مرآة الإعلام المشوّهة

أخبار الصحافة

مرآة الإعلام المشوّهة
انسخ الرابطhttps://ar.rt.com/nant

تحت هذا العنوان كتب المحلل السياسي رامي الشاعر مقالة في صحيفة "زافترا" حول الوضع الناشئ في منطقة إدلب سياسيا وعسكريا.

نشرت وكالة "فرانس برس"، 15 فبراير الجاري، تصريحا لوزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في مؤتمر الأمن الدولي بمدينة ميونخ الألمانية، جاء فيه أن "انتصار الأسد أمر حتمي".

وهو ما نقلته عن الوكالة كثير من وسائل الإعلام، بما في ذلك "وكالة الشرق الأوسط" و"رأي اليوم"، لتحدثا بهذا الخبر ضجة إعلامية، استناداً لاقتباس "فرانس برس"، واستنتاجاً لأن موسكو إنما تدعم الرئيس السوري، بشار الأسد.

ووُجِّهت إليّ سهام النقد كمحلل سياسي، أكتب حول هذا الشأن، بأنني أسعى في مقالاتي لنفي ذلك، بل وأهدف إلى إعطاء تصور معاكس عنه.

بهذا الصدد أوضّح أن ما نشر، نقلاً عن الوزير الروسي، هو تحريف صريح لكلامه الذي جاء فيه نصاً: "أشير أيضاً إلى أمر آخر.. وهو حتمية الانتصار على الإرهاب. فبينما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية الانتصار على داعش، إلا أن الوحش قد عاد ليرفع رأسه مجدداً.

وعلينا أن نتذكر أنه فضلاً عن داعش، فهناك جبهة النصرة، التي باتت تطلق على نفسها اسم "هيئة تحرير الشام"، المدرجة أيضا على لائحة مجلس الأمن الدولي للمنظمات الإرهابية، وتسيطر حاليا على الجزء الأكبر من مدينة إدلب. وهي واحدة من آخر بؤر الإرهاب، أو على الأقل الوحيدة الباقية على الضفة الغربية لنهر الفرات". (لابد من الإشارة هنا، إلى أن جريدة "الشرق الأوسط"، اعترفت بتحريف التصريح المنقول، وعادت لتنشر التصريح الأصلي في اليوم التالي مباشرة).

هناك احتمال كبير أن يكون الهدف من تحريف العنوان على هذا النحو هو الاستفزاز، وصب الزيت على النار، ورفع درجة التوتر في العلاقات ما بين تركيا وروسيا والقوى المعارضة للحكومة في دمشق.

بل أن البعض من المنتقدين، ذهب إلى أنني أدافع عن سياسة تركيا في شمال سوريا، وهو ما يخالف موقف القيادة الروسية، استناداً إلى الخلافات الكبيرة بين موسكو وأنقرة في عدد من القضايا الدولية. ويطرحون هنا مثالاً على ذلك تصريحات المبعوث الشخصي للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ودول إفريقيا، ونائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف، التي أكّد فيها أن كلمات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بشأن قيادة روسيا، على كافة المستويات، للصراع في ليبيا، لا تتسق مع الواقع. لكن بوغدانوف لم يدل بتصريح خاص بهذا الشأن، وإنما كانت تلك إجابته رداً على سؤال أحد الصحفيين، حيث اكتفى بالرد نصاً: "لا يتسق ذلك مع الواقع على الأرض، ولا أعلم من أين جيء بذلك".

أضيف إلى ذلك أيضاً، أننا نشهد في الأيام الأخيرة، حرباً إعلاميةً استفزازيةً موجّهة، تهدف إلى تشويه الحقائق، وزرع الفتن وإفشال الجهود التي تبذل لحل الأزمتين السورية والليبية بالطرق السلمية، استناداً لقرارات مجلس الأمن الدولي. فضلاً عن الجهود المكثفة، باستخدام كافة الوسائل الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية، من جانب حلف الناتو، لفرض هيمنته على الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من خلال زعزعة الاستقرار في هذه المناطق، والإبقاء على الصراعات وبؤر التوتر كما هي، بل ومحاولة توسيع نطاقها.

لقد وصلت الحرب الإعلامية الضارية إلى درجة من الهوس، في محاولتها "تصوير" الوضع الداخلي في روسيا للمجتمع الدولي، وكأن هناك تناقضات داخلية بين أجهزة الدولة الروسية، وتحديداً بين وزارة الدفاع ووزارة الخارجية. فعلى سبيل المثال، عرضت شاشة تلفزيون "العربية" حواراً، تم بثّه في نفس توقيت انعقاد مؤتمر ميونخ للأمن، صرح فيه أحد المشاركين، تيمور دويدار، بأنه لم يعد هناك دور فعال لوزارة الخارجية الروسية، في الوقت الذي أصبحت فيه وزارة الدفاع الروسية تضطلع بالدور الرئيسي في تقرير السياسة الخارجية لروسيا.

لقد وصلت الحرب والاجتهادات الإعلامية إلى هذه الدرجة، وباستخدام أساليب متنوعة، في محاولة لإضعاف هيبة الدولة الروسية سياسياً و دبلوماسياً، وإعطاء الولايات المتحدة الأمريكية صفة "الدولة العظمى الوحيدة" في العالم، وذلك بالتزامن مع مبادرة ترامب المسماة بـ "صفقة القرن"، والإعلان عن تزويد الغواصات الأمريكية، وخاصة القريبة من الشرق الأوسط، بصواريخ ذات رؤوس نووية، والرهان على إفشال جهود مجموعة "ثلاثية أستانة" والسعي لافتعال صدام تركي روسي إيراني في سوريا.

إني أثق كل الثقة، أن كل هذه المراهنات مصيرها الفشل. نعم، قد لا تتفق الدول الضامنة "ثلاثية أستانة" على كل شيء، ويمكن أن تظهر بينهم خلافات تكتيكية، يتم تجاوزها على مستوى المتخصصين العسكريين والأمنيين والدبلوماسيين، وهو عملياً ما يتكرر يومياً وأسبوعياً وشهرياً، وسيتكرر في المستقبل، إلا أن ذلك لا يؤثر على استراتيجية العمل المشترك بين الأطراف.

لقد طالت الأزمة السورية أكثر مما ينبغي. والآن تسعى روسيا وتركيا وإيران إلى الحفاظ على نظام مناطق خفض التصعيد ووقف إطلاق النار، والتعامل من خلال العمليات العسكرية مع ما تبقى من التنظيمات المصنفة إرهابية، دون وقوع ضحايا بين المدنيين، ودون مزيد من الدمار، لمحاولة إعادة الحياة الطبيعية الهادئة، على كافة الأراضي السورية، كي يتمكن المواطنون السوريون العاديون من ممارسة حياتهم اليومية، ولو في ظروف صعبة في البداية، وهو ما يتطلب مواصلات آمنة، وخدمات طبية، ومدارس، ومساعدات غذائية، حتى يتحقق الأمن ويعود الاستقرار كاملاً إلى كافة ربوع الأرض السورية، كي تتوفر إمكانية تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254.  وإلى جانب مكافحتهم للإرهاب، يضطلع العسكريون الروس بمهمة أخرى وهي مساعدة الجيش النظامي السوري دائماً على القيام بالمهام الآنف ذكرها. حيث تؤكد روسيا دائماً على ضرورة المضي قدماً في هذه الخطوات، وهو ما أشار إليه وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف في كلمته لمؤتمر ميونخ للسلام.

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب

تويتر RT Arabic للأخبار العاجلة
موافق

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا