ترامب يكشف المؤامرة التي أحيكت ضد روسيا

فهذه الخطة هي إعلان عن فشل خطة أكبر وأوسع وأعمق وأطول من حيث المدة الزمنية، وهي الخطة التي وضعتها الولايات المتحدة الأمريكية عقب تفكك الاتحاد السوفيتي منذ 30 عاما، لإلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا وتفكيكها إلى عدد من الجمهوريات تتقاسمها الولايات المتحدة و"الناتو" والاتحاد الأوروبي والصين، لتقضي هذه الخطة على الدولة العظمى الثانية، أو الأولى (بحسب موقعك من الإعراب وزاوية النظر ومعيار القياس)، في العالم.

أقول إنه لو تأخرت العملية العسكرية الروسية بأوكرانيا أسبوعا واحدا فقط، لكان الرئيس الأوكراني، المنتهي والمنتهية صلاحيته وشرعيته، زيلينسكي قد نجح في توقيع اتفاقية دفاع مشترك مع الرئيس السابق جو بايدن، وبعدها بساعات كانت المقاتلات الأمريكية والأوروبية ستبدأ طيرانها في الأجواء الأوكرانية، ونقل قوات إلى القواعد الغربية المرتكزة في أوكرانيا، وتضع أحذيتها على أرض أوكرانيا Boots on the ground، مستفيدة من البنية التحتية المتكاملة التي أنشأها حلف "الناتو" بأوكرانيا، والتدريبات العسكرية المشتركة المستمرة مع القوات الأوكرانية (والتي بلغ عددها 10 مناورات في العام الأخير وحده قبيل العملية العسكرية الروسية)، بما في ذلك 4 مطارات جرى تجهيزها لاستقبال القوات الأجنبية.

بدأت روسيا عمليتها العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا وأوقفت كل هذا المخطط، انكشفت كل الأساليب التي وضعتها إدارة أوباما وشن حرب هجينة ضد روسيا بالتعاون مع دول "الناتو" لاختراق وإضعاف الدولة الروسية. اليوم وبعد انعكاس كل ذلك على "الناتو" والاتحاد الأوروبي وعلى أوكرانيا التي دفعت الثمن الأكبر، يحاول ترامب إيجاد مخرج لمأزق التورط الغربي في الصراع.

والحزم الأربع يمكن وصفها بـ 4 حملات معدة خصيصا لتفادي أي مفاجآت سياسية، لا سيما ردود فعل القادة الأوروبيين المتورطين فعليا فيما وصلت إليه أوكرانيا من تدهور. لهذا فإن التدقيق في البنود الـ 27 يكشف جوهر صياغة كل بند لمعالجة التبعات الكارثية للمخطط الذي استهدف روسيا على حساب أوكرانيا في ظل غياب الحد الأدنى من المسؤولية لدى القادة الغربيين، خاصة إدارة بايدن.

إن موسكو تتحلى بقدر هائل من ضبط النفس، ولا تقدم على ما أقدمت عليه الولايات المتحدة إبان غزو العراق عام 2003، بل تقوم بعملية جراحية دقيقة، تسمى العملية العسكرية الروسية الخاصة، ولا تعلن روسيا "الحرب" على أوكرانيا الشقيقة تحت أي ظرف من الظروف، وإنما تدافع عن مواطنيها الروس الذين أصبحوا مواطنين "من الدرجة الثانية والثالثة" جراء الانقلاب الذي حدث عام 2014، تدافع عن ثقافتهم ووجودهم بالأساس، بعدما دهس الانقلاب كل شرعية للدولة الأوكرانية، في انسحاق كامل أمام الغرب، وتحقيقا لمصلحة "الناتو" دون التفكير للحظة في مصير البلاد والعباد. روسيا، وكما قال رئيسها مرارا وتكرارا، منفتحة على الحوار، وعلى المفاوضات، وتحاول قد استطاعتها الحفاظ على ما تبقى من أوكرانيا، ومنع توسع جبهات الاقتتال داخل أوروبا.

