أغنى أغنياء العرب: المميزات و القواسم..
اشتهر العرب منذ سابق العصور ببراعتهم في التجارة و جمع الأموال, و ازدهرت هذه المهارات مع توسعهم و تمدد نفوذهم في العصرين الأموي و العباسي.
في ذلك الزمان بات معظم سكان الأرص على تواصل تجاري مباشر مع التجار العرب, بدءاً من بلاد السند و الهند و نهايةً بأوروبا الغربية. الملفت للنظر, عبر تاريخ العرب, هو ارتباط ازدهار تجارتهم بالقوة السياسية والاقتصادية لدولتهم. ففي الحقبة العثمانية تراجع صيت و غنى التجار العرب بشكل كبير بالمقارنة مع عصور القوة السابقة. و زاد في هذا الضعف موجات الاستعمار الأوروبي على العالم العربي و تقطيع أوصال المراكز التجارية الرئيسة, مثل بغداد و حلب و دمشق. لكن و مع هذا التفتت لم ينطفئ وهج هذه المراكز التجارية و سمعتها, فقد كانت دمشق وحلب تنافسان اسطنبول في حقب الاحتلال العثماني و الاستعمار الغربي.
بعد بدء استقلال الدول العربية, تراجعت التجارة العربية أكثر فأكثر و ذلك طبعاً بسبب عوامل عدة. أهم العوامل هي استنفاذ قدرات العرب الاقتصادية خلال عشرات السنين من الاستعمار, صعود مراكز تجارية منافسة في الصين و الهند و إفريقيا و أوروبا, تطور الصناعات المختلفة و تشكيلها حيزاً كبيراً من نوعية المواد التجارية. بمعنى آخر, لم تعد الصناعات الأولية و المواد الأولية هي فقط ما يتاجر به, بل أصبح هنالك تجارة سيارات و طائرات و أجهزة تلفاز و راديو و غيرها. العرب لم يملكوا المعارف الكافية و الكفاءات اللازمة لدخول خطوط الإنتاج العالمي و اقتصروا على الاستهلاك فقط. بالإضافة إلى انشغال العرب بقضايا سياسية و عسكرية جديدة, كالانقلابات الداخلية المتكررة و بدء الصراع العربي الاسرائيلي بكل فصوله.
عربياً, الحدث الكبير الذي غير الصورة الاقتصادية بشكل جذري هو بوادر اكتشاف النفط في دول الخليج العربي و العراق. التنقيب بدء في ثلاثينات القرن الماضي, لكن الإنتاج الفعلي بدء في الخمسينات. في ذات الفترة بدء الأمراء العرب المطالبة بحصة عادلة من عائدات النفط التي كانت تدار بشركات أمريكية و بريطانية فقط. و مع حلول التسعينات أصبحت الغالبية القصوى لحصص هذه الشركات مملوكة لحكومات دول الخليج العربي. استمر الاعتماد الكبير على خبرات الإدارة الغربية لكن العائدات و المسؤوليات كانت لصالح الحكومات المحلية. هذه القفزة الاستثنائية أعادت العرب إلى واجهة التجارة العالمية و أدت إلى ظهور اقتصادات عربية جديدة و غنية. في يومنا هذا تتصدر المملكة العربية السعودية قائمة الدول الأكثر إنتاجاً للبترول في العالم, و يأتي بعدها مباشرةً روسيا الاتحادية و الولايات المتحدة الأمريكية.
صعود اقتصادات غنية في المنطقة العربية أدى إلى ارتفاع مستوى الرفاه و المعيشة في معظم الدول النفطية, و إلى جذب كبير للاستثمارات العالمية و بالتالي ظهور ثروات عربية فردية تربعت على عرش الأثرياء العرب. في واقع الأمر استغلت بعض الحكومات هذه الميزة النفطية لتطوير مجالات اقتصادية مختلفة في مدنها, من تطوير عقاري و بنوك إلى صناعة الطيران و السياحة. لذلك ووفقاً لتصنيف مجلة فوربس الأمريكية فإن ثمانية أشخاص من أصل أثرى عشر شخصيات عربية هم مواطنون لدول الخليج العربي. في مقدمة القائمة المواطن السعودي, الأمير الوليد بن طلال. من ناحية أخرى, صنف الشعب القطري كأثرى شعب في العالم. و بالتالي تتميز دول الخليج العربي عن باقي الدول العربية من حيث كمية و نوعية الأثرياء, حتى أن العديد من أثرياء العرب (ليسوا من مواطني دول الخليج العربي) بنوا ثروتهم في إحدى هذه الدول النفطية الرائدة.
بالنسبة للقطاعات التي يعمل بها الأثرياء العرب فهي متنوعة و كثيرة, لكن يغلب عليها طابع السياحة, الاتصالات, البنوك و التطوير العقاري. يلاحظ أن ما يميز الأثرياء العرب, مقارنةً مع باقي أثرياء العالم, ثلاث سمات أساسية. الأولى هي أنه لا يوجد أي منهم في سن الشباب, على عكس أثرياء العالم, بحيث يوجد ثلاث شبان تحت سن الخامسة و الأربعين من العمر, كرجل الأعمال الامريكي مارك زيكربرغ (33 عاماً) مؤسس و مالك موقع فيسبوك Facebook)) الشهير. أصغر أثرى أثرياء العرب سناً هو رجل الأعمال المصري ناصيف ساويرس (55 عاماً) و الذي يعد استثناء, بحيث أن معظم أعمار البقية يتجاوز الستين سنة. السمة المميزة الثانية هي عدم قدرة ثروات العرب على منافسة أثرياء العالم بحيث يقبع أثرى رجل أعمال عربي في المركز الخامس والأربعين على مستوى الترتيب العالمي. أما السمة الثالثة فهي أن العديد من الأثرياء العرب هم بالأساس أبناء لأسر ثرية و نافذة, و القليل منهم هو من بدء ببناء ثروته من الصفر. هذا إن دل على شيء فإنه يدل على صعوبة تأسيس ثروة فردية في الدول العربية بحيث يتطلب الأمر مسيرة مهنية قد تمتد لأكثر من جيل أو جيلين.
صعوبة بناء ثروة مالية في العالم العربي تعود إلى أكثر من سبب. فالدول العربية و خاصة في الزمن الراهن تعاني الكثير من الاضطرابات الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية, هذا سواء على المستوى الداخلي أو الإقليمي. كما أن العديد من هذه الدول لا تمثل بيئات آمنة أو ملائمة للاستثمار المالي, خاصة عندما يتعلق الأمر ببدء مشروع تجاري صغير. أيضاً شح الموارد المالية و ضعف إمكانيات البنوك في دعم مشاريع صاعدة قد يكون كثير منها ناجح و متميز. ما سبق قد يفسر ضعف الأثرياء العرب في منافسة أثرياء العالم, لأن بناء ثروة فردية يحتاج إلى بيئة استثمار مستقرة, آمنة و وفيرة بالموارد المالية.
المصدر: RT +
قتيبة دعبول