عربي في حفل سيمفوني! لماذا؟

الثقافة والفن

عربي في حفل سيمفوني! لماذا؟
انسخ الرابطhttps://ar.rt.com/ldy9

تقدم العديد من الأوركسترات حفلات في شتى أنحاء العالم العربي، تعزف فيها مقطوعات تسمى عالمية، وذلك بحضور جمهور غفير أحيانا، ما يدفع إلى التساؤل.. هل يستمتع العربي حقا بموسيقى كهذه؟

لا بد من التنويه بداية إلى أن حضور جمهور عربي أمسية كهذه يبدو طبيعيا، في حال كانت حفلا أوركستراليا لياسر عبد الرحمن أو عمر خيرت. ولكن الغريب في الأمر هو أن يقصد العربي حفلا لموتزارت أوهاندل أو أي "شنيتسل"* آخر، فترى صاحبنا يهتم بأدق التفاصيل، ويظهر بزي معين يتناسب مع الحدث، ما يعني أن الأمر بالنسبة له مجرد مناسبة، ليقدم نفسه للحضور بوصفه أحد أعيان "الطبقة النخبوية المثقفة"، فيحضر الحفل كي يستشعر نفسه بين زملائه من هذه الطبقة.

بالتأكيد أن هناك مقاطع محددة من سيمفونيات أو أعمال أوبرالية مشهورة، تقتصر شهرتها على مقطع قصير منها تميّزه الأذن، كأشهر أعمال موريس رافيل أو بيوتر تشايكوفسكي.

ويحدوني يقين أن صاحبنا "الذوّاق" العربي، الذي يشتري تذكرة لحضور حفل سيمفوني، إنما يفعل ذلك ليستمع فقط إلى ذلك المقطع الصغير المشهور، والذي لا يشكل أكثر من مقدمة جميلة لعمل "ممل"، تختلط فيه الأنغام ببعضها على نحو لا ينسجم وأذن المتلقي العربي المعتاد على الخطوط اللحنية الممتدة، وأصول الطرب والسلطنة وسائر أشكال المتع الوجدانية.

ترى هل يحس هذا "الذواق" بفرق كبير إذا ما أخطأ عازف البيانو وعزف نغمة "فا" عوضا عن "فا بيمول" (فا المنخفضة نصف تون) مثلا؟ أشك وبشدة!

على العكس، سيكون هناك دائما من يهز رأسه متظاهرا بالإعجاب، وهو بالكاد يميز بين الكلارنيت والساكسفون، ولا نقول يعرف الفرق بين فا وفا بيمول.. وذلك إن كان سمع أصلا بمسميات كهذه ولم يختلط عليه الأمر، فظن أنها أسماء حلويات بلجيكية أو ماركات أزياء باريسية ككاتب هذه السطور ذات يوم.

أما إذا أردت أن تعرف مدى ولع هذا "المثقف" بالموسيقى الكلاسيكية، فاتصل به بعد أن يخرج من حفل الأوركسترا، واستمع إلى رنّة هاتفه. أكاد أجزم بأنها لن تكون لا السيمفونية الأشهر بين الكلاسيكيات، الخامسة، للموسيقار الذي يتبادر اسمه أولا لكل عربي تقريبا، بيتهوفن، ولا حتى السيمفونية الأربعين لموتزارت، التي عرفها أغلبنا بفضل السيدة فيروز.. وعلى الأرجح أن تكون موسيقى هاتفه أغنية لسعد الصغير، أو واحدة من "آهات" هيفاء وهبي، أو "إيهات" شعبولا.. أو قد تكون رنة هاتفه هي "رنة قبقابي" لشادية، هذا لو كان لديه شيء من الحس الفني.

إن موسيقى السيمفونيات، وما يقترب منها من ثقافات موسيقية، لا تمت بصلة على الأغلب بثقافة العربي. ولا يقتصر الأمر على العربي وحده، بل ينسحب على الصيني والإثيوبي والهندي والباربادوسي، فهي موسيقى صعبة ومعقدة وعصية على الفهم، والفن إحساس أولا وقبل كل شيء. أما إذا احتاج هذا الفن إلى مرشد لشرحه، فإنه يتحول إلى غسالة رفقة كاتالوغ يشرح كيفية تشغيلها.

بطبيعة الحال هناك حالات استثنائية لمقطوعات موسيقية بديعة، كُتبت للأوركسترا على غرار الرائعة "When The Clouds Come" للموسيقار اليوناني مانوس هاتزيداكيس.. ولكن الحديث هنا بكل تأكيد ليس عن هذه الأعمال.

حينما أشاهد تسجيل فيديو لحفل سيمفوني في بلد عربي، ويقع نظري على الجمهور، تتبادر إلى ذهني صورة شخص قرر أن يتعشى في "Sketch" أو "Maxim's"، ولكي يظهر بالمظهر اللائق، تعشى في بيتهم أولا، فالتهم طبق منسف أو مُمبار.. أو پاجه يتبعها بطبق رفيسة بالحلبة قبل ما "ينقرش" بالسوشي في المطعم الفاخر.

المقطوعات الموسيقية السيمفونية لا تمثل جزءا من ثقافة المتلقي العربي، فلا هي تعبر عن شخصيته، ولا تشكل حيزا مهما في ذاكرته ووجدانه. إلا إذا كانت قطعة مكملة لدعاية تلفزيونية مثلا، مثل العمل الخالد للألماني كارل أورف الذي استخدم في دعاية "أولد سبايس".. وترى صاحبنا على أهبة الاستعداد لحضور حفل كامل لأورف لمجرد الاستماع إلى هذا اللحن فقط.. كمن يشتري مطعم ليتعشى ببلاش.

الحضور العربي لأي حفل سيمفوني ينطبق عليه الوصف الذي جاء على لسان الممثل رأفت فهيم في فيلم "محاكمة علي بابا"، حين تحدث عن ناظر المدرسة التي يعمل فيها، واصفا إياه بأنه لا يفهم شيئا في كرة القدم، لكنه يحضر المباريات كي تصوره كاميرات التلفزيون يلوح بيده للبيت باي باي.

قد يبدو مفهوما لو أن المستمع العربي ذهب لحضور حفل إحدى الفرق السيمفونية، في حال أدرجت في برنامجها توزيع أوركسترالي لأغان عربية. "السح الدح امبو" بأداء لندن سيمفوني أوركسترا، أو "معرفش أدق أنا الكمّون" بقيادة المايسترو كريستيان كولونوفيتس، "وحبه فوووق.. إييييه".

لقد باتت الموسيقى الكلاسيكية وسيلة للترفيه والتسلية، أكثر منها فنا يحاكي أذواق الجماهير. وربما أبرز من طوّع الأعمال الكلاسيكية في الاسكتشات الفكاهية كان الموسيقي الدانماركي الساخر فيكتور بورغي.

هل يعد ذلك انحدارا بمستوى الذوق لدى الجمهور؟ ربما.. ولكن من المؤكد أن هذا النوع من الموسيقى هو لشريحة محدودة من الجمهور، جلها من محترفي الموسيقى والمختصين. وقد يكون ضمن هذه الشريحة القليل من القادرين حقا على فك طلاسم الموسيقى الكلاسيكية والاستمتاع بها فعلا، ويبدو لي أن هذا النوع من الموسيقى كان كذلك.. منذ أن عرف العالم السيمفونيات.

علاء عمر

* شنيتسل اسم طبق ألماني وليس اسم ملحن.. ولكن هل هذا مهم؟

موافق

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا

مراسم تشييع الرئيس الإيراني الراحل ورفاقه في مدينة تبريز