع روسيا، فيما يخص القضايا الدولية الأساسية.

من المؤكد أن الحوار بين بوتين وترامب يمضي وسوف يمضي بصعوبة، فالخلافات الموضوعية بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا كبيرة للغاية. وعلى الرغم من أن روسيا، بنظرة موضوعية، لا تمثّل التهديد الأساسي للولايات المتحدة الأمريكية (حيث يتفوق الناتو على روسيا عسكريا بعدد من المرات)، إلا أن بوتين قد أصبح بالفعل كرة الثلج الأولى التي بدأ منها الانهيار الجليدي الذي يهدد هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية.

لقد تفنّنت النخب الغربية، من باب مقاومتها للتغيير، في شيطنة ترامب وروسيا، للحد الذي بدا فيه اللقاء العادي، وفكرة الحوار بين بوتين وترامب وكأنهما اختراق بالنسبة لأغلبية من تعوّدوا على المستوى الراهن من المواجهة بين الغرب وروسيا.

إجمالا، لا ينبغي رفع سقف التوقعات لهذه القمة، ففي النهاية كان لقاء وحوار زعيمي الدولتين الأقوى عسكريا أمرا طيبا، لا شك أنه جعل من العالم مكانا أكثر أمنا، إلا أن أيا من الزعيمين لن يتمكن من إحداث أي تغيير جذري في طبيعة العلاقات الثنائية أو في مسار التاريخ. لقد توافق بوتين وترامب على أن يرى كل منهما في الآخر منافسا، بينما كلاهما، على الرغم من ذلك، يسعيان للحوار، وهذا في حد ذاته أمر جيد.

المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف

موافق

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا