تقرير "تشيلكوت الليبي" وغياب آليات محاسبة زعماء الحرب

أخبار العالم

تقرير
رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون في بنغازي، 2011
انسخ الرابطhttps://ar.rt.com/i0sd

أخيرا اعترف البرلمان البريطاني بخطأ قرار السلطات العليا في بلاده بغزو ليبيا والتعجيل بانهيارها سياسيا واقتصاديا.

إن كشف النواب البريطانيين بأن التدخل العسكري البريطاني في ليبيا عام 2011 بأمر من رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون استند إلى معلومات مخابرات خاطئة وعجل بانهيار البلد سياسيا واقتصاديا، لا يقل أهمية وخطورة عن تقرير "تشيلكوت" الذي وجه إدانة بالغة لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير جراء التدخل العسكري في العراق بناء على معلومات وتقارير مغلوطة وتضليلية أيضا.

تقرير لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني شدد على أن ديفيد كاميرون، الذي تولى رئاسة الوزراء البريطانية من 2010 إلى يوليو/تموز 2016، لعب دورا حاسما في قرار التدخل، ويجب أن يتحمل المسؤولية عن دور بريطانيا في أزمة ليبيا. هذا التقرير لم يصدر عن دولة أخرى، ولا حتى عن حزب سياسي بريطاني منافس للحزب الذي ينتمي إليه كاميرون، بل صدر عن لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني الذي يترأسه كريسبين بلانت عضو حزب المحافظين الذي ينتمي إليه كاميرون نفسه. واعترف كريسبين بأن "تصرفات بريطانيا في ليبيا جزء من تدخل لم يكن نتيجة تفكير سليم ولا تزال نتائجه تظهر حتى اليوم.. وأن السياسية البريطانية في ليبيا قبل وأثناء التدخل في مارس 2011، تأسست على افتراضات خاطئة وفهم ناقص للبلاد والموقف.. وأن المسؤولية الأساسية تقع على عاتق زعامة ديفيد كاميرون".

 هكذا يحدد التقرير بدقة مسؤولية بريطانيا التي كان يقودها عمليا ديفيد كاميرون، والذي لعب دورا "حاسما" بالفعل، إلى جانب دور الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، في تأليب المجتمع الدولي، ودفع حلف الناتو لقصف ليبيا. غير أن المهم هنا، هو عبارة "ولا تزال نتائجه تظهر حتى اليوم". وهي عبارة مهمة وخطيرة، لا تعكس فقط قصر النظر وسوء التفكير والأخطاء التي لا تختلف كثيرا عن الجرائم، بل وتعكس أيضا مدى التواطؤ والتآمر، خاصة وأن القوات الخاصة البريطانية وصلت إلى صحراء بنغازي في مطلع مارس 2011، وكادت تقع كارثة بينها وبين مجموعات مسلحة. واعترفت لندن بعد أيام بأن "وفدا دبلوماسيا" بريطانيا واجه متاعب وعقبات في "صحراء بنغازي"!

 لقد وجه تقرير "تشيلكوت" إدانة واضحة لتوني بلير. ومثلما اعترف قادة الولايات الذين قادوا عمليات غزو العراق واحتلاله بأخطائهم وبأن الأسباب التي انطلقوا منها واعتمدوا عليها في إقناع العالم لم تكن موجودة أصلا، اعترف أيضا بلير بذلك. ولكنه برر الغزو والاحتلال بتبريرات مثيرة للسخرية: غطرسة صدام حسين، ومن أجل حماية الأقليات، وأن العراق أصبح أفضل بدون صدام. ولقد تحدث بلير بعيون دامعه عن 170 جنديا بريطانيا قتلوا في تلك العمليات، بينما تجاهل تماما عشرات الآلاف من العراقيين الأبرياء والعزل (أطفال ونساء وكبار السن وشباب) الذين راحوا ضحية الغزو والاحتلال، والآلاف الذين راحوا أيضا بنتيجة تداعيات ما بعد الغزو إلى يومنا هذا. والأكثر إثارة للدهشة والتساؤلات أن بلير ما زال مصمما على أن لا علاقة بين الغزو والاحتلال وبين التداعيات التي توالت، وعلى رأسها الإرهاب الذي دمر تقريبا أقدم وأهم حضارة في التاريخ، وأهلك عشرات الآلاف من البشر، بينما شرد عشرات الملايين.

أمامنا الآن تقريران: الأول، يتعلق بمسؤولية توني بلير عن غزو العراق وتوريطه بلاده في حملة عسكرية على دولة أخرى بناء على تقارير كاذبة وتضليلية. والثاني، يتعلق بمسؤولية ديفيد كاميرون عن توريطه بلاده في حملة مشابهة على دولة أخرى بناء على تقارير ومعلومات كاذبة وتضليلية.

وعلى الرغم من أننا لم نسمع بعد تبريرات ديفيد كاميرون، إلا أنه لن يختلف كثيرا عن توني بلير والقادة الأمريكيين الحلفاء. والمسألة ببساطة تتلخص في أن لا المجتمع الدولي اخترع آلية لمحاسبة أولئك الزعماء الذين يقومون بغزو دول أخرى، أو أولئك الذين يحرضون ويضللون بناء على معلومات كاذبة، ولا الأمم المتحدة ومجلس الأمن نجحا في تفادي المعايير المزدوجة ووضع الجميع أمام القانون. وبالتالي، نجد أن مجلس الأمن والأمم المتحدة عاجزان عن محاسبة الدول الكبرى وقادتها، بينما يمتلكا كل الأدوات الممكنة لمحاسبة الدول الصغيرة والضعيفة. وهو ما ينطبق أيضا على غالبية المحاكم الدولية، إن لم يكن كلها.

غير أن الملاحظ في هذا السياق أيضا، هو أن القوانين والتشريعات المحلية في الدول "الديمقراطية!" الكبرى لا تحاسب زعماءها على توريط البلاد في حروب وحملات عسكرية ضد دول أخرى وقتل أطفالها وتدمير ثقافاتها وحضاراتها واقتصادها. وفي الوقت نفسه تحاسبهم على تصرفات داخلية تتعلق بقوانين الحريات الخاصة والعامة وحقوق الإنسان في الداخل. ما يعني، شئنا أم أبينا، أن هذه الدول ترى أن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان مرتبطة بمواطنيها فقط، وليس لها علاقة بحياة ومستقبل مواطني الدول الأخرى من نساء وأطفال وشيوخ وشباب.

أشرف الصباغ

 

موافق

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا