في محاولة لكبح جماح دعوات انفصالية متنامية، في بلد تعصف به الحرب، وتنخره الجماعات الإرهابية.
توجيهات الرئيس هادي أتت بعد حملة انتقادات شنها نشطاء حقوقيون، بعد بث لقطات فيديو توثق إهانة وترحيل المئات من العمال المتحدرين من الشمال، من عدن، وعمليات دهم طالت طلابا في الجامعة، وعائلات تسكن المدينة، بحجة مواجهة التحديات الأمنية، في حالة لم يسبق أن شهد لها اليمن مثيلا في تاريخ صراعاته السياسية والقتالية.
وكانت السلطات في عدن، نفذت حملة اعتقالات، طالت المئات من الشماليين، بحجة أنهم لا يحملون وثائق إثبات الشخصية. لكن هذا المبرر لم يكن مقنعا؛ إذ تبين أن هؤلاء في غالبيتهم يحملون بطاقات هوية، وأن قرار ترحيلهم اتخذ لأسباب جهوية؛ حيث وثق ناشطون حقوقيون عمليات استيلاء على ممتلكات لشماليين وإغلاق محالهم وتجميعهم في معسكرات، قبل أن يجري شحنهم في ناقلات للبضائع، ورميهم في الحدود الشطرية السابقة.
وإذ تصدى ناشطون وسياسيون جنوبيون للدفاع عن الإجراءات، ووجهوا الاتهامات إلى "حزب الإصلاح الإسلامي"، بتوظيفها لتصفية حسابات سياسية مع المحافظ ، التي تناهض "جماعة الاخوان المسلمون" العداء؛ فإن تدخل الرئيس هادي ورئيس الوزراء أحمد عبيد بن دغر، وإدانتهم لهذه الممارسات، والمطالبة بإيقافها وإعادة المرحلين الى ممتلكاتهم وأعمالهم، أظهرت مدى الانقسام الكبير القائم في السلطة التي تدير محافظات الجنوب.
وبالمثل، وجه نشطاء وسياسيون شماليون انتقادات شديدة إلى أداء السلطات الأمنية في عدن، واتهموها بأنها سخرت كل جهدها لترحيل من ينحدرون من الشمال، فيما ظلت الجماعات الارهابية تتحرك وتنفذ هجمات انتحارية في المدينة، وتستهدف معسكرات الجيش والمسؤولين أيضا.
وفي المجمل، فإن هيمنة المسلحين السلفيين على الوضع الأمني والعسكري في عدن تثير المخاوف من انتشار الأفكار المتشددة، التي تغذي التطرف في هذه المدينة، والتي كانت مثالا للتعايش والتنوع.
فمنذ عام 2007، برزت حركة انفصالية نشطة في الجنوب يقودها نائب الرئيس السابق علي سالم البيض، وأيدها زعماء الجنوب السابقين وكبار السياسيين، وحظيت هذه الحركة بتعاطف السياسيين والأحزاب المعارضة لحكم الرئيس السابق علي عبد الله صالح، ودعمها النشطاء الحقوقيون في الشمال. وأضحت مطالب إزالة المظالم عن سكان الجنوب بسبب سلوكيات الرئيس السابق - أحد أبرز بنود مؤتمر الحوار، إن لم تكن أهمها. وحتى في محادثات السلام الجارية الآن في الكويت، فإن الجميع يقر بضرورة إزالة اثار الحرب، التي شنها الرئيس السابق في عام 1994.
ومع تحرير عدن وكل محافظات الجنوب من سيطرة الحوثيين وقوات الرئيس السابق، وجه نشطاء الحراك الجنوبي - المطالَب بالانفصال - عداءهم نحو المتحدرين من الشمال. وزاد من حدة هذا العداء تحول هذا الفصيل إلى جماعة مسلحة أثناء المواجهات مع الحوثيين وأتباع الرئيس السابق ويراهن هؤلاء، وفق مايقوله السياسيون في الشمال، على ردة فعل مماثلة تستهدف المتحدرين من الجنوب، باعتبار أن ذلك سيحقق رغبتها في تحويل الانفصال إلى واقع.
اليوم، وحكومة الرئيس هادي، المدعومة من التحالف بقيادة السعودية، وهي تخوض مفاوضات معقدة وصعبة مع الحوثيين وأتباع الرئيس السابق في الكويت، فإنها تواجه تحديات كبيرة في الحفاظ على اليمن كبلد موحد؛ لأن الحرب التي شنها الحوثيين أُلبست غطاء مذهبيا، و ساعدت على تنامٍ كبير للنزعة الانفصالية. وفي غضون ذلك ازدهرت الجماعات الإرهابية، وازدادت معدلات الفقر والبطالة، وتشكلت مليشيات مسلحة لأطراف سياسية سواء في تعز او مأرب او الجوف وحجة أو في إب.
محمد الأحمد