مباشر

السعودية و"داعش" ولعنة النمر

تابعوا RT على
تحاول السعودية أن تحافظ على استقرار منطقة الخليج من خلال استغلال ثقلها السياسي والعسكري والاقتصادي لمواجهة التحديات الراهنة وإقامة توازن يسهم في إبعاد "الخطر" الإيراني.

ويبدو أن الرياض طفح بها الكيل في أعقاب سيطرة الحوثيين على صنعاء عام 2014 وتمددهم إلى عدن مطلع عام 2015، الأمر الذي نقل المعركة بين السعودية وإيران إلى مستوى جديد، أشد حدة وأكثر اشتعالا.

ولذلك انغمست الرياض في حرب باليمن منذ مارس من العام الماضي في محاولة لوقف ما تصفه بـ"تمدد" النفوذ الإيراني الذي يطرق أبوابها بقوة في اليمن ولبنان وسوريا والعراق، ما يجعلها بين شقي الرحى إذا ما سقطت اليمن في قبضة الحوثيين حلفاء إيران.

مثل هذا الوضع تراه الرياض كابوسا وخطرا ماحقا على استقرارها الداخلي ووحدتها الترابية، ما دفعها إلى اتخاذ إجراءات قوية تشبه في مجملها إعلان حرب سياسية وعسكرية ضد طهران في أكثر من جبهة.

وبالمقابل، تجد إيران نفسها في موقع مريح نسبيا على الرغم من المخاطر التي تحيط بحلفائها في دمشق، وذلك لأن العراق انتقل إلى معسكرها في أعقاب الغزو الأمريكي الذي أطاح بصدام حسين، ولأن حلفاءها لا يزالون أقوياء في اليمن بعد أكثر من عام من التدخل الذي تقوده السعودية، والحال ذاته ينطبق على البحرين ولبنان.

وهكذا، قدّم الأمريكيون لإيران من خلال غزوهم العراق عام 2003 هدية لا تقدر بثمن، أسهمت في التمكين لنفوذها في بغداد، ما قلب الأوضاع بشكل ملموس في المنطقة وخاصة تلك التي سادت أثناء الحرب العراقية الإيرانية التي وقفت السعودية ومعظم دول الخليج فيها إلى جانب العراق.

واللافت أن الصراع بين السعودية وإيران اكتسب مؤخرا طابعا أكثر تعقيدا وأشد خطرا، وذلك لأن مسلحي داعش والقاعدة وأخواتها يقاتلون ضمنيا في صف السعودية في العراق وسوريا ولبنان، وفي الوقت ذاته يهدد هذان التنظيمان أمن واستقرار السعودية، ويشكلان خطرا داهما على حلفائهم في اليمن، وخاصة في المناطق الجنوبية.

فما هي ملامح الموقف السعودي من هذه الخارطة المتشابكة والملغومة؟ وما هي أولويات الرياض في مواجهة خطر تمدد النفوذ الإيراني وخطر "داعش" إقليميا وداخليا؟

يمكن القول إن السعودية قد قررت أن تلقي بأسلحتها الثقيلة في مواجهة إيران وحلفائها، وهي فعلت ذلك في اليمن جوا وبرا وبحرا، وما كان لها أن تتردد في إرسال قوات من جيشها إلى تركيا للمساهمة في الإطاحة بالرئيس بشار الأسد لو كانت الطريق سالكة لمثل هذا الهدف.

ومرد ذلك أن الرياض ترى أنها قادرة على توجيه ضربة موجعة إلى إيران إذا تمكنت من تعويض العراق بسوريا، ما يحرم طهران من حليف استراتيجي يرتبط وجوده بمصير حليف استراتيجي آخر هو حزب الله بلبنان.

أما ما يخص مواجهة خطر تنظيم داعش والقاعدة، فالرياض في وضع محرج وذلك لأن التنظيمين يمثلان القوة الرئيسة التي تزعج خصومها في العراق وسوريا، كما أنهما يضمان أعدادا كبيرة من السعوديين، ولذلك تتعامل مع هذا الخطر على أنه أمني وتحاول استئصاله داخليا، إلا أنها فيما يبدو مشغولة عنه في اليمن في حربها الصعبة والمريرة ضد الحوثيين وقوات علي عبد الله صالح، ما أسهم في تمدده واستشرائه هناك.

ولقد أرادت الرياض أن توجه رسالة حازمة بداية العام الجاري لأعدائها ولأصدقائها على حد سواء، فقامت بتنفيذ حكم الإعدام برجل الدين الشيعي البارز نمر النمر ضمن 47 شخصا آخرين من بينهم 43 من أعضاء تنظيم القاعدة.

وتسبب إعدام النمر في موجة احتجاجات دولية وإقليمية صاخبة، فيما رد الظواهري على إعدام رجاله بالتحريض على مهاجمة السعودية، بل ودعا إلى الإطاحة بنظام الحكم هناك.

وتوالت ردود الفعل الغاضبة من إعدام السلطات السعودية للنمر، وأججت الخطوة بشكل ملحوظ النعرات الطائفية في المنطقة، وجد ذلك انعكاسه في رفع مقاتلين شيعة في العراق صورة النمر في حربهم ضد "داعش"، وإلى ربط مسلحين بين السعودية وهذا التنظيم في تعليقات مصاحبة لأشرطة مصورة في الانترنت ذكروا فيها أن حربهم ضد المتطرفين في الفلوجة للانتقام من السعودية لإعدامها النمر.

وعلى هذا المنوال، يبدو أن لعنة النمر ستتواصل، وتزيد بتداخلها مع لعنة "داعش" يوما بعد آخر من لهيب الصراع الطائفي في أكثر من بلد، وقد تصل إلى السعودية إذا ظلت الأمور تسير بلا هدى، والأحوال على ما هي عليه من خراب يتعاظم وأحقاد تتراكم ودماء تسيل ونيران لا تنطفئ.

محمد الطاهر

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا