كيف نشأت "جمهورية ترانسنيستريا المولدافية"؟
في 2 سبتمبر 1990، أي قبل تفكك الاتحاد السوفيتي بعام تقريبا، أعلنت 5 مناطق في جمهورية مولدافيا السوفيتية تقع على الضفة اليسرى لنهر دنيستر، قيام جمهورية ترانسنيستريا الاتحادية ضمن الاتحاد السوفيتي، ثم تم إعلان جمهورية ترانسنيستريا المولدافية المستقلة وعاصمتها تيراسبول.
وأعرب أهالي مدينة بينديري وبعض المناطق الملحقة بها والواقعة في الضفة اليمنى لنهر دنيستر، عن رغبتهم في الانضمام إلى ترانسنيستريا، وذلك بعد صدور بيانات تحمل طابعا قوميا شوفينيا من قبل بعض العناصر الراديكالية في كيشيناو، تدعو إلى خروج مولدافيا من الاتحاد السوفيتي وانضمامها إلى رومانيا.
ولم توافق السلطات المولدافية على قرار النواب من ترانسنيستريا وحاولت تسوية المشكلة بإدخال القوات إلى الجمهورية غير المعترف بها، الأمر الذي تسبب عام 1992 في نشوب نزاع مسلح استمر بضعة أشهر حتى منتصف يوليو في ترانسنيستريا.
الوجود العسكري الروسي
وفي صيف 1992 دخلت وحدات من القوات الروسية المتمركزة في ترانسنيستريا إلى منطقة النزاع، لتصبح جزءا من قوات حفظ سلام تم الاتفاق على تشكيلها بين موسكو وكيشيناو، وأدت هذه الخطوة إلى تكريس الهدوء في المنطقة التي لم تشهد مظاهر مسلحة بين الطرفين.
وحتى الفترة الأخيرة كانت قوات حفظ السلام تضم أكثر من 400 عسكري روسي، وأعدادا مماثلة تقريبا من عسكري ترانسنيستريا ومولدافيا، إضافة إلى عدد من المراقبين الأوكرانيين.
ويمثل العناصر الروس في قوات حفظ السلام جزءا من الحضور العسكري الروسي في ترانسنيستريا، والذي يبلغ نحو 1500 فردا ويشمل أيضا مجموعة محدودة من القوات تتولى بشكل أساسي مهمة حراسة المستودعات الضخمة للأسلحة التي بقيت في المنطقة منذ الحقبة السوفيتية.
"نزاع مجمد"
ونتيجة نزاع عامي ي1990-1992 فقدت كيشيناو سيطرتها على المناطق الواقعة في ضفة دنيستر اليسرى، وأصبحت ترانسنيستريا تتمتع بصفات الدولة المستقلة بما في ذلك العملة الوطنية، لكن تيراسبول لم تحصل على اعتراف دولي على الرغم من أنها تصر على ذلك.
أما مولدافيا فلا يرضيها هذا الأمر، وتعرض على أهالي ترانسنيستريا الحكم الذاتي ضمن دولة واحدة، إلا أن ترانسنيستريا ترفض التفاوض على الاندماج مع مولدوفا، باعتبار نفسها أرضا حيث حافظ العرق المولدافي على نفسه وثقافته ولغته، بينما تعتمد مولدوفا "لغة رومانية"، كما يقول مسؤولون في تيراسبول.
وعلى مدى سنوات جرت المفاوضات حول مصير ترانسنيستريا، في صيغة "5 + 2" تضم مولدوفا وترانسنيستريا + أوكرانيا، وروسيا، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا – كوسطاء، والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة – كمراقبين.
لكن آخر جولة من المفاوضات بهذه الصيغة عقدت في براتيسلافا عاصمة سلوفاكيا في أكتوبر 2019، أما الجولة التي كانت مخططا لها في نوفمبر الماضي، فطلبت كيشيناو بإلغائها أو تأجيلها.
تداعيات أحداث أوكرانيا
بعد أيام من إطلاق روسيا عملية عسكرية خاصة في أوكرانيا أعلنت هيئة الحدود الأوكرانية إغلاق حدود البلاد مع كل من روسيا وبيلاروس وأراضي ترانسنيستريا، ما زاد من مشاكل تيراسبول المحشورة بين أوكرانيا ومولدوفا، التي اتهمت ترانسنيستريا سلطاتها بفرض "حصار" على المنطقة.
وفي مطلع أبريل زعم الجيش الأوكراني أنه رصد إعادة انتشار للوحدات العسكرية في ترانسنيستريا من أجل التحضير للهجوم، وهو ما نفاه ليس تيراسبول فحسب، بل وكيشيناو.
وأعلنت مولدوفا التي تعتمد اقتصاديا على روسيا إلى حد كبير، عن حيادها في النزاع بين موسكو وكييف، ولم تنضم إلى العقوبات الأوروبية ضد روسيا، لكنها استغلت لحظة خلط الأوراق في المنطقة لتجديد المطالبة في مارس بانسحاب القوات الروسية بشكل كامل من ترانسنيستريا، وهو ما رفضته موسكو بناء على اعتبارات قانونية وعملية.
وزاد الغرب طين الوضع حول ترانسنيستريا بلة عندما تبنت الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا بمادرة من رومانيا، قرارا في 16 مارس أعلن الجمهورية غير المعترف بها "أرضا محتلة" من روسيا، ما اعتبره البعض خطة استفزازية تصعيدية تهدف لدفع موسكو إما للتدخل عسكريا في المنطقة لحماية مصالحها، أو الاعتراف باستقلال ترانسنيستريا.
وفي الواقع ظهرت في روسيا أصوات تتحدث عن ضرورة توسيع العملية في أوكرانيا لتشمل "شق ممر بري" إلى ترنسنيستريا وفك حصارها.
مع ذلك، هناك مخاوف متزايدة من أن الغرب بمساعدة كييف وأوساط في مولدوفا، قد يحاول انتهاز الفرصة وحسم قضية ترانسنيستريا بالقوة في تحرك عسكري استباقي، ويدرج بعض المراقبين ما تشهده المنطقة من محاولات لتفجير الوضع، في سياق التمهيد لتنفيذ مثل هذا السيناريو.
وعزا مصدر في دوائر حكومة ترنسنيستريا الهجمات التي استهدفت مقر وزارة الأمن ومركزا للإذاعة وموقعا عسكريا في اليومين الأخيرين، إلى "سعي كييف إلى إقحام مولدوفا وترنسنيستريا في الصراع"، فيما أكد رئيس ترنسنيستريا فاديم كراسنوسيلسكي، أن آثار المتورطين في الهجمات تقود إلى أوكرانيا.
لكن رئيسة مولدوفا مايا ساندو، ألقت باللوم في الهجمات المسلحة في ترنسنيستريا على صراعات القوى الداخلية هناك، كما دانت "أي استفزازات ومحاولات لجر مولدوفا إلى أعمال يمكن أن تعرض السلام في البلاد للخطر"، مؤكدة أن كيشيناو لم تفرض حصارا على ترنسنيستريا وتحرص على تسوية سلمية للعلاقات معها.
من جانبها، أعربت موسكو عن قلقها من التطورات في ترانسنيستريا، وأملها في ألا يتم إقحام هذه المنطقة ومولدوفا في النزاع بين روسيا وأوكرانيا، في سيناريو تعمل عليه "قوى ليست لها مصلحة في استقرار في تلك المنطقة وتسعى لخلق بؤرة جديدة للتوتر".
المصدر: RT