هل خرجت الآلة الاستخباراتية الأمريكية من تحت السيطرة؟

أخبار العالم

هل خرجت الآلة الاستخباراتية الأمريكية من تحت السيطرة؟
انسخ الرابطhttps://ar.rt.com/gvdn

كشف مؤسس موقع "ويكيليكس" الأسترالي جوليان أسانج عن وجود اتفاق سري بين السعودية وقطر وتركيا للإطاحة بالقيادة السورية حسب ما أكدته وثائق وزارة الخارجية السعودية المسربة على موقعه.

أسانج أشار، خلال مقابلة أجريت معه على قناة "روسيا – 1"، إلى مشاركة الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا في هذه المؤامرة، وفقا لتعبيره. غير أن هذه التسريبات تأتي على خلفية فضيحة التجسس الأمريكي على الرئيس الفرنسي ومن قبله المستشارة الألمانية.

إن عمليات التجسس الأمريكي على حلفاء واشنطن نفسها تثير العديد من الأسئلة الموجعة، وتعيد ترتيب الأشياء والأحداث من جديد. إن تفاصيل ما جرى من عمليات تجسس للأجهزة الأمنية والاستخباراتية الأمريكية على ألمانيا وفرنسا والعديد من الدول الأوروبية الأكثر قربا من واشنطن، تذكرنا بأفلام الخيال العلمي التي يخرج فيها "الروبوت" عن السيطرة، ويبدأ بإدارة نفسه من حيث التفكير والتخطيط والتنفيذ.
فضيحة التسريبات الأخيرة التي فجرها موقع "ويكيليكس" المتخصص في تسريب الوثائق، أشارت إلى أن التنصت الأمريكي جرى بين عام 2006، وحتى مايو/أيار عام 2012، وهو الشهر الذي تسلم فيه فرانسوا هولاند السلطة من الرئيس نيكولا ساركوزي. وكشفت الوثائق أن "الآلة الأمريكية" لديها أرقام هواتف عدد من مسؤولي قصر الرئاسة الفرنسي، إضافة إلى وزراء في الحكومة والسفير الفرنسي في واشنطن.

وثائق "ويكيليكس"، بعد الفضائح المتكررة، أصبحت تطرح سؤالا مهما عن هوية مسربها. فالمسألة لم تعد تدور حول مؤسسة "ويكيليكس" أو موظف الاستخبارات الأمريكية السابق إدوارد سنودن فقط. ومن الواضح أن هناك مصدرا آخر لتسريب المعلومات من داخل القصور الرئاسية ووزارات الخارجية والدفاع، والسفارات والمؤسسات السيادية والحيوية. هنا أيضا لا يمكن استثناء فرضية وجود تقنيات على درجة عالية من التطور والدقة تعمل في إطار برامج الفضاء والأقمار الصناعية. ولكن الأخيرة تابعة دائمة للدول والحكومات نفسها. وبالتالي نعود إلى فرضية وجود "المصدر الآخر"، سواء كان ذلك على الأرض أو في الفضاء.

إن فرضية "المصدر الآخر" تكاد تتماهى مع فكرة خروج "الآلة الاستخباراتية الأمريكية عن السيطرة"، خاصة وأن هناك عشرات ومئات الوكالات والمؤسسات الاستخباراتية الخاصة التابعة للولايات المتحدة، سواء على أراضيها أو على أراضي دول أخرى، تعمل تحت مسميات مختلفة وفي أنشطة متعددة. ما يدفعنا للتفكير، شئنا أم أبينا، في "تمرد الآلة الجهنمية" على صانعيها وموجهيها، وشروعها في خلط الأوراق بدرجة تكاد تشعل العالم فعليا.

هل ثمة حرب خفية في الأجهزة السيادية الأمريكية؟

هناك تقارير أمنية تشير إلى أن عمليات التنصت والتجسس من وكالة الأمن القومي "NSA" تجري دون علم إدارة أوباما. وقد اتهم تقرير لجنة الاستخبارات بالكونغرس، الذي نشر في ديسمبر 2014  (من 500 صفحة)، وكالة الاستخبارات بتقديم معلومات مغلوطة للبيت الأبيض وكشف عن تورط "سي آي أيه" بعمليات تعذيب بعد 11 سبتمبر، كما نفت وزارة العدل الأمريكية إعطاءها أي إذن لعملاء الاستخبارات للتعذيب أثناء الاستجواب.

الوثائق التي ظهرت إلى الآن تفضح الولايات المتحدة وتعكس مدى استهتارها بكل المواثيق والأعراف الإنسانية والسياسية والدبلوماسية. وعلى الرغم من إنكار واشنطن الرسمية، والتصريح "الأرعن" الذي أدلى به وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بشأن عدم معرفته بالتجسس على فرنسا وألمانيا من عدمه، يؤكدان من جهة أخرى على أن "الآلة خارج السيطرة" الآن، وقادرة على المزيد من خلط الأوراق وإشعال النيران. وإذا كانت المؤسسات الرسمية الأمريكية (البيت الأبيض ووزارة الخارجية والبنتاغون ووكالة الاستخبارات) على علم بذلك، فالمصيبة أكبر، لأن الدولة الأمريكية نفسها تكون بذلك قد تحولت إلى وكالة استخبارات ترفع شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة الدول، وتفعل في الواقع عكس كل ذلك.

إن أبرز القضايا التي جرى التجسس عليها في فرنسا بحسب وثائق ويكيليكس هي، بحث نيكولا ساركوزي استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية بدون موافقة واشنطن، وتفاصيل محادثات دارت بين مسؤولين فرنسيين خلال اجتماعات سرية في باريس لمناقشة أزمة منطقة اليورو والتداعيات المحتملة لخروج اليونان منها، والعلاقات بين إدارة هولاند وحكومة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، ولقاء بين الرئيس هولاند وبين زعماء أكبر حزب سياسي معارض في ألمانيا من وراء ظهر الحليفة ميركل. ما يعني أن "الآلة الأمريكية" مهتمة بكل تفاصيل حياة ونشاطات ومباحثات ومفاوضات الأعداء والأصدقاء.

هنا لا يمكن أيضا أن نستبعد وجود أجهزة استخبارات أخرى على قدر كبير من التطور والقدرة التقنية والبشرية، تعمل على توريط الولايات المتحدة وأجهزتها. ولكن الحديث لا يدور عن صراع استخباراتي بين الدول الكبرى الأكثر تطورا في هذا المجال، لأن الصراع الاستخباراتي يدور منذ عشرات ومئات السنين بين الدول نفسها. الأمر هنا يتعلق مباشرة بفضائح أجهزة محددة في دولة محددة ضد كل دول العالم، بما في ذلك الأصدقاء والحلفاء.

هذه التفاصيل تحيلنا مرة أخرى إلى عدد من الأسئلة الصعبة والموجعة. إلى أي مدى شاركت بالفعل هذه الأجهزة التي خرجت عن السيطرة في تأسيس قواعد الإرهاب التي تستنزف العالم حاليا وإدارتها وتوجيهها بشكل مباشر. وهي القواعد التي تكاد تخرج هي الأخرى عن السيطرة؟! الحديث يدور إلى الآن عن توظيف الاستخبارات الأمريكية، واستخدام الدولة الأمريكية للإرهاب، مع بعض التحليلات المتعلقة بالدعم أو التدريب أو التنظيم، أو كل ذلك معا. ولكن خروج الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية عن السيطرة، كما هو واضح في وثائق ويكيليكس، يدفعنا إلى إلقاء السؤال المطروح بقوة، خاصة وأن العديد من المؤسسات الأمريكية "المشبوهة" في علاقاتها بالأجهزة الاستخباراتية تنشط دائما في تلك النقاط الساخنة التي يضربها الإرهاب أو التي ضربتها الآلة العسكرية الأمريكية. ومن جهة أخرى، تنشط الآلة التي خرجت عن السيطرة في العديد من المؤسسات السيادية ليس فقط للدول العدوة أو التي تحمل صفة العدو المحتمل، بل وأيضا في الدول الصديقة والحليفة.

أشرف الصباغ

موافق

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا

بوتين من الصين: لا خطط حاليا لتحرير خاركوف