مختارات من أنطولوجيا الشعر الروسي - الحلقة الرابعة - المستقبلية
- مختارات من أنطولوجيا الشعر الروسي
- مختارات من أنطولوجيا الشعر الروسي - الحلقة الثانية - العهد الفضي في الشعر الروسي وأهم تياراته الإبداعية (الرمزية)
- مختارات من أنطولوجيا الشعر الروسي - الحلقة الثالثة - الأكميزمية
- مختارات من أنطولوجيا الشعر الروسي - الحلقة السادسة - الثلاثينيات
- مختارات من أنطولوجيا الشعر الروسي - الحلقة الخامسة - العشرينات
- مختارات من أنطولوجيا الشعر الروسي - الحلقة السابعة – الأربعينات
- مختارات من أنطولوجيا الشعر الروسي - الحلقة الثامنة - منذ نهاية الحرب وحتى نهاية الستينات
- مختارات من أنطولوجيا الشعر الروسي - الحلقة الأولى - إجمال مختصر
المستقبلية
ظهرت المستقبلية في البداية في إيطاليا عام 1909 كأحد تفرعات ما يعرف بالموديرنيزمية، وطبع المانيفيست المستقبلي في صحيفة " الفيغارو" الفرنسية، خريف العام ذاته ،وكان ظهورالمستقبلية في روسيا في فترة مقاربة في بطرسبورغ بزعامة الشاعر إيغور سيفريانين تحت اسم "إيغو فوتوريزم" أي المستقبلية الذاتية ، وتحلقت الجماعات المستقبلية حول دار نشر تسمى البشير البيوتر بورغي، ومن أهم شعرائها آنذاك إلى جانب إيغور سيفريانين ألكسي كروتشونيخ وقسطنطين أوليمبوف وفاسيليسك غنييدوف وفاسيلي كامينسكي ودافيد بورليوك وفيليمير خليبنيكوف. وتألقت المستقبلية كظاهرة أدبية واسعة الانتشار بعد إصدار بيانها صفعة للذوق العام عام 1913 ، وعنوان البيان يعبر عن أهم توجهات هذه المدرسة في رفض الذوق العام والموروث عموما، ثم عرفت باسم المستقبلية التكعيبية، ودخل حومتها فلاديمير ماياكوفسكي فأعطاها زخما كبيرا، وتفرعت إلى مجموعات بين متطرفة ومعتدلة نسبيا.
ضمت المستقبلية عموما شعراء متفاوتي القدرات والأمزجة يوحدهم الهجوم على القديم، وانتشرت في معظم مدن روسيا كاتجاه صاعد بقوة وخاصة من خلال الأمسيات والندوات ، وفي مقدمة الأكثر نشاطا منهم كان فلاديمير ماياكوفسكي ودافيد بورليوك الذي يقول:
الشعر فتاة مهترئة
والجمال قذارة مفترية
وكان المستقبليون يعتقدون أن على الشعر التحدث عن التغييرات التي طرأت على نفسية الإنسان بأسلوب جديد تماما، وولعوا بالإيقاعات حتى أنهم اعتبروا رنين اللفظ أهم من مضمونه إلى درجة محاولة تمثل الصوت كحالة لها قدرتها التعبيرية الموازية للصور الشعرية كما عند فلاديمير ماياكوفسكي:
صاح الزنجي
وووووووو
وووو
يانيلي ... يانيلي
ونادى المستقبليون بالبحث عن لغة جديدة للفن الشعري مركزين على الإيقاع الذي يجب أن يتجاوز الإيقاعات السلفية واعتبروا الألفاظ كنها ماديا يمكن تحطيمه وإعادة صياغته ، كما بالغ المسقبليون في ابتكار الصور حتى لو كانت مجافية لوجه الشبه ، وحاولوا مزج عطاءات الفنون الأخرى مركزين على طبيعة إخراج القصائد موشاة بالرسوم والتعابير التشكيلية، وطباعة المجموعات الشعرية باستخدام ورق الجدران ،كما سعوا إلى إصدار مجموعات شعرية مشتركة لعدة شعراء بآن معا إمعانا في تكريس وحدة هذا التوجه ، بل إنهم سعوا إلى تحطيم البعد الدلالي للمجازات، وأدخلوا كل ما يحلو لهم من المصطلحات المعاصرة والعلمية وحتى الوثائقية إلى جانب الفانتنازيا كل هذا التنوع أعطى المستقبلية خواصا وطنية روسية ، مع تفاوت كبير في التناول والأساليب مما جعل نتاجات الشعراء متمايزة بعضها عن بعض، الأمر الذي دفع ماكسيم غوركي للقول أن لا وجود للمستقبلية في روسيا بل يوجد سيفريانين وبورليوك وماياكوفسكي وكامينسكي.. . ووصل الأمر بحماسهم لصفع الذوق العام إلى ابتكار صور مقززة ولا تمثل المشاعر الحقيقية للشاعر حتى أن فلاديمير ماياكوفسكي يكتب في أحدى قصائده قائلا:
أنني أحب أن أتفرج
كيف يموت الأطفال
والحقيقة أن مجمل أشعارفلاديمير ماياكوفسكي معاكسة لهذه الصورة السادية لكن الهدف منها هو الغرابة التي تصفع الذوق العام . من جهة ثانية لعب الواقع المتغير بقوة دوره في التوجهات المستقبلية وخاصة لدى ماياكوفسكي واعتبرت كتيار إبداعي رديف للثورة. وتشير بعض المعطيات إلى أن الاستقبالية بلغت شأوا عظيما أواسط العقد الثاني من القرن العشرين حتى أن المجموعات الشعرية للاستقباليين تجاوزت الأربعين ألفا في تلك الفترة. وتحلق شعراؤها حول صحيفة "فن الكومونة" ومجلة "الإبداع"، كما أصدر المستقبليون صحيفة خاصة بهم ، ووصل ولعهم بتحطيم القديم والعيش في ثورة دائمة حد الدعوة إلى ثورة ثالثة وضرورة فصل الفن عن السلطة بل وطالب بعضهم بالاستيلاء على المسارح وصالات العرض وقاعات الندوات ، هذا ناهيك عن ظهور توجهات مؤيدة للحرب لدى بعض المستقبليين، الأمر الذي كان ساطعا في إيطاليا .
وكان من البديهي أن تصطدم أفكار المستقبليين برغبات السلطة الوليدة التي دعت أخيرا إلى تهميش هذا الاتجاه ومواجهة أطروحاته وتفنيدها ، وتشتت المستقبلية في العشرينات، وعاد بعض رموزها إلى تجمعات أخرى وخاصة ما سمي آنذاك بجبهة الفن اليساري.