كل خامس.. خسائر الاتحاد السوفييتي في سنوات الحرب الوطنية العظمى!

أخبار الصحافة

كل خامس.. خسائر الاتحاد السوفييتي في سنوات الحرب الوطنية العظمى!
انسخ الرابطhttps://ar.rt.com/pwrs

في 3 من مارس/آذار 1943 حررت مدينة رجيف. وقد بقي ثلاثمئة شخص فقط من أصل خمسين ألفا كانوا في المدينة قبل الحرب.

 وقبل تحرير المدينة بيومين حشر الألمان هؤلاء جميعا في كنيسة تتبع الطقوس القديمة وزرعوا الألغام فيها. نجا بعض من كان موتهم حتمي،  بمعجزة إذ لم تنفجر الألغام، فقد أبطلت مفعولها عناصر الاستطلاع من وحدات جيش العمال والفلاحين الأحمر المتقدمة التي دخلت رجيف. حالف الحظ هؤلاء القلة.

"عند انسحاب الألمان من قرية دراتشيفو في منطقة جامسكي في مارس/آذار عام 1943 حشر الملازم بوس مساعد قائد الدرك الميداني الألماني مئتي شخص من السكان في بيت عاملة في مزرعة تعاونية، وأغلق الأبواب وأحرق البيت ما أسفر عن موت الجميع حرقا"، جاء ذلك في إحدى مذكرات لجنة الطوارئ الحكومية حول الفظائع التي ارتكبها المحتلون الألمان.

شيد في بلدة فيريتسا في مقاطعة لينينغراد في سنوات الاحتلال معسكر اعتقال للأطفال، نقلوا إليه عنوة من مناطق القتال. لماذا؟ لكي ينقل دمهم إلى جنود الجيش الألماني النازي. "ماتت أختي لينا هناك في المستوصف. قالت: "أخرجني من هنا يا ساشا. لم يعد عندي دم ومع ذلك ما زالوا يسحبون مني". وقد ماتت في اليوم التالي" - تذكر أحد الذين بقوا على قيد الحياة.

هذه الواقعة وآلاف الحقائق الأخرى عن إبادة السكان المدنيين عمدا – الأطفال والنساء والعجائز وثّقها الجانب السوفييتي، وأعلن عنها في محاكمات نورمبرغ.

لم يكن أحد يشك أن جميع النقاط قد وضعت على الحروف إلى الأبد لفهم من كان المجرم في الحرب العالمية الثانية، ومن كان الضحية، ومن كان بطل التحرير. ولكن لا. ففي القرن الحادي والعشرين بدأت عملية إعادة إحياء النازية إلى عالمنا، وبدت بسّامة ورحيمة بنظارة راقية، وأنشأت أعشاشا لها في مستنقعات فضاء الانترنت ووضعت بيوضها... ومن هناك راح يفرِّخ البعض بتسارع مرعب، إما بصراخ حول "الأمر الإجرامي" الذي نفذته زويا كوسموديميانسكايا، هل يعني ذلك أن الألمان الذين أعدموها قد منعوا وقوع الجريمة؟ وإما عن مقدم برامج تلفزيوني شهير في القرن الفائت، أو رسام كاريكاتير، أو عن شخص لا يجوز ذكر اسمه. ومهما كان أسلوبهم ملتويا ومنمّقا فإنهم يعبرون عن آرائهم البديلة بحيث يبدو دائما أن هتلر وعصبته ليسوا مذنبين في شن الحرب قبل ثمانين عاما ضد شعوب الاتحاد السوفييتي لإبادتها، لا! إنه الاتحاد السوفييتي وروسيا وستالين والشعب الروسي هم المذنبون في موت هذا الكم الهائل من الضحايا التي تكبدوها في مواجهة النازية الأوروبية لكي يبقوا هم على قيد الحياة.

ونحن مواطنو روسيا لم نعد  نولي اهتماما بما يقولون وعن ماذا يتحدثون تحديدا.

آن الآوان لوضع حد لهذا الأمر. آن الأوان أن نكف عن التعامل مع التعابير التي تُطرح على الملأ حول الحرب كما لو أنها أمور على المؤرخين أن يهتموا بها وحسب. احترام أعمال الأسلاف يجب أن يعني احترام الحقيقة، والوثائق ودقة المصطلحات، وصدقية الصياغات المختارة.

وإن كنا نطالب باحترام ذكرى الذين سقطوا في القتال من جنود الجيش الأحمر، وجميع الضحايا يجب في نهاية المطاف أن نشرح ونؤكد أرقام خسائرنا البشرية والمادية.

في إحدى محاضراتي أوائل عام 2000 سألت طلابا جامعيين في السنة الثالثة: "ما هي خسائر بلدنا الميدانية والعسكرية في الحرب الوطنية العظمى؟". بدا لي آنذاك أن هذا السؤال يمكن أن يوجه لتلميذ في الصف السادس في مدرسة سوفييتية. وخلافا لما توقعت ساد الصمت في القاعة، ولم تكن الهواتف الذكية متوفرة بعد والحمد لله، ولم يكن هناك مجال لأحد كي يسترق السمع أو النظر.

كان عليّ أن أبسط السؤال. "حسنا ما هي الخسائر العامة، أعطوني الرقم الرسمي" وجاءت الأجوبة العشوائية...سبعة ملايين! عشرون مليون، خمسون! لم أصدق أذنيّ، بدا لي أنني إما في مزاد مجنون أو أن طلاب جامعتي الحبيبة يسخرون مني. لا، إنهم بكل بساطة لم يكونوا يعرفون. هذا من ثمار التدريس في التسعينات، والكتب التدريسية التي قدمها سوروس، والقمامة المعلوماتية السخيفة... جهل مُطبِق! 

الرقم الرسمي هو 26،6 مليون إنسان. تذكروا يا أطفال:26،6 رقم حُسِب بصعوبة (سيتم الحديث عن ذلك لاحقا)، لكنه رقم رسمي، وهو حتى هذا اليوم الأكثر دقة.

بالمناسبة عندها قررت أن أمتحن سرعة بديهة الطلاب.

وها أنا أقدم السؤال الثاني: حليفتنا بريطانيا حاربت هتلر لفترة زمنية أطول منا بمقدار عامين. حاربت هاتين السنتين وحدها عمليا. 

إن كان ثمن النصر هو وفق ما تقوله إذاعة "صدى موسكو" 26،6 مليون فكم قدم حلفاؤنا الرئيسون البريطانيون من البشر لتحقيق النصر المشترك؟ 

كان كل شيء رائعا لدى الطلاب بما يتعلق بالنسبة لسرعة البديهة وعلم الحساب.

"إن كنا نحن مع الولايات المتحدة وبريطانيا قد قدمنا خلال أربع سنوات 26،6 فإن الإنكليز -مع إضافة سنتين من الحرب خاضوها وحدهم- قدموا ما لا يقل عن 40 مليون" ردت القاعة بشكل جماعي.

ولكن من الذي يهتم "بثمن النصر" الذي دفعه إخواننا في السلاح-انظر المقالة التي تتحدث عن ذلك في موقع histrf.ru.

ورغم أن كل حياة غالية لا تقدر بثمن، ولا يوجد ما هو أكثر إثارة للاشمئزاز من مثل هذه "الإحصائيات" إلا أننا يجب أن نعرف هذه الأرقام.

أن نفهم كيف تمت عمليات الحساب. لأنها اليوم مع الأخذ بالاعتبار كل المحاولات المقززة لإعادة النظر بالأسباب الأولى لنشوب الحرب العالمية الثانية ونتائجها في الغرب ليست مجرد عمليات إحصاء، إنها للأسف نهج سياسي كبير.

هذه الأرقام يجب أن تكون رسمية وأن تكون مُثبتة علميا ومُؤكدة بالأدلة.

إذن، 26,6 مليون.

ما زال المؤرخون اليوم يستخدمون معطيات أواخر الثمانينات. وقد تم حسابها بمقارنة التعداد والبنية العمرية لسكان البلد في يونيو/حزيران عام 1941 و31 من ديسمبر/كانون الأول عام 1945. وتم رفع سقف الحدود الزمنية إلى الأعلى لكي يتم حساب العسكريين الذي ماتوا نتيجة جراحهم في المشافي، وعودة الأسرى المحررين من المعسكرات الألمانية إلى أوطانهم، "والعمال الشرقيين، والذين يطلق عليهم باللغة الألمانية "أوستاربايتير". وغيرهم.

