عصافير الفلوجة السبعة!

أخبار العالم العربي

عصافير الفلوجة السبعة!
مقالات رأي
انسخ الرابطhttps://ar.rt.com/hojh

بعد مرور أربعة أيام على معركة الفلوجة، لا يزال الحبر المسال حول المعركة أغزر بكثير من الدم المراق في المدينة وحولها.

فبعد مرور أربعة أيام بلياليها، ورغم الحديث عن حشد أكثر من 20 ألف مقاتل من مختلف صنوف الجيش والشرطة ومكافحة الإرهاب، إضافة إلى 4000 عنصر من "الحشد العشائري" و17 فصيلا من "الحشد الشعبي"؛ فإن كل هذه القوات لم تقترب من اقتحام مدينة الفلوجة بعد.

ورغم الحديث عن تقدم في هذا القاطع، أو تحرير منطقة في قاطع آخر، فإن القطعات العسكرية لا تزال في تخوم الفلوجة الشمالية منها والشرقية والجنوبية. فيما لا توجد أي قوات عسكرية في المحور الغربي، نظرا لأنها لا تزال  تحت سيطرة "داعش".

وفيما لم تحقق القوات العسكرية أي تقدم في منطقة البوشجل، إحدى قرى ناحية الصقلاوية، التي تحتلها داعش شمال الفلوجة، استطاعت القوات المتجحفلة شرق الفلوجة الدخول إلى مركز ناحية الكرمة أمس، وحررت قوات "الحشد العشائري" بعض القرى في قاطع العمليات الجنوبي التابع لناحية عامرية الفلوجة. وهذا يعني أن القوات العسكرية لم تقترب بعد من مركز قضاء الفلوجة.

أما فصائل "الحشد الشعبي"، ورغم زيارات المالكي والحكيم وغيرهم لها، ورغم إعلام فصائلها الصاخب والاستفزازي أحيانا، وخاصة تصريحات الخزعلي والخفاجي، فإن تصريحات هادي العامري، إضافة إلى رئيس الوزراء حيدر العبادي، فضلا عن تصريحات المتحدث باسم التحالف الدولي سيتف وارن، قالت غير ذلك تماما.

فقد أكدت جميع البيانات والتصريحات الرسمية الصادرة عن "الحشد الشعبي" أو عن الحكومة أو الجانب الأمريكي أن مهمة "الحشد الشعبي" هي عدم دخول المدن أثناء معركة الفلوجة، وانتشاره على أطرافها فقط. فيما أوكلت مهمة دخول المدن ومسك الأرض بعد طرد "داعش" إلى "الحشد العشائري" المشكَّل من أبناء محافظة الأنبار.

وإذا كان الأمر كذلك، فإن هذا الضجيج الإعلامي الصادر عن فصائل "الحشد الشعبي" من جانب، وعدم وجود أي اقتحام فعلي للقوات الحكومية للمدينة من جانب آخر؛ ربما كانت له دلالات ذات مغزى سياسي أكثر منه عسكري.

وأولى هذه الدلالات هي انشغال أو إشغال فصائل "الحشد الشعبي" بالضجيج إرضاءً لغرورها أمام جمهورها، والتعويض عن اقتصار مشاركتها على مهمة الإسناد عن المشاركة الفعلية.

وثانية هذه الدلالات هي محاولةٌ ربما لتوحيد شمل فصائل "الحشد الشعبي" المشتت ولو إعلاميا ضد "داعش"، خاصة بعد أن انقسمت هذه الفصائل قرب المنطقة الخضراء ببغداد الشهر الماضي.

وثالثة الدلالات ربما كانت لمنع اقتحام ثالث للخضراء بعد الاقتحام الأول والثاني من قبل الصدريين.

وقد يكون هدف إشغال فصائل "الحشد الشعبي" بعيدا عن بغداد في معركة إعلامية حول الفلوجة، قد حقق أكثر من هدف، واصطاد أكثر من عصفور محلي وإقليمي بحجر واحد.

