رئيس مجلس النواب نبيه بري، الراعي للحوار، اختصر الدعوة بجملة واحدة تعبر عن عمق الأزمة التي يمر بها لبنان، وهي "الحوار من أمامكم والحراك من وراءكم ". عبارة بري هذه تعتبر خريطة طريق للمتحاورين، لا سيما أن عددا كبيرا منهم وصل إلى المجلس النيابي ولا يحمل في جعبته سوى بند انتخاب رئيس للجمهورية، علما أن البلاد تعاني من أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية مختلفة، وانتخاب الرئيس واحدة من هذه الأزمات، لذلك فإنها لن تكون نقطة التحول الأساسية في حال تم التوصل إلى تسوية بين الكتل النيابية حول التوافق على الرئيس العتيد، باعتبار أن وجود أي رئيس، مهما حمل من نقاط قوة على المستويين السياسي والشعبي، فأنه لن يستطيع إخراج البلاد من نفق الخلاف الحاصل بين مكوناته السياسية، خصوصا وإن الخلاف لم يعد محصورا برؤية سياسية لهذا الملف أو ذاك، بل إنه وصل إلى حد تركيبة النظام وموقع لبنان إقليميا ودوليا .
لا شك في أن حوار الفرقاء اللبنانيين سيسهم إلى حد ما بتخفيف الاحتقان بين مؤيديهم ومناصريهم، لكن حراك الشارع الذي انطلق بحملة " طلعت ريحتكم" وما تبعها من حملات أخرى لا يزال يغرد خارج إطار جميع التوجهات السياسية الفاعلة. ورغم أن حراك الشارع انطلق بالمطالبة بإزالة النفايات من الشوارع، إلا أن سقف مطالبه ارتفع ليطال النظام السياسي في لبنان، مما يعني أن حسابات المتحاورين تحت قبة المجلس النيابي لا تتطابق مع حسابات الشارع الذي بات منتفضا ضد الفساد ورموزه في السلطة الحاكمة.
وبالتالي فإن استمرار الحوار، وحتى في حال توصله إلى توافقات معينة حول ملفات محددة، فانه لن يوقف حراك الشارع ، الأمر الذي يضع البلاد أمام سيناريوهات مفتوحة تبدأ بفراغ كلي في السلطات التنفيذية بعد تحذير رئيس الحكومة تمام سلام لدى وصوله للمشاركة في الحوار بأنه سيضع رؤساء الكتل النيابية أمام مسؤولياتهم، ولا تنتهي بفلتان الشارع بعد أن أثبتت التجارب السابقة إمكانية أن تتحول الاحتجاجات إلى مواجهات مع القوى الأمنية على أبواب المرافق العامة، مما يشير بوضوح إلى أن الحوار في واد والشارع المنتفض بواد آخر.
أمام هذا المشهد المعقد يبدو أن لبنان بات أمام مفترق طرق قد يغير جميع المعادلات الداخلية في ظل غياب الرعاية الإقليمية والعربية والدولية التي كانت تلعب الدور الأساس في صياغة التسويات، مما سيدفع جميع القوى الفاعلة على الساحة اللبنانية إلى إعادة قراءة حساباتها وتوجهاتها السياسية.
عمر الصلح