ليلة بكى المصريون!

أخبار العالم العربي

ليلة بكى المصريون!
مقالات رأي
انسخ الرابطhttps://ar.rt.com/hq5a

حطت في مثل هذا اليوم قبل 49 عاما حرب ثالثة بين مصر وإسرائيل أوزارها، لتخرج جيوش العرب منها منتكسة مهانة تجر وراءها ذيول هزيمة مدوية وذلك بعد 19 عاما على نكبة سبقتها.

ففيما استمرت الإذاعة المصرية تتلو نشراتها الإخبارية، وتورد أرقاما تتحدث عن خسائر فادحة يتكبدها العدو في الأرواح والعتاد في السادس من يونيو/حزيران 1967، كان جمال عبد الناصر رئيس جمهورية مصر العربية، وقائد أقوى جيوش العرب آنذاك، يطلع حسب شهادة محمد حسنين هيكل، على بيانات مغايرة تماما لما يتلوه المذيعون والمذيعات عبر الأثير.

خسائر الجيش المصري ومعه الجيوش العربية المساندة، بلغت حدا جعل إحصاءها مستحيلا، وأذهل قادتها وجنرالاتها بنياشينهم وبزاتهم المهيبة وعلى رأسهم عبد الناصر، الذي هدّه وقع الهزيمة ومرارتها، بعد أن أعد العدة، وجهز جيشا كان له أن ينقض على إسرائيل ويدحر جيشها في ومضة، نظرا للتفوق الكبير في العدد والعتاد، إذ ازدحمت مطارات المصريين بأحدث الطائرات السوفيتية، وتكدّست الذخائر والقذائف في مخازنهم حتى سقوفها.

الزعيم عبد الناصر، ورغم محاولاته الجبارة لقلب الهزيمة نصرا وصد المعتدين، أدرك أن تطورات الحرب قد خرجت عن السيطرة، واقترح خلال جلسة جمعته بعبد الحكيم عامر، إعلان استقالته أمام الشعب، وزكّى شمس بدران رئيسا مؤقتا لمصر، ووافق عامر.

قرار التنحي أعلنه عبد الناصر على الملأ ونقلته الإذاعة المصرية، ليسمعه إلى جانب المصريين كل العرب ممن كان يصلهم الإرسال آنذاك، وذلك بعد أن "أحس بهول الكارثة وأدرك أنه لن تكون هناك ضربة ثانية أو ثالثة" للانتقام من العدو حسب هيكل.

وفي خطابه التاريخي الذي ألقاه على المصريين في أعقاب الحرب قال: "قد قررت أن أتنحى تماما ونهائيا عن أي منصب رسمي وأي دور سياسي، وأن أعود إلى صفوف الجماهير، أؤدي واجبي معها كأي مواطن آخر".

أدهش عبد الناصر شعبه، وألهب قلوب الملايين في مصر ممن عوّلوا عليه في تحريرهم من نير الفقر والإقطاع أولا، وفي إعادة الأرض العربية المحتلة إلى أصحابها وإعلاء شأن مصر والعرب برمتهم، تطبيقا لفكر قومي نادى بأمة عربية واحدة من المحيط إلى الخليج.

مرارة الخسارة، وحسرة النكسة، لم تهزّ صورة عبد الناصر في قلوب أبناء شعبه، بل خرج المصريون بالآلاف إلى الشوارع واحتشدوا في مظاهرات عارمة وهم يهتفون "ناصر...ناصر" والدموع في عيونهم، رافضين قبول تنحيه، ومعربين عن وقوفهم وراءه من جديد حتى نصر يعيد لهم ولمصر كرامتهم.

"ناصر"، لبى نداء شعبه من جديد واستأنف حرب استنزاف ضد العدو الإسرائيلي على جميع الأصعدة والجبهات حتى رحيله، تكللت بحرب السادس من أكتوبر، أو العاشر من رمضان التي خاضها المصريون بمساندة من العرب، وزعزعت عرش الجيش الإسرائيلي وخلخلت أركانه بعبور القناة وتحرير سيناء والأراضي المصرية بالكامل.

ملايين المصريين اليوم، يستذكرون خطاب الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وتستعيد ذاكرتهم ما سمعوه من آبائهم وأجدادهم عن نكسة بعد نكبة أعقبها نصر مؤزر أسس له "ناصر"، فيما يحتدم الجدل بينهم حول ما إذا كان الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي أهلا ليكون خلفا لعبد الناصر، وينتزع لبلاده الانتصارات الواحد تلو الآخر على مختلف الأصعدة والجبهات.

ففي الثامن من الشهر الجاري، صادف مرور عامين على تولي السيسي مهام قيادة مصر وأعبائها، حيث يؤكد الموالون لنهجه أنه أنقذ البلاد من مأزق السلطة، واستيلاء الإسلاميين بجماعة "إخوانهم" على مفاتيح الأمر والنهي في البلاد، وكانت له الكلمة الفصل في درء خطر ثورة ملونة عن مصر وشعبها، وشرع في تطبيق إصلاحات لا تقل أهمية عن تلك التي أحرزها عبد الناصر.

كما يؤكد المؤيدون لمسار عبد الفتاح السيسي، أنه فضلا عن وقايته البلاد من الفوضى، تمكن من تحقيق التوازن في علاقات مصر مع بلدان محيطها العربي، وأسس لعلاقات تكافؤية ومتوازنة مع عواصم القرار في العالم، فها هو يطلق المشاريع الاقتصادية والتنموية بالتعاون مع الشرق والغرب والجوار، من موسكو إلى واشنطن وبكين فالرياض.

أما معارضو نهج الرئيس المصري الحالي، فلم يكفوا عن رفضهم لمساره وما انفكوا يبحثون عن هفوة له في كل قرار يتخذه، أو أي خطوة يقوم بها، بدءا من تقهقر الاقتصاد، وتفاقم المشاكل التنموية وارتفاع الأسعار وهبوط قيمة الجنيه وجمود الرواتب والأجور، وصولا إلى موقفه تجاه ما يحدث في سوريا ونأي مصر عمّا يشهده هذا البلد الشقيق، والإقرار بعائدية جزيرتي صنافير وتيران للسعودية.

وبغض النظر عن مسوّغات المعارضين، فقد كشف آخر استطلاع أجراه مركز "بصيرة" المصري لبحوث الرأي العام، عن أن نسبة الراضين من المصرين عن أداء الرئيس السيسي بعد عامين من حكمه، قد بلغت 91 في المئة، مما يبعث الأمل في التفاف المصريين حول زعيم جديد تتمكن البلاد بقيادته من صد الإرهاب، وتعزيز الجيش والاقتصاد لتسير من نصر إلى آخر.

مصر التي مسحت عار النكسة بفخر أكتوبر، وحققت أمل زعيمها الراحل بنصر أعاد لها أرضها وهيبتها، تعايش اليوم مرحلة من الاضطراب المستتر على مختلف الأصعدة، إلا أنها وبفضل جيشها الذي أسس له "ناصر" والمشاريع التنموية التي أطلقت في عهده قبل عقود، استطاعت الحفاظ على أمنها وحدودها وسيادتها، وفصلت ما بين التجاذبات السياسية وكيان الدولة، فهي قد عادت حسب الكثيرين إلى طريق "ناصر" الذي أسس لجيش حمى مصر واستعاد أراضيها في الماضي، وصدّ عنها خطر "الربيع" وويلاته في الحاضر.

صفوان أبو حلا

موافق

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا