مأساة "كاطين" وعمى الألوان البولندي

أخبار العالم

مأساة
انسخ الرابطhttps://ar.rt.com/h45e

يبدو أن عداء وارسو الدون كيخوتي لموسكو لم يتغير على الرغم من مرور عقدين ونيِّف على انهيار الاتحاد السوفياتي وتحول بولندا عن الشيوعية.

لم يجد المشرفون البولنديون على  أيام الثقافة البولندية في مقاطعة تيومين الروسية نهار الثلاثاء الماضي شيئا "أفضل" من الإصرار على عرض فيلم المخرج البولندي أنجي فايدا "كاطين"، للتذكير بمأساة قرية كاطين الروسية، حيث قامت أجهزة القمع الستالينية في عام 1940 بإعدام جماعي لأسرى الحرب البولنديين، الذين بلغ عددهم وفق المصادر البولندية 20 ألفا، كان معظمهم من الضباط.

جاء ذلك على وقع تصريحات بياتا شيدلو رئيسة الوزراء البولندية المقبلة، المرشحة عن حزب "القانون والعدالة" اليميني المتطرف، الذي فاز بالغالبية الكبرى من الأصوات في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، بأن روسيا تبقى عدوة لبلادها.

ويبدو أن عداء وارسو الدون كيخوتي لموسكو لم يتغير على الرغم من مرور عقدين ونيِّف على انهيار الاتحاد السوفياتي وتحول بولندا عن الشيوعية. وهي لا تزال مصابة بعمى الألوان منذ ظهور عامل الكهرباء البولندي ليخ فالينسا، وتزعمه نقابة "تضامن" العمالية عام 1980، وانتصاره بفضل تلاقي عدة عوامل خارجية، أهلته ليكون بطلا في نظر العالم الغربي، وللحصول على جائزة نوبل للسلام عام 1983، وليصبح كذلك في نظر شعبه، الذي انتخبه رئيسا لبولندا عام 1990.

أما الجنرال فويتسيخ ياروزلسكي، الذي فرض الأحكام العرفية عام 1981، وأنقذ بلاده من حرب أهلية محتملة، وجنبها تدخل قوات حلف معاهدة وارسو، فهو ما زال بنظر شعبه خائنا واستحق رغم عمره المتقدم محاكمة قبل سبع سنين من وفاته، قال فيها الشيخ العجوز، إن فرض الأحكام العرفية كان "أهون الشرين"، مؤكدا أن النصر الذي أحزرته "تضامن" لاحقا لم يكن ليتحقق بغير القرارات "الواقعية"، التي اتخذها إبان حقبة الأحكام العرفية وبعدها.

وعلى أي حال، وبدلا من التنعم بـ"الحرية"، الذي نالتها عام 1989، وبمليارات الدولارات، التي جنتها من التجارة مع روسيا، وبملايين الدولارات، التي تنالها من ترانزيت الغاز الروسي إلى أوروبا، وكذلك بفتح سوق العِمالة الأوروبية أمام مواطنيها، تقوم بولندا من حين لآخر بالنبش في صفحات التاريخ القريب والبعيد وتصفية الحسابات مع روسيا عما جرى في عهد الاتحاد السوفياتي السابق.

ويبدو أن السياسيين البولنديين الجدد يصرون على صنع هولوكوست بولندية خاصة بهم.

ويقوم هؤلاء السياسيون من وقت لآخر، رغم أن روسيا قدمت اعتذارها عن جريمة "كاطين"، بتسييس هذا الحدث المأساوي مرة بعد أخرى واستخدامه لأسباب داخلية، متناسين أن السوفييت، وجدوا مراقدهم الأخيرة أيضا في هذه البقعة أيام الحقبة الستالينية، ومتناسين إن ما حدث كان مأساة كبرى ليس للشعب البولندي فقط بل وللشعب السوفيايتي أيضا، حيث تم العثور تحت جثث الضباط البولنديين على جثث مواطنين سوفييت أيضا، قتلهم النظام الستاليني.

ومن جانب آخر، يتناسى السياسيون البولنديون الجدد المصير المأساوي لجنود الجيش الأحمر، الذين وقعوا في قبضة البولنديين أثناء حرب عام عشرين من القرن الماضي، حيث تشير التقديرات إلى أن عدد الجنود الروس، الذين لاقوا حتفهم في معسكرات "بيلسودسكي" البولندية يتراوح بين 20 ألفا و100 ألف جندي، لم تعتذر وارسو عن مقتلهم حتى الآن.

والسؤال هو لماذا يعد البولنديون الجدد مأساة "كاطين" مذبحة كبرى بينما لا يرون في هلاك الأسرى الروس جريمة ما.

سئل الزعيم الصيني شو إين لاي عن تقييمه لأحداث الثورة الفرنسية، فقال في اقتضاب: "ما زال الوقت مبكراً جداً على تقييم أحداث تلك الثورة!".

والتاريخ أيضا لم يقل كلمته الفاصلة بعد فيما حدث في عام 1940.

أما آن الأوان لكي يخوض في هذا الموضوع علماء التاريخ لا السياسيون؟!.

 

حبيب فوعاني

موافق

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا