ألانيا العريقة
في القرن الأول الميلادي اتحد شعب الصرمت في جنوب شرق اوربا وآسيا الوسطى تحت مسمى جديد هو " الآلان" . وفي القرن التاسع نشأت دولة آلانية قوية ضمت أراضي القسم الأوسط من القوقاز والسهل القوقازي ، ولكن التتار والمغول أطاحوا بالدولة الآلانية واحتلوا في القرن الثالث عشر أخصب مناطق السهل القوقازي، فاختبأ من بقى من الألان في شعاب الجبال ، حيث اندمجوا مع سكان القوقاز. وكنتيجة لهذه العملية التاريخية تشكل الشعب الألاني الحالي. وحتى الآن تحمل جمهورية أوسيتيا الشمالية بفخر الاسم القديم :ألانيا....
المعتقدات الدينية للاوسيتيين تبدو على صورة منظومة معقدة من التصورات والعبادات القائمة على اساس الاساطير التي انعكست في الملاحم الاوسيتية الشعبية. يتميز هذا المعتقد الديني بوحدانية الاله "هوإيتساو" المسمى بالعظيم والواحد . للاله الواحد العظيم وللرموز المبجلة اقيمت المشاعر المقدسة العديدة ومن بينها أطلال الكنائس والمصليات القديمة والخمائل المقدسة والمغارات بل واكوام الأحجار.
شيدت الأبراج للدفاع والحرب بل وحتى للسكن. وعلاوة على الأغراض الدفاعية ضد غارات الغزاة ظهرت الأبراج في أوسيتيا الشمالية كوسيلة للحماية من طلاب الثأر. فالأبراج التي شيدتها العشائر صارت تحظى بالتبجيل مثلها مثل الاماكن المقدسة لانها عُدت مسكونة بالروح القدس. وأصبحت هذه الابراج ضمانا لاستمرار بقاء العشيرة على قيد الحياة . كان دور الأبراج في أوسيتيا من الأهمية بحيث أنها صارت اماكن للعبادة.
الظروف الجغرافية للاراضي التي استوطنها الآلانيون والأوسيتيون القدماء حددت الى درجة كبيرة طريق التطور التاريخي الخاص لهذا الشعب ، وخصائص نظام حياته وعمله وثقافته. تميزت أراضي أوسيتيا الواقعة في أعالي الجبال بوعورتها ومناخها القاسي وعدم توفر مساحات شاسعة من الغابات.وهذا العامل انعكس على مجمل حياة الجبليين وعلى شكل منازلهم، المشيدة هنا أساسا من الأحجار. كانت الزراعة في الاراضي السهلية والرعي في الجبال هما المهنتان الاساسيتان لأهل اوسيتيا منذ القدم. وقد ظهرت أهم الأدوات الزراعية لدى الأوسيتيين في العصر الآلاني ، وبعضها يرجع الى عصور أقدم.
الحياة فى الجبال صعبة وخطرة ، فهناك السيول والإنهيارات الثلجية التى تودى بحياة المئات من الأشخاص . ولكن حتى فى هذه الظروف لا ينسى الأوسيتيون المعجزات والأساطير التى يختلط فيها الواقع بالخيال . هذه واحدة منها : يقال إن القرية كلها رأت كيف اختطف اعصار شديد احدي النساء وطار بها الي السماء ، وبعد ثلاثة أيام أعادها سالمة غانمة الي نفس المكان . اما تشييد بعض الأبراج الغامضة فتنسبه الأقاويل إلي احدى الجنيات الشريرات التي لجأت إلي الخديعة فأرغمت السكان علي لبس الجزم والقفازات المصنوعة من جلد البشر ، وأعطتهم بغلاً مسحوراً ، وبدأت أعمال شاقة ، فكان البعض ينقل الأحجار ، والبعض الأخر يرفعها الي الصخور ، والبعض الثالث يبنى .
كان الآلانيون والأوسيتيون القدماء يكنون للموتي كل الاحترام والتبجيل . وقد تجلي تعاقب الحضارات من الإسقوث والصرمت إلي الآلان بأروع مايكون في طقوس الدفن وعقائد الموت لدى الأوسيتيين. انتشرت لدى الأوسيتيين الشماليين علي نطاق واسع المقابر السفلية والعلوية من القرن الثامن حتى السابع عشر وفى القرن الثامن عشر توقف بناء هذه المقابر ، لكن المقابر القديمة ظلت تستخدم حتي أواسط القرن التاسع عشر وفي بعض القري حتى القرن العشرين. في العهود الغابرة كان الأوسيتيون يضعون الكثير من الأشياء في المقابر مع الأموات مثل أدوات المعيشة ، والحلي والسلاح.
مقابر دارغافس التذكارية هى الأكبر في شمال القوقاز كله ، إذ تضم خمسة وتسعين ضريحاً أرضياً وشبه أرضي. أحياناً يقارنونها بوادي الملوك في مصر. يرجع بعض الخبراء ظهور هذه المقابر إلى إنتشار وباء الطاعون الذى ضرب أوسيتيا فانخفض عدد سكانها من مائتى ألف إلى ستة عشر ألفاً .
تعتبر الفطائر الاوسيتية الشهيرة من تحف المطبخ الاوسيتي التي يتحدثون عن مذاقها اللذيذ لا في روسيا فحسب بل وفي كثير من أنحاء العالم.وهي تحشى باللحم او الجبن او الخضروات، ولكن تناولها الصحيح يتطلب معرفة الاصول التقليدية للمائدة الاوسيتية .
لم تكن المآدب بالنسبة للاوسيتيين ابدا مكانا لتناول الطعام والشراب وتبادل الحديث فحسب. انها وثيقة الارتباط بمعتقداتهم ونمط حياتهم وسلوكهم الاجتماعي . هذه القواعد عند الأوسيتي جزء من وجوده ومفهومه.. جزء من تراثه الروحي والأخلاقي. وعموما كان الاوسيتيون على مر العصور ينظرون الى الطعام نظرة تحفظ وتقشف. ولذلك يقول المثل عندهم : "الى الوليمة اذهب شبعان وعد منها جوعان ". وهذا يؤكد واقع ان الشره كان رذيلة مشينة. فحتى لوكنت جوعان جدا ( ومن كان آنذاك شبعان؟) فقد كان عليك أن تأكل في الولائم العامة بتحفظ وبلا عجلة ، ولاتظهر شهيتك.
النخب الثاني على المائدة الأوسيتية يقال تكريما لراعي الرجال والمسافرين والمحاربين المسمى " واسطيرجي". هذه الشخصية اصبحت بعد دخول أوسيتيا في الدين المسيحي تقترن بشخصية القديس غيورغي. (واسطيرجي) هو اكبر القديسين اجلالا عند الأوسيتيين . عادة ما ترفع الكأس ويقال النخب وقوفا ، تكريما له. يرجوه الشاربون الا يسمح بأن تخلو أوسيتيا من الرجال الحقيقيين والاصدقاء المخلصين، وأن تعيش أوسيتيا في سلام ورخاء وتتجنبها الويلات ، وأن تكون لدى الشباب القدرة والبسالة والشجاعة على الذود عن أرضهم الغالية.