فهو قد دفع فصائل "الحشد الشعبي" إلى خارج بغداد لئلا تقتتل فيما بينها داخل بغداد، وهذا عصفور أول. وقد حمى المنطقة الخضراء من اقتحام ثالث محتمل، وهو عصفور آخر. ولم يسمح لهم بدخول الفلوجة وهو عصفور ثالث. وأرضى "الحشد العشائري" من جهة رابعة، وهو عصفور رابع.

وقد تكون هذه العصافير المحلية الأربعة مجتمعة، قد توافَق عليها العبادي والأمريكان؛ لأن حماية  المنطقة الخضراء هدف أميركي، شدد عليه أوباما من جهة؛ وهو تقوية لحكومة العبادي من جهة أخرى. وقد يفسح المجال لعقد جلسة برلمانية معطلة منذ الاقتحام الأول للبرلمان في 30 نيسان/أبريل الماضي.

وإن صح ذلك، فهذا قد يعني أن تحرير الفلوجة قد يتأخر، ما دام وجود العصافير المحلية الأربعة في القفص مطلوبا. أي أن الفلوجة قد تتحرر حين يتم التصويت مثلا على بقية قائمة الظرف المغلق على أقل تقدير، وهذا هدف يرضي الصدريين أيضا، ويضيف عصفورا محليا خامسا إلى القفص.

لكنْ، هل هناك عصفور سادس في قفص معركة الفلوجة؟ ربما نعم! ولكنه عصفور إقليمي هذه المرة، لوجود نوع من توافق سعودي-عراقي على ما يجري حول الفلوجة.

وإن تزامن لقاء السفير السعودي وزير الدفاع العراقي بعد يومين من إعلان معركة الفلوجة وتأييد السعودية لطرد "داعش" من الفلوجة، مع عزم سعودي على تعيين ملحق عسكري في بغداد، فضلا عن لقائه في اليوم نفسه بالسيد حسين الصدر، وهو مرجع شيعي عراقي في الكاظمية، مع إرسال شحنات مساعدات سعودية للنازحين، والمتزامنة كلها مع إعلان معركة الفلوجة، تعدُّ عصفورا سادسا في قفص معركة الفلوجة.

إن معركة الفلوجة قد تكون فتحت المجال لتعيين ملحق عسكري سعودي، وهو أمر بالغ الأهمية، ويشكل تطورا متقدما في العلاقات بين السعودية والعراق. وهذا الأمر ما كان ليمر بسهولة على فصائل "الحشد الشعبي"، سواء كانت  مجتمعة أو متفرقة في بغداد؛ وقد يكون أمر وجودها حول الفلوجة وانشغالها بالضجيج الإعلامي فرصة لا تعوض.

قد يكون هناك عصفور توافقٍ سعودي-إيراني سابع أيضا في قفص معركة الفلوجة. إذ ما كان لتوقيت معركة الفلوجة أن يكون من دون ضوء أخضر من إيران، ولا سيما أنه قد تم  نشر صور قاسم سليماني مع فصائل "الحشد الشعبي" بعد انطلاق معركة الفلوجة، هذا أولا. وثانيا، ما كان لتعيين ملحق عسكري سعودي في بغداد ليمر مرور الكرام على إيران في خضم الصراع الإيراني-السعودي في المنطقة لولا ريح توافق إيراني-سعودي قد تكون قد هبت على بغداد.

والمتابع الدقيق للشأن الإقليمي يلحظ أن خيط تسويات سعودية-إيرانية بدأ يُنسج في اليمن، وتم حلحلة مشكلة الحجيج الإيراني، والملف السوري لا يزال تحت السيطرة. ومعلوم أن الحلحلة إن بدأت في ملف فهي ستنتقل إلى الآخر، وأن الملف العراقي ربما كان هو أحد أهم ملفات الصراع السعودي-الإيراني منذ الحرب العراقية-الإيرانية.

فهل ستكون الفلوجة فاتحة لتوافق سعودي-إيراني في العراق بعد التوافق السعودي-العراقي؟ وهل إن أبواب الصراع المحلي والإقليمي والدولي، التي افتتحتها الفلوجة في "عراق-2003" ستُفتح بدلا منها أبواب للتوافق والتوازن الإقليمي؟ سؤال كبير وجوابه قد يكون معقودا بناصية الفلوجة، ولكل حادث في معركة الفلوجة حديث.

عمر عبد الستار

موافق

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا