شايلوك يطلق أوروبا!

أخبار العالم

 شايلوك يطلق أوروبا!
مقالات رأي
انسخ الرابطhttps://ar.rt.com/hrty

خرجت بريطانيا العظمى من الاتحاد الأوروبي بذريعة أن العضوية غالية ومكلفة. وهذا ليس غريبا على الإنكليز. 

فمن نكاتهم الأكثر شيوعا، أن سيدة تنزل سلم العمارة بسرعة وارتباك، ويسألها أول مستطرق، خيرا؟! لتجيب مقطوعة الأنفاس "جاري قرر الانتحار بإلقاء نفسه من شرفة شقته وسيارتي مركونة تحتها تماما وعلي أن أحركها كي لا تتضرر"!

ومع أن نسبة المصوتين على الطلاق البريطاني الأوروبي تزيد أقل من ثلاثة بالمئة عن أنصار البقاء، بيد أن القرار هز بروكسل، لأنها تتوقع تفاعلا متسلسلا، أطلقت بعض أحزاب اليمين في القارة العجوز إشارة البدء له بالدعوة إلى استفتاءات مماثلة، بدأتها مارين لوبين زعيمة "الجبهة الوطنية" في فرنسا وغردت معها غربان اليمين في هولندا وبلجيكا ودول أخرى، وصف قادتها التصويت في بريطانيا عيدا للاستقلال والانعتاق. 

وفي أثناء الحملة على الاستفتاء شدد دعاة الخروج على أن بريطانيا تتحمل أعباء مالية لا تعوض جراء عضوية الاتحاد الأوروبي.

وهذا يعيد إلى الأذهان شخصية المرابي شايلوك في "تاجر البندقية" لأحد أعظم الشعراء الإنكليز وليم شكسبير. 

المرابي يطمع في ربح يفوق عشرات المرات رأس المال.

وحسب كارل ماركس مؤلف المجلد الشهير بنفس العنوان فإن أوروبا لن تتعافى إلا إذا تخلصت من روح شايلوك، وتحسين أحوال العمال لا ابتزازهم. 

الربح الفاحش ديدن ساسة بريطانيا حتى قبل ان تصبح إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس، من الهند إلى جبل طارق إلى كندا، إلى فوكلاند.

وكان مبدأ "فرق تسد" وتقاسم مناطق النفوذ في العالم، عصا المفاوض الإنكليزي مارك سايكس، وهو شخصية واقعية وليس شكسبيرية متخيلة أذاقت شريكيه في تقاسم الهلال الخصيب، جورج بيكو الفرنسي، والروسي سيرغي سازانوف الأمرين أثناء المفاوضات التي خرج منها الإنكليز والفرنسيون بالغائم و بنسب متفاوتة، فيما غادر المندوب الروسي العرس بوعد في وليمة قادمة لم تطبخ لأن بلاشفة لينين استولوا على السلطة، في بتروغراد عاصمة القياصرة الروس، وفضحوا قسمة سايكس-بيكو. 

وبغض النظر عن الفكرة التي تجد لها صدى عميقا لدى بعض الأوساط بأن سايكس بيكو جديد يطبخ في الشرق الأوسط، وهذه المرة مع طباخ روسي يعرف المقادير ويجيد التّذوق، إلا أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يصب في المصلحة الروسية أخيرا. 

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يدعو إلى أوروبا قوية، والقصد أوروبا لا تخضع إلى الإملاءات الأمريكة.

ومعروف أن لندن على مدى العقود الثلاثة الأخيرة، ومنذ رحيل القادة التاريخيين في القارة العجوز أمثال، ديغول وأديناور وبرانت وغيرهم، صارت وكيلا "للمرجعية الأمريكية" التي تفتي في كل القضايا الدولية والإقليمية ولم تنجو أوروبا من فتاواها المضرة بما في ذلك نشر الدرع الصاروخية في سماء الأوروبيين لمواجهة روسيا مع كل الآثار البيئية والاقتصادية والعسكرية الجسيمة على سكان المنطقة. 

وتعتبر بريطانيا الأكثر تشددا في فرض العقوبات على روسيا، والأشد اعتراضا على تخفيفها أو رفعها. ويمارس البريطانيون سياسة تهدف إلى عزل روسيا، في انسجام مطلق مع التوجهات الأمريكية، التي تكشر عن أنيابها بالمزيد من عمليات تطويق قوات الناتو لحدود روسيا الأوروبية. والسعي الحثيث لضم دول في الخاصرة الجنوبية الرخوة لروسيا، مثل جورجيا، وأذربيجان، ومغازلة أرمينيا التي تعتبر إلى الآن أقرب حلفاء روسيا في جنوب القوقاز.

شايلوك الإنكليزي، يبتز أوروبا ويرفض مبدأ التعايش مع الجيران بتكافؤ. يبحث عن الامتيازات وعن الأرباح الفاحشة. بخروج لندن من الاتحاد الأوروبي قد ينتهي دور وكيل المرجعية الأمريكية في القارة العجوز التي كما قال أحد قادتها تعليقا على نتائج استفتاء "الجمعة الحزين" إن الضربة التي لا تقتلك تقويك! ولعل في المصاب هذا تكمن عبارة بوتين نريد أوروبا قوية!

سلام مسافر

موافق

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا