ماذا جرى في البرلمان العراقي؟ ولماذا؟ وإلى أين؟

أخبار العالم العربي

ماذا جرى في البرلمان العراقي؟ ولماذا؟ وإلى أين؟
البرلمان العراقي
انسخ الرابطhttps://ar.rt.com/hlde

أنهى البرلمان أزمة استمرت أكثر من أسبوعين بجلسة عقدها 170 نائبا، جددوا الثقة برئيسه ونائبيه، اللذين أقيلا في جلسة سابقة.

 ووسط هرج ومرج في مجلس النواب وحراسة مشددة، دخل رئيسه سليم الجبوري ورئيس الوزراء حيدر العبادي إلى المجلس؛ حيث استقبلهم النواب المعتصمون بالتنديد بعدم شرعية الجلسة وبهتافات "باطل.. باطل!". لكن محاولات النواب المعتصمين لم تنجح بمنع انعقاد الجلسة التي تجاوز حضور النواب فيها النصاب القانوني المطلوب؛ حيث تراوح عددهم ما بين 170 و180 نائبا.

لكن الجلسة شهدت مشادات بين النواب المعترضين ورئيس الوزراء انتهت برشق الأخير بقناني المياه. وبعد تعرض العبادي للقذف بقناني المياه، رفع الجبوري الجلسة نصف ساعة، لكنه لم يغادر القاعة، ولم يتزحزح عن كرسي الرئاسة. ثم انتقل النواب إلى القاعة الكبيرة، ومُنع النواب المعتصمون من دخولها واكتمل النصاب القانوني للجلسة وعرض العبادي تشكيليته الوزارية، وطلب التصويت على عشرة وزراء بعد إقالة زملائهم الحاليين، مستثنيا الوزارات السيادية كالداخلية والدفاع والنفط والمالية.

وحظي خمسة من وزراء "حكومة الظرف المغلق" بالموافقة، فتم التصويت على وزارات الصحة والتعليم العالي والعمل والكهرباء والموارد المائية، واختلف النواب على حقيبة الخارجية، وأخفقوا في منح الثقة لوزيري التربية والعدل، ليتم تأجيل الجلسة إلى الخميس المقبل.

وكشفت مصادر مطلعة عن اتفاق سياسي تضمن تمرير نصف التعديل الوزاري من قائمة "الظرف المغلق" إرضاءً للسيد مقتدى الصدر الذي تمسك طيلة الفترة الماضية بطرحها أمام البرلمان. وأضافت المصادر أن بوادر التقارب بين الصدر والجبوري قد رجحت من كفة "حكومة الظرف المغلق"، التي قدمها العبادي لأول مرة في مارس/آذار الماضي. وقد دفع قرار الصدر سحب نوابه المعتصمين داخل البرلمان إلى تنصل سليم الجبوري من "وثيقة الشرف" التي وقعها إلى جانب ثمانية من زعماء الكتل السياسية بينهم رئيسا الجمهورية والوزراء.

وقد رأى العبادي أن التعديل الوزاري "خطوة مهمة لاستقرار البلد" والتعاون من أجل إجراء الإصلاحات والتواصل مع العالم والمؤسسات المالية الدولية. وأعرب العبادي عن قلقه من محاولات تعطيل مجلس النواب، وأكد وجود دعم كبير للعراق من قبل دول العالم للخروج من الأزمة الاقتصادية.

من جانبه، رأى كاظم العيساوي، المعاون "الجهادي" لزعيم "التيار الصدري"، أن تصويت البرلمان على تغيير عدد من الوزراء جاء بـ"فضل" التظاهرات. وخاطب المتظاهرين، مؤكدا انتصار "إرادة الشعب بجهودكم التي حاولوا كسرها".

وفيما انسحب المتظاهرون، من المنطقة الخضراء واستمرت الاعتصامات في ساحة التحرير، طالب العيساوي بتغيير الكابينة الوزارية بأكملها والقضاء على المحاصصة الحزبية؛ مهددا بـ"مواقف أخرى" في حال عدام التغيير، ودعا إلى محاكمة المفسدين ومن "تلطخت أيديهم" بدماء العراقيين.

ومن الواضح أن ما حصل في جلسة مجلس النواب، أمس (26 04 2016)، كان:

أولا، حلقة في سلسلة الانتقال السياسي في العراق من سنوات عجاف خلت تحت حكم نوري المالكي إلى سنوات خفاف أقبلت. وثانيا، حلقة في سلسلة الصراع بين الصدر والمالكي الذي بدأت أولى حلقاته في عام 2008، وكانت لمصلحة المالكي حينها. واليوم يتغير ميزان المعركة فيكون لمصلحة الصدر. وثالثا، إن ما حصل يُعد أيضا حلقة في مسلسل إبعاد المالكي ورموز ولايتيه عن التحكم في شؤون المؤسسات الأمنية والمدنية. فقد كانت أولى حلقات الإبعاد في أغسطس/آب 2014، حين أُبعد المالكي عن رئاسة الوزراء, ثم في الثانية حين أُبعد المالكي عن منصب نائب رئيس الجمهورية في أغسطس/آب 2015. واليوم فشل المالكي في محاولة وقف إبعاده للمرة الثالثة.

إن ما حصل أمس يُعد فاصلة مهمة في طريق مواجهة فوضى محاولة إعادة أجواء الولاية الثانية للمالكي. لقد حاول المالكي أن يوقف مسلسل حلقات إبعاده عن مواقع صنع القرار والتأثير، وأن يعود مرة أخرى للانتقام ممن أزاحه من رئاسة الوزراء والجمهورية وممن حمَّله مسؤولية سقوط نينوى، لكنه فشل اليوم فشلا ذريعا. لقد حاول المالكي أن ينقلب على الرئاسات الثلاث التي كانت تمضي في طريق إبعاده مدنيا ثم أمنيا.

وقد أدرك المالكي ذلك، وحاول الوصول إلى الولاية الثالثة من خلال إيقاف مشروع الإصلاح بمشروع إقالة الرئاسات الثلاث. لكن الرئاسات الثلاث ومن خلفها الصدر أطاحت به. لقد ضرب الصدر ومعه الرئاسات الثلاث حجرا فأصاب عصفورين: أحدهما إفشال حركة المالكي بالبرلمان الموازي، والثاني بالتصويت على ‫‏تشكيلة العبادي. ولا يزال طريق الإصلاح والمصالحة وخروج العراق من أزمته ملغما ولكل حادث في سلسلة حلقات مواجهتها حديث.

ويبقى أن إصلاح المشهد مرتبط بإدراك الأطراف، التي حكمت العراق بعد عام ٢٠٠٣، أنها فشلت في الحكم. وفشلت ليس في إقناع الدول بأنها تصلح للحكم، بل في إقناع جمهورها أيضا.

فبعد أن أُهدر تريليون دولار، وضُيِّع ثلث مساحة العراق بيد "داعش"، وهُجِّر ثلاثة ملايين مواطن، وخُرِّبت أربع محافظات، وأصبحت ميزانية السلطة خاوية على عروشها؛ لم يبق إلا الاعتراف بالحقيقة المرة بأن الطبقة السياسية التي امتلكت زمام الحكم حان لها أن تنسحب أمام تسونامي إصلاحي، يريد خلاصا ممن فشل في السنوات الثلاث عشرة الماضية.

ومن هنا تحرك تسونامي الجمهور في عام 2015 مطالبا بحكم مدني وبحكومة تكنوقراط. ورنين مصطلح التكنوقراط كان أيضا من تداعيات تغير معادلة القوة جيوسياسيا بعد لوزان. ونحن نرى أن حبل المطالبة بالتكنوقراط لا يزال على الجرار في ظل الخلاف بين الصدر والمالكي، والذي أتوقع أن يؤدي لاحقا إلى انتفاضة شعبية قبل أن نرى لحكومة تكنوقراط وجودا. وإن وُجِدت فلعلها تكون بداية تنسج من خلالها على منوال مصالحة وطنية برعاية دولية وتعديل دستور؛ وحتى يكون ذلك فإن لكل حادث في هذا حديث.

ختاما، فإن ما حصل أمس في البرلمان العراقي يمثل انعطافه جديدة  وتبادل أدوار واضح. فقد  حل المتطرفون‫ من "التحالف الوطني" وحلفاؤهم محل المتطرفين المعارضين للعملية السياسية  بعد عام 2003. وبا‫‏لضوضاء و‫‏الصياح و‫‏الاعتصام - ربما بالسلاح غدا - حاول المتطرفون ‫من "التحالف الوطني" وحلفاؤهم فرض أنفسهم خلافا للقانون والدستور.

أما سياسيو "اتحاد القوى" وحلفاؤهم" فقد انضموا إلى ركب ‫‏السياسة بامتياز، واخذوا مكان المتطرفين مثلما كان سياسيو "التحالف الوطني" بعد عام 2006.. والسر في تغير معادلة ‫‏القوة، ولننتظر القادم من الأيام!

عمر عبد الستار

موافق

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا