بوتين وملعقة أردوغان والبوظة في معرض "ماكس"

أخبار الصحافة

بوتين وملعقة أردوغان والبوظة في معرض
انسخ الرابطhttps://ar.rt.com/mc3v

لم تكن المقاتلة "سوخوي-57" الحديثة شاغلة الناس في معرض "ماكس-2019 الدولي للطيران والفضاء"، ولا حتى "سوخوي-35"، التي لا تزال العقول الأمريكية تحاول فك رموزها.

ولا الصواريخ التي لا يعرف أحد مداها الأقصى، ولا حتى الطائرة المسيرة الهجومية "أوخوتنيك إس-70".
ولعل الرئيس بوتين نفسه لم يكن نجم هذا المعرض، لأن نجمه كان الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي حل ضيفا مثقلا بهموم فك الحصار عن جنوده المحاصرين في مدينة مورك السورية، واقتراب الجيش السوري من مدينة إدلب، معقل " المعارضين المعتدلين"، الذين لم يعد أردوغان قادرا على حمايتهم أكثر، وهو ما كان واضحا في نهاية المباحثات، التي أجراها مع الرئيس بوتين، وخلصت الى إقرار الرئيس التركي بضرورة القضاء على الإرهابيين في هذه المدينة الحصينة.
ليس في الكرملين، بل في معرض "ماكس"، هكذا أراد بوتين أن يرى العالم أردوغان قرب قمرة المقاتلة الجديدة "سو-57" من الجيل الخامس.
- هل بدأت الطيران، يسأل أردوغان؟
- نعم، يرد بوتين.
- وهل يمكن شراؤها؟ ليأتيه الجواب مرفقا بابتسامة من جديد بنعم أيضا.
هي عبارات قصيرة سمعها القاصي والداني بأن أبواب موسكو وأنقرة باتت مشرعة على جميع الخيارات.
بيد أن أردوغان، الذي يجيد المساومة والمقايضة في آن واحد، وجد نفسه في حيرة بالقرب من الرئيس بوتين، الذي تحول إلى دليل سياحي ممتاز يشرح مواصفات القطع العسكرية والطائرات بتفصيل ممل في جميع الأجنحة. وكيف لا وهو الذي كان خلال الأعوام العشرين الماضية شاهدا على كل ذلك، وحتى أنه أسهم في عمليات التصميم. وبالطبع، كانت أسئلة الرئيس أردوغان دائما أينما حل واحدة - كم هو السعر؟ كجميع تجار البازار الشرقيين.
لكن مروحية "مي-38" وطائرتي "بي-200" و"إم إس-21" جميعها لم تترك ذلك الانطباع الكبير لدى الرئيس أردوغان كما المقاتلة "سو-57"، التي لا تزال تبدو بعيدة كالجامع الأموي في دمشق .
يجد الرئيس أردوغان نفسه في جناح القنابل والصواريخ المختلفة من حيث المقاسات والمسافات والوزن. هذه القنابل الموجهة ذات مسار سقوط متحكم به عن طريق الأقمار الصناعية، وهذه صواريخ بعيدة المدى... أردوغان يسأل عن المدى الأقصى للصاروخ، فيجيبه بوتين إن هذا الصاروخ ذو مدى لا يمتلكه أحد... حاجبا أردوغان يرتفعان إلى الأعلى، ليأتيه صوت مصمم الصاروخ من الخلف بأن المدى الذي سيحدده الرئيس بوتين للصاروخ هو الذي سيكون، ويضيف المصمم: أنا لا أمزح.
بعد الرادارات المختلفة، التي أكد المصممون لأردوغان عدم وجود نظائر لها في العالم، يخرج الرئيسان لتستقبلهما سيارة الليموزين الرئاسية الفاخرة "أوروس"... أردوغان من جديد يسأل: كم السعر؟ فيأتيه صوت من الخلف: 300 ألف دولار. ومن جديد يرتفع حاجبا أردوغان. هو يعرف أن هذه السيارة، المصممة في روسيا، أصبحت السيارة الوحيدة، التي يستخدمها فلاديمير بوتين في زيارته الداخلية والخارجية... يقول بوتين لأردوغان: أنا أعرف أن رئيس جمهورية تترستان يستقل واحدةً مثلها. ويرد أردوغان مستغربا: لم أعرف أن رستم مينيخانوف بهذا الثراء لكي يسمح لنفسه باقتنائها... فيجيب بوتين: التتر عندنا يأخذون أفضل الاشياء لأنفسهم. ويتابع ممازحا: لا عليك لقد قدمت له هدية. فتتغير علامات الاستغراب على وجه الرئيس أردوغان... ليتابع بوتين: في الواقع هذه السيارة تصنع في تترستان، وإذا شئت يمكننا أن نوسع عملية التصنيع.