استراتيجية الأمن القومي الأمريكي هي اعتراف من جانب الإدارة الأمريكية الحالية بتخطيط إدارات سابقة لاستخدام أوروبا أوكرانيا للاعتداء على روسيا، وبعد ما أصبح واضحا للإدارة الأمريكية استحالة هزيمة روسيا فعليا في ساحة المعركة، وإلحاق هزيمة استراتيجية بزعزعة استقرارها الداخلي واستخدام ألاعيب الاقتصاد والحصار والعقوبات وتجميد الأصول، بل والحديث علانية عن سرقتها.

هو اليأس إذن والاعتراف بأن قطار العالم الحديث قد غادر بالفعل في حركته المتسارعة نحو التعددية القطبية، ونحو تفعيل دور الأمم المتحدة واحترام ميثاقها الذي يحترم سيادة الدول ولا يتدخل في شؤونها الداخلية، والكف عن خصخصة المؤسسات الأممية لصالح دول الغرب، وتعزيز استقلال الدول سياسيا والأهم اقتصاديا بعيدا عن سياسات الإملاءات والضغوط والعقوبات والحصار.

وقد أثنت الخارجية الروسية على الاستراتيجية المحدثة للأمن القومي الأمريكي، والتي تعد تطبيقا عمليا لاعتراف الرئيس الأمريكي ترامب، كأول شخصية سياسية أمريكية تعترف بذلك، بأن جذور المشكلة تكمن في تمدد "الناتو" شرقا، وليست مشكلة أراضي أو حدود بين روسيا وأوكرانيا.

في الوقت نفسه، صرح القائد العام للبحرية الروسية الفريق أول مويسيف: "نود تصديق أن استراتيجية الأمن القومي الأمريكي ستغير نهج الولايات المتحدة تجاه حلفائها من المواجهة إلى الشراكة في القطب الشمالي".

وفي شريط فيديو مصور نشرته وزارة الدفاع الروسي تفقد رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية فاليري غيراسيموف سير المهام القتالية لوحدات قوات مجموعة "المركز"، حيث يأتي ذلك عقب إحكام القوات الروسية سيطرتها على المدينة الاستراتيجية كراسنوأرميسك (بوكروفسك الأوكرانية)، وأكد على تقدم القوات الروسية أيضا على باتجاه دميتريف (ميرنوغراد الأوكرانية) فضلا عن تقدمها في مناطق أخرى على محور الدونباس. 

وبينما يسيطر الجيش الروسي اليوم، وفقا لبيانات وزارة الدفاع الروسية، على 87% من منطقة الدونباس، يتبقى فقط 13% تحت سيطرة الجيش الأوكراني، ما يؤكد على تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عشية زيارته للهند، حينما قال لصحيفة India Today إن روسيا ستحرر الدونباس ونوفوروسيا بأي وسيلة كانت، سواء بالطرق العسكرية أو الدبلوماسية.

ونظرا للتقدم السريع للجيش الروسي، مقارنة بالعام الماضي، أو حتى بالأشهر الأولى من هذا العام، فإن رئيس الأركان غيراسيموف يؤكد أن بلدات وقرى أخرى تسقط تباعا في يد الجيش الروسي، وهو ما معناه أن السيطرة على هذه القرى تشل قدرة الجيش الأوكراني على الصمود، وسيضطر عاجلا أم آجلا إلى الانسحاب.

كل ما سبق يؤكد بما لا يدع مجالا للشك فشل المؤامرة التي حاكها الغرب، وحاكتها الإدارات الأمريكية السابقة المتعاقبة ضد روسيا. وأعتقد أن أفضل تطبيق عملي لاستراتيجية الأمن القومي الأمريكي سيكون بمنع وصول الأسلحة الأمريكية إلى أوكرانيا، لا بيعها لأوروبا من أجل إيصالها لأوكرانيا، وبذلك تذعن أوكرانيا ومن ورائها أوروبا إلى الإرادة الأمريكية التي ترى في الأزمة الأوكرانية/الأوروبية زعزعة للاستقرار و

الأمن الدوليين.

رامي الشاعر

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب