من تهدد أورسولا؟
نشرت صحيفة "روسيسكايا غازيتا" مقالا عن قرار برلين زيادة عديد القوات المسلحة، مشيرة إلى استغلال وزيرة الدفاع "العامل الروسي" لتعزيز الجيش الألماني.
جاء في مقال الصحيفة:
هل سيتمكن الاتحاد الأوروبي مستقبلا من إبقاء الآلة الحربية الألمانية تحت السيطرة؟
هذا السؤال ليس عبثيا، عندما تبدأ بلدان تكبدت الهزيمة في الحرب العالمية الثانية، تحت ذرائع مختلفة، إعادة بناء المقدرات الهجومية لجيوشها. إن ذلك ما يحدث في اليابان، والمسارات نفسها بدأت الآن في ألمانيا. بيد أن الدافع الشكلي لتقوية جهود وزارة الدفاع الألمانية أصبح "الخطر الروسي" المحتمل.
وزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون دير لاين أعلنت عن زيادة عديد الجيش الألماني. وهذه الزيادة تبدو للوهلة الأولى غير كبيرة، حيث سيضاف إلى العدد الحالي، وهو 177 ألف عسكري، 14 ألفا و400 جندي و4 آلاف و400 اختصاصي مدني. وسوف تكون ألمانيا بحاجة إلى ألفين و300 جندي بحلول عام 2023.
غير أن "نمو" الجيش الألماني في هذه الحالة ليس مهما، بقدر ما هي مهمة أسبابه الجيوسياسية، التي تضعها برلين على رأس أولويات سياستها الدفاعية. فألمانيا، كما يظهر من تصريحات وزيرة الدفاع، لا تملك العدد الكافي من العسكريين للمشاركة في 16 مهمة خارج البلاد؛ بما فيها المناورات التي يجريها الناتو على حدود روسيا الشرقية. ولردع موسكو، التي بالمناسبة لم يسبق لها أن هددت أيا من دول الناتو في أوروبا الشرقية، ستُنقل إليها أربع كتائب – اثنتان أمريكيتان، وواحدة بريطانية وأخرى ألمانية. وقد أخذت ألمانيا على عاتقها تشكيل القطعة، التي سترابط في لاتفيا (هنا يجب أن نتذكر تصريحات الحكومة اللاتفية المؤقتة عام 1941، التي أعربت فيها عن شكرها لمنقذ الحضارة الأوروبية، مستشار ألمانيا العظيمة أدولف هتلر وجيشه المقدام محرر أراضي لاتفيا- المحرر).
وقد علق مدير الجامعة الأمريكية في موسكو إدوارد لوزانسكي على خطط برلين في مقال له نشرته "واشنطن بوست"، بقوله: إن "المستشارة أنغيلا ميركل تقدم برحابة صدر الكتيبة، التي سترابط على بعد 100 ميل من سان بطرسبورغ، لتذكير الروس بالحصار الذي فرضه النازيون على المدينة مدة 872 يوما.
إن الزيادة المعلنة في الجيش الألماني هي جزء من استراتيجية ميركل، التي تساند بقوة مشاركة ألمانيا في الحفاظ على الاستقرار في العالم، الذي يحتاج إليه الاقتصاد الألماني. ولكن رئيسة الحكومة الألمانية ترى التهديدات من منظور خاص جدا يتطابق مع تلك التي جاءت في توجيهات الناتو. ووفقا لنائب رئيس حزب "البديل من أجل ألمانيا"، فإن الحلف الذي، خلافا لوعوده، يقترب أكثر فأكثر من الحدود الروسية، ويصبح أداة لـ "الجيوسياسة الأمريكية"، ويتحول خطوة بعد خطوة من حلف دفاعي إلى هجومي. وإن قيادة الحلف تتوقع شغل برلين مواقع قيادية فيه، بعد أن تتخلى عن أمزجتها السلمية القائمة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
من جانبها، تُوهم السلطات الألمانية أوروبا الشرقية بأن مشاركتها في عمليات الناتو وتحديث قواتها المسلحة لا يشكلان أي تهديد لجيرانها، بل أنهما ترميان إلى شيء واحد: مواجهة خطط موسكو.
وقد ردت مجلة اقتصادية ألمانية على البرامج العسكرية لوزيرة الدفاع، بنشرها صورة واقعية للتعاون بين الشركات الألمانية والروسية، بينت أن 80 في المئة من المنتجين الألمان لا يشعرون بأي تهديد من جانب موسكو، بل هم على العكس من ذلك يوسعون إنتاجهم في روسيا.
إذا، لماذا احتاجت وزيرة الدفاع إلى ذريعة "يد موسكو" السيئة الصيت؟ السبب واضح للعيان. لأجل ذلك تكفي دراسة التقرير السنوي لمفوض الوزارة هانس–بيتر بارتيلس، الذي صدر مؤخرا حول القوات المسلحة، والذي نشرت صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" جزءا منه، وجاء فيه أن "وزارة الدفاع عمليا ينقصها كل شيء". فبالنظر إلى تقليص عديد الجيش الألماني الذي أُجري سابقا "تم تخفيض الدعم المادي للقوات المسلحة بنسبة 70 في المئة". كما تم إلغاء الاحتياطي البشري بسبب "عدم جدواه اقتصاديا". وقد اقترح أحد البرلمانيين رفع حجم المخصصات الدفاعية من 1.16 إلى 1.2 في المئة من حجم الناتج الإجمالي المحلي معتبرا عام 2016، سنة "تحولا في وزارة الدفاع".
إن نشاط الناتو في شرق أوروبا، وظهور مصطلح "الخطر الروسي" في لغة ساسة الغرب، سمح لوزيرة الدفاع الألمانية باستغلال الأوضاع لمصلحة وزارتها، لإجبار البرلمانيين الألمانيين جامدي التفكير المناهضين للحرب على زيادة المخصصات. ولكن واشنطن تطلب بأن لا تقل المخصصات الدفاعية للدول الأعضاء في الناتو عن 2 في المئة من حجم الناتج الإجمالي المحلي.
وإذا وافقت برلين على هذه النسبة فسيعني ذلك تخصيص 60 مليار يورو. ولذا على جيران ألمانيا الأقربين أن يفكروا: هل كل خطوات السلطات الألمانية هي بسبب الخوف المفترض من روسيا؟ أم أن برلين تستخدم لمصلحتها المخاوف المرضية لبولندا ودول البلطيق من "الغزو الروسي" الذي لم يكن يوما في خطط الكرملين؟
غير أن ألمانيا هي التي كانت تطمح في كل من الحربين العالميتين في القرن الماضي إلى السيطرة على دول البلطيق وبولندا، وليس من دون نتيجة...
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب
التعليقات