عن أية هدنة يتحدثون؟!

أخبار الصحافة

عن أية هدنة يتحدثون؟!
انسخ الرابطhttps://ar.rt.com/nog4

كتب المحلل السياسي رامي الشاعر في صحيفة "زافترا" الأسبوعية :

عادة ما يثير اهتمامي بالدرجة الأولى القضايا المتعلقة بالأمن القومي الروسي والعالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط، وتدفعني الأحداث المتتابعة في تلك الدوائر إلى الشروع في كتابة المقالات تعليقا على أخبار أو آراء هنا وهناك.

وذلك إيمانا مني بأهمية مشاركة أوسع مساحة من القراء فيما أراه من تحليلات ووجهات نظر قد تسهم بدرجة ما في خدمة المجتمع المحيط بنا، وتساعدنا في استيعاب الأحداث التي تدور حولنا، وتأثيرها المباشر على حياتنا اليومية ومستقبل الأجيال القادمة.
إلا أن ما يدفعني اليوم للكتابة هو مبادرة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، التي أطلقها مؤخرا مطالبا بـما أسماه "هدنة عالمية"، وذلك بعد أن حصل على موافقة 3 دول من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن لدعم دعوة الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار في جميع أنحاء العالم، ويأمل بالحصول على موافقة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خلال ساعات.


لعل أول دوافع الدهشة هي الاعتراف الصريح بحالة الحرب من جانب فرنسا، العضو في حلف الناتو، فلا يطلب الهدنة إلا طرف في حرب. أي أن  جميع تحركات الناتو ونشر قواعده العسكرية في منطقة الشرق الأوسط، وعلى مقربة من الحدود الروسية، إنما تحدث في سياق عملية عسكرية طويلة الأمد ضد روسيا، مستمرة منذ أكثر من 10 سنوات على أقل تقدير.

 ولعل أخطر القرارات التكتيكية الفعلية التي اتخذت لدعم هذه الحرب غير المعلنة، والتي يعترف بها ماكرون الآن، هو قرار الانسحاب من اتفاقية الصواريخ متوسطة المدى، الذي أعلنت عنه واشنطن في أغسطس الماضي، وكذلك العمليات المخابراتية الخاصة بدعم وتشكيل تنظيمات إرهابية أنشأت بغرض القيام بعمليات تخريبية وتفجيرات في الشيشان ومناطق أخرى في روسيا، لزعزعة الاستقرار والأمن داخل البلاد، بالتزامن مع نزاعات عسكرية مع جورجيا وأوكرانيا، ورفع حدة التوتر بين روسيا ودول البلطيق وغيرها من دول المعسكر الاشتراكي ودول أوروبا الشرقية سابقا، وفوق كل ذلك عقوبات اقتصادية وحرب هجينة قذرة ضد روسيا، وصلت إلى نشر صحيفة "نيويورك تايمز" ما أسماه المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، بـ "مقالات منحطة" تحمّل روسيا المسؤولية عن الإسهام في تفشي الفيروسات بما فيها كوفيد-19، من خلال "نشر معلومات مضللة حول القضايا الصحية". حيث أعرب بيسكوف عن أسفه أن تنشر صحيفة محترمة مثل هذا الهراء.


في 7 نوفمبر/شباط الماضي وصف الرئيس الفرنسي حلف الناتو، خلال حوار مع صحيفة "الإيكونوميست"، بأنه "في طريقه ليصبح  ميت دماغيا" ، وهو التعليق الذي أثار ضجة واسعة وقتها، ثم عاد  ليتصدر عناوين الأنباء في اجتماع زعماء الحلف مطلع ديسمبر. ترى هل "أفاق" الناتو من "موته الدماغي"، من وجهة نظر ماكرون، ويطالب اليوم استراتيجيا بوقف كل هذه الحروب ضد روسيا، أم أنه يطالب بـهدنة إقليمية في مناطق الصراع الساخنة، في سوريا وليبيا واليمن وربما العراق أيضا؟ وإذا كان هذا هو المقصود من مبادرة  الناتو/فرنسا/ماكرون على لسان الأخير، فكم يبدو غريبا طلب الموافقة على هذه المبادرة من روسيا، في الوقت الذي لا توجد فيه أي قوات روسية خارج الأراضي الروسية سوى في سوريا.

