ثلاث ثوان.. نفوز ونخسر ونفوز مجدداً

الثقافة والفن

ثلاث ثوان.. نفوز ونخسر ونفوز مجدداً
انسخ الرابطhttps://ar.rt.com/jwla

على الرغم من أن الفيلم الروسي "الارتقاء" يعرض في صالات السينما منذ فترة، إلا أنه لا يزال يحظى بإقبال جماهيري منقطع النظير.

«يا شباب! في حوزتنا ثلاث ثوان.. عربة كاملة من الوقت الذي يسمح بالفوز والخسارة والفوز مجدداً»

عبارة من الفيلم الروسي "الارتقاء"، باتت واحدة من أكثر الأقوال المأثورة المتداولة في صفوف نشطاء الانترنت في روسيا، وقد وردت في اللحظات الحاسمة من مباراة تاريخية أُجريت في واحدة من أكثر بطولات الأولمبياد التي لا يمكن أن تتذكرها، دون العودة إلى الحرب الباردة والعنف المسلح الذي شهدته.. إنها المنافسة بكرة السلة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة على ذهب "ميونيخ 1972".

"هم سيخسرون ذات يوم وأرى أنه من الأفضل أن يخسروا أمامنا". قول مأثور آخر من هذا الفيلم جاء على لسان مدرب الفريق بأداء الفنان فلاديمير ماشكوف في أثناء مؤتمر صحفي عن مباراة حتمية ستجمع بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة بكرة السلة، ما أثار حفيظة، وغضب البعض ممن رأوا أنه بعد تصريحات نارية كهذه لا يمكن أن يقبل السوفييت سوى الفوز.. وإلا.

يتناول فيلم "الارتقاء" هذا الحدث التاريخي، ويسلط الضوء على انتصار الاتحاد السوفيتي.. ومن الملائم هنا استخدام لفظة انتصار لا فوز، لأن الظروف المحيطة بالمواجهة جعلت من نتيجتها أكثر من مجرد فوز في لعبة رياضية تعد الأكثر شعبية في أمريكا، سيما وأن الأمر في نهاية الأمر اقتصر على نقطة واحدة في ثانية واحدة هي الأخيرة من عمر هذا اللقاء.

بالطبع هذا فيلم روائي وليس وثائقي فمن غير المتوقع أن يكون مرجعاً رصد الأحداث كما هي دون إضافة بهارات الحبكة الدرامية هنا أو هناك، على الرغم من أن الأحداث الواقعية كانت درامية أقرب إلى الخيال، قد لا تتفتق عن ذهن أكثر كتُاب السيناريو مهارة في شبك خيوط الأحداث، وإلا فكيف يمكن وصف تفوق المنتخب الأمريكي على السوفيتي لأول مرة في الثواني الأخيرة من المباراة وبفارق نقطة واحدة فقط.. لتنتهي بفوز السوفييت بفارق نقطة واحدة أيضاً.

يتعرف المشاهد من خلال أحداث الفيلم على الأوضاع السائدة في الاتحاد السوفيتي، إذ شكّل منتخب فريق السلة، حسب سيناريو الفيلم، حالة مصغرة من المفارقات والمتناقضات في هذا البلد، إذ يستعرض طبيعة العلاقات بين أعضاء الفريق على اختلافا انتماءاتهم العرقية والدينية والايديولوجية.. فمنهم من يحلم بخلاص وطنه، ليتوانيا، من السيطرة السوفيتية، ومنهم من يرى أن وطنه هو بيته وأهله وقريته فحسب.

كما يستعرض الفيلم مواقف إنسانية، الإيثار والتضحية والعرفان بالجميل.. يُفضل عدم الخوض في تفاصيلها كي يستشعرها من يرغب في مشاهدة هذا الفيلم.. ناهيك عمّا يتكرر دائماً، وهو محاولة أحدهم التملق بنجاح المهمة بعد أن كان ضدها وبذل كل ما في وسعه للحيلولة دون تنفيذها.

تجلس في صالة العرض وتتابع المباراة التي استنسختها ووثقتها كاميرا الفيلم الروائي، تجلس وأنت تعرف تفاصيل النهاية فتشعر نفسك شريكاً في الحدث، مثلما في فيلم "تيتانيك" حيث تشعر نفسك شريكاً في جريمة لا ذنب لك فيها، وينتابك حساس بالأسى والحزن على كل هذا الجمال الذي تراه أمامك منذ لحظات الفيلم الأولى. أما في "الارتقاء" فأنت شريك في حكاية من نوع آخر، فتنتظر، ثم تنتظر نهاية الفيلم على أحر من الجمر، وكأنك تشعر أنها لن تكون تجسيداً للحدث التاريخي بحق.. إلا إذا كنت شاهداً عليه هنا والآن.

من اللحظات الأكثر إثارة في الفيلم هي احتفال لاعبي المنتخب الأمريكي بالفوز بذهبية الأولمبياد، علماً أن المباراة لم تنتهي بعد إذ تبقت تلك الثواني الثلاث منها.. فتجد نفسك وأنت ترى هذا المشهد المثير للشفقة تتذكر كلمات i feel like i win when i lose.. من أغنية Waterloo.. وهو ما أدركه، أو ربما لم يدركه ولم يتقبله اللاعبون الأمريكيون حتى الآن، إذ أنهم يرفضون تسلم الميداليات الفضية ولسان حالهم يستشعر كلمات أغنية Dr. John.. I been in the right place, but it must have been the wrong time.. التي شهدت النور بعد أشهر من هذه الهزيمة المرّة.. لا سيما وأن البرونزية كانت من نصيب كوبا.

"لا تقلل من شأن حتى الثانية الواحدة". قول مأثور لكنه لم يرد في الفيلم وإنما ردده أحد مشاهدي "الارتقاء"، وهو عنوان أغنية في أحد أشهر المسلسلات السوفييتية "17 لحظة من الربيع"، أعادت الكثيرين إلى صيف ميونيخ الساخن الذي شهد فصلاً من فصول الحرب الباردة بين العملاقين.

علاء عمر

موافق

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا