الاقتصاد المصري خلال عام 2013: أزمات في الحقبتين
لم يكن الاقتصاد المصري خلال سنة 2013 في معزل عن التغيرات الجذرية التي عرفتها الساحة السياسية المصرية، فقد تأثر بها وأثر فيها، وهو الآن يمر في فترة تعتبر الأصعب منذ أكثر من 50 عاما.
لم يكن الاقتصاد المصري خلال سنة 2013 في معزل عن التغيرات الجذرية التي عرفتها الساحة السياسية المصرية، فقد تأثر بها وأثر فيها، وحتى نفهم أهم معالمه بات من الضروري أن نتحدث عن فترتين مختلفتين خلال حكم الرئيس المعزول محمد مرسي وبعد مرسي إلى نهاية السنة.
الاقتصاد المصري أثناء حكم مرسي
عمقت الاضطرابات السياسية والأمنية التي عاشتها مصر منذ ثورة يناير/كانون الثاني 2011، الأزمة الاقتصادية المصرية في سنة 2013 عموما وخلال فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي بحكومة قادها هشام قنديل بعد استقالة كمال الجنزوري.
فقد ارتفع الدين العام المصري خلال السنة التي قضاها مرسي في الحكم في نهاية يونيو/حزيران 2013، إلى 1644 مليار جنيه أي ما يعادل 238 مليار دولار، بزيادة تجاوزت 25% عما كان لدى تسلمه الحكم، إذ ارتفع الدين الداخلي ليصل إلى 1444 مليار جنيه (209.275 مليار دولار) ووصلت قيمة الدين الخارجي إلى 43.2 مليار دولار وهي تزيد 10 مليارات دولار تقريباً عن الرقم السابق في نهاية حكم المجلس العسكري.
وعلى صعيد الناتج الإجمالي فقد بلغ بنهاية حكم مرسي 1753 مليار جنيه (254 مليار دولار) بنمو اقتصادي بلغ معدله 2.1% وهو يقل بنسبة 0.1% عن معدل النمو الذي حققه اقتصاد البلاد في فترة حكم المجلس العسكري في عامه الأخير والبالغة 2.2%، وتبتعد كثيراً عن نسبة النمو المحققة في العام الأخير لحكم حسني مبارك، حيث بلغت 5.1% في عام 2010. تجدر الإشارة هنا إلى ارتفاع الدين العام بصورة كبيرة جداً أمام الناتج المحلي الإجمالي لتصل إلى 94% وهي أعلى نسبة منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني 2011.
وقد ساهم هذا الارتفاع في الدين المصري العام وتدهور الناتج المحلي الإجمالي في تحقيق عجز كبير في الميزانية. فقد أظهرت وثيقة رسمية في أبريل/ نيسان 2013 أن العجز في الميزانية المصرية سيصل إلى 197.5 مليار جنيه (28.7 مليار دولار)، وقد أثّر ذلك في ارتفاع أسعار السلع الأساسية في مصر لتقفز بنسبة 15 إلى 20 % مصحوبة بارتفاع في نسبة البطالة لتثير مخاوف الشعب من عدم القدرة على مواجهة الغلاء وتوفير سبل المعيشة.
أظهرت أرقام الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مصر، أن معدل البطالة ارتفع إلى 13.2% خلال الربع الأول من العام الماضي 2013، (من يناير إلى مارس)، مقابل 13% خلال الربع الأخير من العام الذي سبقه 2012، ومقابل 9.1% خلال الربع الأول من عام 2011.
كما قفز سعر تداول الدولار من 6 جنيهات في بداية شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2012 ليصل إلى ما يقرب 9 جنيهات قبل أن يعود إلى سعر 7,30 خلال شهر يناير 2013.
وتضررت السياحة التي كانت تدرّ نحو 15 مليار دولار سنويا لتصبح شبه معدومة وتراجعت الاستثمارات جراء القلاقل السياسية في البلاد التي يعيش أكثر من 40% من سكانها البالغ عددهم 88 مليون نسمة تحت خط الفقر بأقل من دولارين يوميا.
فقد أعلنت شركة مصر للفنادق، في أبريل/نيسان 2013، أنها تكبدت خسارة تقدر بنحو 1.5 مليون دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من السنة المالية 2012-2013.
وقد أدت هذه الأزمة الاقتصادية إلى انتقاد مؤسسات الدعم المالي الدولية إذ حذّر مدير العلاقات الخارجية في صندوق النقد الدولي جيري رايس من الأزمة التي تعصف بالاقتصاد المصري جراء توقف النمو والتراجع الحاد في احتياطيات النقد الأجنبي
وأشار إلى تراجع احتياطي النقد الأجنبي، الذي خفّض بدوره هامش الثقة في إمكانية أن تحافظ مناورات السلطات على استقرار الوضع الاقتصادي في مصر، بينما أبدى صندوق النقد استعداده لدعم برنامج وطني مصري يشمل إجراءات ضرورية لإعادة بناء الثقة وحماية الأسر الفقيرة.