وهو تواجد شرعي وفقا للقانون الدولي، وبطلب من الحكومة الشرعية للبلاد، وتقوم القوات الروسية بمهمة تحظى بغطاء شرعي دولي، حيث تواجه روسيا هناك تنظيما، تضعه الأمم المتحدة على قوائم التنظيمات الإرهابية، أم يقصد الرئيس ماكرون هدنة مع داعش؟
في البلدان الأخرى التي ذكرتها، والتي يحتدم فيها القتال لأكثر من عشر سنوات، فإن القوات المشاركة عسكريا في تلك المناطق هي قوات الناتو، وليست القوات الروسية، ولا علاقة لروسيا من قريب أو بعيد بوقف إطلاق النار هناك، وإنما تسعى روسيا دائما لحل تلك الأزمات عن طريق الحوار، والامتثال لجميع قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي. وسوف يكون أمرا رائعا أن يعلن الناتو وقف إطلاق النار في ليبيا واليمن والعراق، كما فعلت ذلك مجموعة أستانا (روسيا وتركيا وإيران) بإعلان مناطق التهدئة في جميع أرجاء سوريا، ما عدا شمال شرق سوريا، وذلك بسبب التواجد العسكري غير الشرعي لحلف الناتو.


وإذا كانت الهدنة المطلوبة هي هدنة استراتيجية من قبل الناتو على مستوى الحرب التي يشنها الحلف ضد روسيا على جميع الأصعدة، فأريد التوضيح هنا أن القيادة الروسية عقدت في العام الماضي وحده 5 مؤتمرات دولية في روسيا تختص بقضايا الأمن الدولي، وأعربت فيها عن قلقها بشأن انسحاب واشنطن من الاتفاقيات الاستراتيجية الخاصة بالصواريخ متوسطة المدى وغيرها، وعدم تجاوب الولايات المتحدة الأمريكية في العمل على تمديد اتفاقية حظر التجارب النووية، وقلقها بشأن توسع الناتو بالقرب من الحدود الروسية ونشر الرادارات الصاروخية التي تهدف إلى إضعاف الإمكانيات الدفاعية الروسية، وكذلك  من استخدام كل أساليب الحرب الهجينة.

وعلى الرغم من كل ذلك، لا تعمل روسيا على زيادة تعداد الجيش الروسي، بل تتفادى كل هذه المخاطر التي تشكلها تصرفات الناتو، من خلال تطوير إمكانياتها الدفاعية، وعمليات إعادة توزيع الوحدات والفرق العسكرية حسبما تتطلب عمليات تعزيز الدفاعات من منطقة إلى أخرى.

بمعنى أن روسيا تلجأ لخطوات دفاعية، في الرد على إجراءات هجومية من قبل الناتو، فعن أي هدنة يتحدث السيد ماكرون؟
هل ينتظر الناتو ألا تقوم روسيا بأي خطوات دفاعية دفاعا عن الأمن القومي الروسي ضد كل ما يقوم به الناتو ضدها؟ أم يرغب الناتو في استغلال أزمة وباء كورونا في التحايل تكتيكيا على روسيا لكسب الوقت، لإضعاف العدو، والمباغتة بضربة استباقية مفاجئة؟
إذا صدقت النوايا، وكانت هناك رغبة حقيقية لبلدان الناتو في تحسين العلاقات الدولية، وتخفيف حدة التوتر الدولي أو الإقليمي، بسبب الأوضاع الراهنة بالغة السوء على مستوى العالم أجمع، فليس هناك حاجة لهدنة عالمية ولا لوقف إطلاق النار. يكفي أن يبادر الناتو بالتخلي عن مخططاته، ويحوّل كل إمكانياته الضخمة من وسائل نقل، ومستوصفات طبية ميدانية، وإمكانيات بشرية ومادية إلى خدمة البشرية، وإنقاذها من وباء فيروس كورونا.

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب

تويتر RT Arabic للأخبار العاجلة
موافق

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا

لحظة بلحظة.. تطورات الهجوم الإرهابي على مركز كروكوس التجاري بضواحي موسكو ومصير الجناة والضحايا