تم تقدير عدد سكان الاتحاد السوفييتي في 22 يونيو/حزيران عام 1941 عن طريق نقل تاريخ نتائج إحصاء عدد سكان البلد قبل الحرب (أجري آخر إحصاء في يناير/كانون الثاني عام 1939) مع تعديل تاريخ الولادة والوفاة، وضم أراض جديدة عشية الحرب. ونتيجة لذلك حُدد تعداد سكان الاتحاد السوفييتي عشية الحرب بــ 196،7 مليون نسمة. تذكرون ولا شك كلمات بطلتنا وهي على منصة الإعدام الكلمات التي نُشرت في مقالة بيوتر ليدوف" لن ننساك يا تانيا" عام 1942 "سوف تشنقوني الآن ولكني لست وحيدة. لن تستطيعوا شنق الجميع. نحن 200 مليون!...".

وعلى نحو مماثل، تم تعداد السكان في نهاية عام 1945: وعن طريق استرجاع بيانات عام 1959 – بلغ العدد 170.5 مليون نسمة منهم 159.5 مليون نسمة وُلدوا قبل اندلاع الحرب. وبذلك استنتجت اللجنة أن إجمالي النقص في عدد السكان في سنوات الحرب بلغ 37.2 مليون نسمة. الذنب في هذه الخسارة يقع بالكامل على عاتق المعتدي، بغض النظر عن سقوط هؤلاء الناس كضحايا لسياسة الإبادة أو وفاتهم في جبهة القتال أو نتيجة لتدهور الأحوال المعيشية في الصفوف الخلفية للجيش.

ومع ذلك، فقد استُبعدت من هذا الرقم، وفقا لمؤشرات متوسط المعدلات العامة للوفيات في الاتحاد السوفيتي لعام 1940، من كانت وفاتهم طبيعية (بمختلف الأسباب) في سنوات الحرب. وبلغ إجمالي عدد الوفيات لأسباب طبيعية 11.9 مليون نسمة. وأضافت اللجنة إلى قائمة الوفيات 1.3 مليون طفل وُلدوا وتوفوا على الفور خلال سنوات الحرب بسبب زيادة عدد وفيات الأطفال. ووفقا لهذه العملية الحسابية: (37.2 مليون – 11.9 مليون + 1.3 مليون)، تم اعتماد عدد نهائي يبلغ 26.6 مليون شخص وأُعطي صفة العدد الرسمي للخسائر بين السكان المدنيين.

حدد المؤرخون بدورهم عدد المواطنين السوفييت الذين راحوا ضحية سياسة الإبادة النازية. وبلغ الرقم الرسمي حتى الآن 13.7 مليون مدني. وشمل التعداد آلاف المقابر الجماعية في الأراضي المحررة من الاحتلال، وأقوال شهود العيان إضافة إلى التعداد المباشر. لقد ثبت أن ما لا يقل عن 7.4 مليون مدني سوفييتي قُتلوا عمدا – بالرصاص وبالحرق والدفن أحياء. كما توفي 2.2 مليون شخص ممن دُفعوا إلى الرايخ كعمال سخرة أو للعمل بأجر محدود ولقوا حتفهم في الأراضي المحتلة، بسبب تدهور الأحوال المعيشية والجوع والمرض.. 

بلغ العدد الذي تم التوصل إليه 13.7 مليون وهذا عدد مذهل. ومع ذلك، هل يرضينا هذا العدد؟ أعتقد، لا.

بادئ ذي بدء، فإن استبعاد الذين ماتوا "موتا طبيعيا" والـبالغ عددهم 11.9 مليون شخص، من العدد الإجمالي للضحايا، الذي تحدثنا عنه سابقا، يعني أن عدد الخسائر في الأرواح البالغ 26.6 مليون شخص لا يتطابق مع العدد الإجمالي الناتج عن مجموع الضحايا للفئات المختلفة. لماذا؟ لنفترض، في إطار مفهوم حساب "الوفيات الطبيعية"، أن أحدا ما، توفي بسبب الشيخوخة في حصار ليننغراد الذي امتد من 1941 حتى يناير 1944. في واقع الأمر هذا الشخص توفي بسبب الجوع، أي أنه أصبح ضحية لجريمة حرب. كيف نجري الحساب في هذه الحالة؟ فوفق المنطق الذي اتبعناه علينا أيضا تطبيق معدل الوفيات الطبيعية في حالة ضحايا حصار لينيغراد، وبابي يار (أوكرانيا)، وخاتين (بيلاروس).. طالما أنه طُبق بالنسبة للعدد الإجمالي للخسائر.

 لكن التصرف بهذه الطريقة أمر عبثي. لأننا نعلم أن هؤلاء الناس قتلوا بالفعل على أيدي النازيين ولم يموتوا بسبب الشيخوخة أو المرض. إن موتهم الطبيعي "إحصائيا" هو في واقع الحال غير طبيعي، وإنما هو نتيجة للعنف، وسابق لأوانه.

علاوة على ضحايا الإرهاب وظروف الاحتلال القاسية، تكبد المدنيون في الاتحاد السوفييتي خسائر فادحة في الأرواح جراء القصف والغارات الجوية، أي ما يسميه العسكريون بكل برود "التأثير القتالي على العدو"، وهذا جرى في كل مناطق الخطوط الأمامية والمدن المحاصرة والمناطق السكنية الأخرى.

بلغ عدد الخسائر في صفوف المدنيين، جراء قصف سيفاستوبول وأوديسا وكيرتش ونوفوروسيسك إضافة إلى سمولينسك وتولا وخاركوف ومينسك، مئات الآلاف. نحن، بشكل عام نسينا الكثير، لكننا نذكر مأساة مورمانسك – والتي تعتبر اليوم أكبر مدينة في أقصى شمال العالم. في البداية، حاول النازيون الاستيلاء عليها من الأرض، من جهة النرويج - بقوات النخبة الخاصة بهم التابعة لفرق الفيرماخت. لكنهم، ورغم تجهيزهم المثالي للمعارك الشتوية، وتزويدهم بأفضل الأسلحة، والملابس، والطعام الساخن، والمعدات الملائمة لتلك الفترة، لم يتمكنوا أبدا من اختراق "الحاجز الشمالي"، "الخط الأحمر الرفيع" لمقاتلي جيش العمال والفلاحين الأحمر والمفوضية الشعبية للشؤون الداخلية إضافة إلى ميليشيات الدفاع الشعبي. وبذا لم يستطيعوا الدخول إلى آخر ميناء شمالي لنا غير متجمد. وبعد ذلك تعرضت المدينة إلى قصف جوي مروع. أي كوفنتري؟!!! عدد ضحايا القصف المدنيين وحجم الدمار (باعتبار نسبة عدد السكان إلى عدد المنازل) يماثل ضحايا ودمار دريسدن وفرانكفورت وحتى ستالينغراد!

في ستالينغراد، حتى قبل اختراق القوات الألمانية، وقبل بدء المعركة الأسطورية، قُتل، خلال الغارات الجوية الألمانية الكثيفة، ما بين 40 ألف إلى 70 ألف مدني في أغسطس/آب عام 1942. واحدة من أكثر مدن الاتحاد السوفيتي سلاما وجمالا. حيث لم تكن هناك وحدات عسكرية عمليا، ولا مقاتلات، ولا حتى بطاريات مضادة للطائرات -  تم حرقها باستهتار وحُولت إلى أنقاض قبل المعركة – وذلك في يوم واحد.

أكبر جريمة حرب في التاريخ – محاولة قتل سكان لينينغراد جوعا والتي أسفرت عن وفاة 800 ألف شخص، على الأقل.

إذن، كما يبدو فإن القضاء على أسرى الحرب السوفييت يُحسب فقط من الجنود وقد بلغ العدد الرسمي لخسائر الجيش الأحمر بحسب وزارة الدفاع 8.67 مليون جندي، ومع مراعاة الخسائر بمختلف الأسباب (القتل، الوفاة بسبب الإصابات والأمراض إضافة إلى الاختفاء والأسر) – يصبح العدد 11.9 مليون شخص - الفرق يفوق 3 ملايين شخص يمثلون أولئك الذين تم استدعاؤهم في بداية الحرب ولم يصلوا إلى وحداتهم العسكرية، والذين تم أسرهم في بداية الحرب وحُرروا في نهايتها، إضافة إلى من انتهى بهم المطاف في الأراضي المحتلة، والذين اختفوا دون أثر. بعض هؤلاء وُجد على قيد الحياة، وبعضهم تأكدت وفاته – وأضيفوا إلى الخسائر العسكرية، وجزء آخر – أضيف إلى خسائر المدنيين. بينما لا يزال هناك جزء غير محسوب على أي جهة.  

الواقع أن الثوار أو حتى الرجال الذين هم في سن التجنيد أو من تم أسرهم في المناطق المحتلة، غالبا ما ينتهي بهم المطاف في معسكرات أسرى الحرب. هؤلاء لم يكونوا أفرادا في القوات المسلحة. لقد أباد النازيون، عمداً، حوالي 3.1 مليون أسير حرب سوفييتي (حوالي 60% من عدد أسرى الحرب)، مئات الآلاف منهم - مدنيون قتلوا تحت مسمى "أسرى الحرب".

وبالحديث عن ضحايا سياسة الإبادة الجماعية، أعتقد أننا نملك كامل الحق عموما في أن نضم إلى قائمة هؤلاء الضحايا أسرى الحرب الذين أبادهم الألمان سواء أكانوا من المدنيين أم من الجنود. فلم تقضي أي حرب، على الأقل في التاريخ المسيحي للبشرية، ولم تقم أي دولة بقتل أو تجويع وتعذيب نحو 60 في المئة من الأسرى حتى الموت كما فعل الفاشيون مع أسرى الحرب السوفييت. من الممكن طبعا أن أحدا ما من الزعماء الوحشيين أو كهنة القبائل الوحشية قد فعلوا ذلك في الأوقات العصيبة، أنا لا أستبعد ذلك. ولكن الحديث لم يدر حتما لا عن الملايين ولا عن السياسة الحكومية الموثقة للدولة "الأوروبية المتحضرة"، وعلينا ألا ننسى أنها حصلت على دعم الكنيسة البروتستانتية ودعم العرش المقدس ذاته في روما.

من المثير أن مستوى الوفيات بين جنود الحلفاء: الولايات المتحدة وإنجلترا وفرنسا، في الأسر الألماني، كانت بين 3 إلى 4 في المئة. فاشعروا بالفرق، كما يقال، الفرق كان في تعامل الألمان مع الأسرى السوفييت، ومع أسرى الحرب من الأوروبيين والأمريكيين الأعداء أيضا.

لذلك فإن الحديث عن الخسائر البشرية للاتحاد السوفييتي في سنوات الحرب يجب أن يبدأ من عدد 37,2 مليون شخص، كما يحدد علماء الديموغرافيا النقص العام في عدد السكان. وبعد ذلك لا بد من تعداد هذه الخسائر والتأكد منها. إن هذا الرقم سيقل ولكن الحصول على معطيات دقيقة يتطلب جهدا ليس بالقليل من العلماء والمؤرخين والديموغرافيين. وعلينا ألا ننسى أنه إلى جانب الخسائر البشرية المباشرة كان للعدوان الهتلري آثارا ديموغرافية طويلة الأمد. "فالصدى الديموغرافي" للحرب قد استمر طوال عشرين أو ثلاثين عاما بعد الحرب. ووفقا لحسابات العلماء فإن الخسائر غير المباشرة للاتحاد السوفييتي تقدر أيضا بـ 23 مليون شخص، الأجنة التي تبصر النور، والوفيات الناجمة عن الإصابات والأمراض، لم تُحسب من قِبل أي أحد، ولم تثبّت حالات الجلطات الناجمة عن الحصول على إخطار بوفاة الابن أو الزوج أو الأب...

وها قد مر 70 عاما على سريان اتفاقية الأمم المتحدة بشأن منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. مؤلفها رافائيل ليمكين (وبالمناسبة هو من أصول روسية) كان أيضا صاحب التسمية ذاتها. فهو يسمي من بين الأمثلة الأولى للإبادة الجماعية في التاريخ مقتل سكان مدينة قرطاج التي دمرها الروم في منتصف القرن الثاني قبل الميلاد. والمذابح الدموية خلال الحروب الصليبية، والقضاء على الهنود الأمريكيين. وإبادة وتهجير المسيحيين الأرمن في الامبراطورية العثمانية، ومحرقة اليهود (الهولوكوست) – كل تلك هي إبادات جماعية.

تم تبني هذه الاتفاقية لمنع الأعمال المشابهة للهولوكوست الذي اقترفه الألمان خلال الحرب العالمية الثانية. وما اعتُرف به على أنه إبادة جماعية على المستوى الدولي هو إبادة اليهود (عدد الضحايا – 6 ملايين شخص)، والغجر (من 200 ألف إلى 1,5 مليون شخص)، والصرب (من 200 إلى 800 ألف).

إن نوايا وتصرفات قيادة الرايخ الثالث ضد الشعب السوفييتي تخرج بعيدا عن إطار السعي إلى القضاء على "مجموعات قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية" محددة، كما ثُبّت في الاتفاقية. فهي أوسع نطاقا.