الاقتصاد المصري بعد حكم محمد مرسي
في الثلاثين من يونيو/حزيران 2013 أقدم الجيش المصري على عزل الرئيس محمد مرسي معلنا إسقاط نظام جماعة "الإخوان المسلمون"، ولكن رغم بروز بعض مؤشرات التعافي في الاقتصاد إلا أن فترة الحكم الانتقالي المدعوم من قبل الجيش بعد مرسي لم تختلف كثيرا عن سابقتها، فقد واصلت العديد من المعدلات الاقتصادية تدهورها، وبلغ معدل التضخم أعلى نسبة له خلال شهر ديسمبر/كانون الأول من العام المنصرم إذ وصل إلى 13% على أساس سنوي في نوفمبر/تشرين الثاني مقارنة مع 10.4% في أكتوبر/تشرين الأول. كما سجل بذلك أعلى مستوى منذ عام 2010، وذلك حسبما صرّح به الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر.
من جانبها قالت وزارة المالية المصرية يوم 21 أكتوبر/ تشرين الأول، إن القاهرة ستنفق 29.6 مليار جنيه على حزمة تحفيز اقتصادي بزيادة الثلث عما كانت تخطط له في السابق، مضيفة أن الحكومة تخطط لتطبيق الحد الأدنى للأجور في بداية العام القادم، وهو ما سيكلف الدولة 18 مليار جنيه سنويا.
وكان صندوق النقد الدولي قد علّق قرضا لمصر بقيمة 4.8 مليار دولار، في أعقاب عزل مرسي على يد الجيش في 30 يونيو/حزيران من العام الماضي.
في المقابل ومنذ 30 يونيو/ حزيران، حصلت مصر على مساعدات مالية من دول عربية هي السعودية والإمارات والكويت تصل إلى 15.9 مليار دولار.
وقبل ذلك أعلن وزير المالية المصري أحمد جلال أن بلاده تنوي زيادة الاستثمارات الحكومية خلال السنة المالية 2013-2014 بنحو 35% لتصل إلى 85 مليار جنيه لدعم الاقتصاد على مدى الأشهر التسعة القادمة.
ونقلت رويترز عن جلال قوله إن الموازنة الحالية كانت تستهدف استثمارات حكومية بقيمة 63 مليار جنيه وكان بها نحو 8.5 مليار جنيه من دون تمويل وتمت زيادة المبلغ إلى 85 مليار جنيه
إلى ذلك أعلن مجلس الوزراء في سبتمبر/أيلول 2013، زيادة الحد الأدنى للأجور للعاملين بالجهاز الإداري للدولة إلى 1200 جنيه بدءًا من يناير/كانون الثاني من عام 2014، بالإضافة إلى علاوة استثنائية بنسبة 10% لأصحاب المعاشات.
يشار إلى أن معدل البطالة واصل ارتفاعه إلى 13.4% بعد أن كان 8.8% في عام 2010، كما ارتفع معدل التضخم السنوي إلى 14.2% في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، بالإضافة إلى ارتفاع عجز الموازنة إلى 240 مليار جنيه في السنة المالية السابقة ووصل إلى نسبة 14% من الناتج المحلي الإجمالي، كما وصل الدين الخارجي إلى 43.3 مليار دولار.
في المقابل بدأ الدولار الأمريكي الهبوط أمام الجنيه المصري منذ أحداث 30 يونيو/حزيران وما تلاها، إذ انخفض انخفاضات طفيفة خلال الأسابيع الأولى التي أعقبت هذه الأحداث، لكنه انخفض بنحو 8 قروش دفعة واحدة خلال العطاء الاستثنائي الذي طرح من خلال البنك المركزي 1.3 مليار دولار للبيع يوم 4 سبتمبر/أيلول 2013، وذلك بهدف تغطية تمويل استيراد بعض السلع الأساسية والاستراتيجية، ثم عاد لتراجعاته الطفيفة خلال شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وتسببت التظاهرات التي أيدها الجيش وأدت إلى إقصاء مرسي من الحكم، وما تلاها من أحداث عنف أسفرت عن مقتل المئات، وحدوث عمليات تخريبية في سيناء وعدة محافظات، تسببت في هبوط معدلات السياحة إلى مستويات قياسية، حيث أظهر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تراجع أعداد السائحين القادمين من كافة دول العالم إلى مصر خلال شهر سبتمبر/أيلول الماضي بنسبة 69.7% ليسجل نحو 201 ألف سائح مقابل 994 ألف سائح خلال الشهر ذاته من عام 2012، مشيراً إلى أن القطاع السياحي هو الأكثر تضرراً من المشهد السياسي.
وذكر تقرير الجهاز بشأن السياحة خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول 2013، أن عدد السائحين الذي وصلوا إلى مصر بلغ نحو 559 ألف سائح، مقابل 1,2 مليون سائح خلال الشهر ذاته من عام 2012.
ومهما تضاربت الأرقام الرسمية المعلنة من قبل السلطات المصرية خلال فترتي حكم الرئيس المعزول محمد مرسي والفترة الانتقالية التي يقودها الرئيس عدلي منصور ورئيس الوزراء حازم الببلاوي بدعم عسكري، فإنها كلها اتفقت على أن الاقتصاد المصري يمر بأصعب فتراته منذ أكثر من خمسين عاما. فهل ستحمل سنة 2014 في طياتها انتعاشا متوقعا للاقتصاد المصري خاصة بعد الانتخابات المقررة خلال الربع الأول من هذا العام؟
المصدر: RT + وكالات