الرئيس أردوغان صامتا ولعله تذكَّر ما قاله مؤخرا عن تتر القرم، وكيف أنه لن يعترف بعودة شبه الجزيرة الى الحضن الروسي.
- هذه مروحية من إنتاج شركة "أوروس" يا سيادة الرئيس، وهي مخصصة للشخصيات الرسمية.
- كم السعر؟ من جديد يسأل أردوغان.
- سبعة ملايين دولار، وإذا اشتريتها سنقدم لك الليموزين هدية مع المروحية، ويدرك أردوغان أنه بين بائعين بارعين.
في جناح الفضاء كان بانتظار الرئيسين حوار مباشر مع رواد المحطة الدولية الذين رحبوا بالرئيس أردوغان من الأعلى، ليستمع بعد ذلك الرئيس التركي من المدير العام لمؤسسة الفضاء الحكومية الروسية "روس كوسموس" دميتري روغوزين إلى شرح مفصل عن الإنجازات الروسية في الفضاء، مقترحا على الرئيس التركي بمناسبة عيد تأسيس الجمهورية التركية إمكانية إيصال رائد فضاء تركي إلى المحطة الدولية، وأن الأمر ينتظر إيعازا من الرئيس أردوغان، الذي أجاب بنعم، سننضم إلى عملكم المقدس.
يخرج أردوغان متنفسا الصعداء من الأجنحة، التي كان يشعر بأنها لن تنتهي، وأن الجديد في عالم الطيران والفضاء لدى الروس كالنفق المظلم لا مخرج منه، وأنه تاه وسط هذا كله... يرتدي نظارته السوداء، ويسير قرب الرئيس بوتين الذي يقترح عليه تناول الآيس كريم.
بوتين مخاطبا فتاة شابة تقف خلف براد متحرك:
- ما هي أنواع البوظة؟
- بالشوكولا، بالفانيلا، وبالكريما.
يأخذ الرئيس أردوغان بوظة الفانيلا، سائلا:
- هل ستدفع عني؟
بوتين:
بالطبع، فأنت ضيفنا.
ويعطي البائعة ورقة من فئة الخمسة آلاف روبل لتعيد له الباقي، لكنه يشير باتجاه وزير الصناعة والتجارة الروسي دينيس مانتوروف مازحا:
- هذا لك لتطوير الطيران الروسي.
غير أن بوتين، وقد رأى علامات الاستغراب الممزوجة بالابتسامة على وجه الوزير، قال له:
- اشتر آيس كريم للجميع وخصوصا لوزيري الدفاع والخارجية التركيين.
من خلف الجموع الملتفة حول بائعة البوظة يأتي صوت أحد الصحافيين مخاطبا بوتين:
- سيادة الرئيس، هل بعتم اليوم شيئا؟
ويرد بوتين مبتسما:
- بالطبع، البوظة.
ويتابع:
- اليوم وصلت إلى تركيا الدفعة الثانية من منظومة "إس-400".
في هذا الحين يفتح أردوغان قطعة البوظة الروسية، وقبل أن يبدأ بتناولها، يسأل بوتين:
- ألا يوجد ملعقة؟
ويجيب بوتين:
لاااااااااااااا.
الجميع بمن فيهم الرئيس بوتين يسيرون باتجاه قاعة المباحثات تحت شمس المعرض الحارة، يأكلون البوظة الروسية من دون ملاعق...
الوحيد الذي أخذ قطعتين اثنتين من البوظة كان الرئيس بوتين، ولعله أراد أن يعطيها للرئيس أردوغان ليتناولها من دون ملعقة على انفراد وراء الأبواب المغلقة.
حسن نصر، موسكو

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب

موافق

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا

لحظة بلحظة.. تطورات الهجوم الإرهابي على مركز كروكوس التجاري بضواحي موسكو ومصير الجناة والضحايا