والمشكلة ليست في ضخامة عدد القتلى من المدنيين السوفييت فحسب، والذي يفوق بمرات آثار الهولوكوست وإبادة الصرب والغجر.

والمشكلة ليست أيضا في الأعداد، وإنما في مبادئ السياسة الحكومية للرايخ، والتي صيغت كتابةً عدة مرات ونُفذت بشكل ممنهج من قبل الألمان على أراضي الاتحاد السوفييتي.

المشكلة تكمن في الجريمة غير المسبوقة.

ومن حيث المعنى فإن "المجموعة" التي يجب إبادتها بالنسبة للألمان كانت سائر سكان دولتنا – بغض النظر عن الانتماء العرقي أو الديني. فذنب الروس واليهود والبيلاروس والتتر والأوكرانيين والمردوفيين أو الشوفاش بالنسبة لهتلر يكمن فقط في أنهم جميعا كانوا مواطني الاتحاد السوفييتي المسممين "بالأفكار الشيوعية"، والأهم من ذلك أنهم عاشوا على الأراضي التي يجب أن تخضع وفق خطط هتلر إلى "ألمنة لا ترحم".

ونحن نقول اليوم: لا يجب أن نسمح بنسيان "الجرائم التي لا تسقط بالتقادم" – وهذا واجبنا تجاه ذاكرة الآباء والأجداد. وليس ذلك وحسب. ففي الظروف المعاصرة من المهم أن نسمي ما جرى بمسمياته الصحيحة. فمن كان يخطر له قبل ثلاثين عاما هذه البلاغة الزائفة التي تُقارب بين ألمانيا الهتلرية والاتحاد السوفييتي الستاليني؟ ومن وضع علامة المساواة بين الصليب المعقوف النازي والنجمة الحمراء؟ واليوم قد ثُبّت ذلك بقوانين في بعض الدول.

واليوم يستثنون الاتحاد السوفييتي من بين المنتصرين، وذلك ببساطة من خلال عدم ذكره. كما لو أننا لم نشارك مطلقا في الحرب العالمية الثانية. وفي الاتحاد الأوروبي ذهبوا إلى أبعد من ذلك – فهم يتهمون الاتحاد السوفييتي بشنِّ الحرب. ويُصرَّح في أوروبا الشرقية ودول البلطيق على المستوى الحكومي بأن الاتحاد السوفييتي لم يحرر شعوب هذه الدول من الفاشية وإنما احتلهم واستعبدهم. لا، قفوا.

أي أن حُكم نورمبرغ في جزئه الذي يحدد المذنبين في الجرائم ضد العالم – في التحضير وشن الحرب العالمية الثانية – لم يعد يعني شيئا؟

ولا يخطر في بال أحد إطلاقا اليوم أن يعتبر اليهود والغجر والصرب متهمين في شن الحرب العالمية الثانية. ولكن لماذا يخطر في بالهم ذلك بشأن الروس والقوميات الأخرى للشعب السوفييتي؟ فهم ضحايا الإبادة الجماعية الكلاسيكية.

ولكن يوجد فارق وحيد وهو أن الشعب السوفييتي – ضحية العدوان – معانيا من خسائر لم يعرفها التاريخ بعد، قد صمد ولم يصبح شعبا-ضحية وإنما شعبا-منتصرا.

والثمن الذي لا يحصى والذي دفعه الاتحاد السوفييتي في حربه ضد الفاشية – ليس "ثمن النصر"، كما يسميه البعض أحيانا. فهذا ليس صحيحا. هذا ثمن إنقاذ جميع من بقوا على قيد الحياة، و"أربعة أخماس" المواطنين السوفييت، وإنقاذ أوروبا كلها، وأنا واثق، وسائر العالم كذلك من شيطان النازية.

ونحن - أبناء وأحفاد وورثة وخلفاء الشعب-المنتصر السوفييتي - علينا أن نقوم بكل ما في وسعنا لكي تبقى الحقيقة عن الحرب العالمية الثانية وعن أبطالها وضحاياها وجرائمها مُحافظ عليها.

ولكي لا تقع حروب أخرى مطلقا.

 

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب

تويتر RT Arabic للأخبار العاجلة
موافق

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا

بوتين يحقق فوزا ساحقا في الانتخابات الرئاسية بعد فرز 100% من أصوات الناخبين