واشنطن تضغط على الأوروبيين لتشديد العقوبات على روسيا
مع اقتراب انعقاد قمة السبع الكبار في ألمانيا، نوهت واشنطن بنيتها فرض مزيد من العقوبات على روسيا، فيها تظهر تصريحات العديد من السياسيين الأوروبيين قلقهم العميق من هذه التطورات.
وشهد الوضع الميداني في أوكرانيا خلال الأيام القليلة الماضية تصعيدا حادا، لكنه لم يكن مفاجئا، إذ أصبح اشتداد القتال في شرق أوكرانيا أمرا مألوفا قبيل انعقاد جميع الاجتماعات رفيعة المستوى للقادة الغربيين.
وسارع السياسيون الأوروبيون إلى إدانة "الانتهاك الفظ" للهدنة في أوكرانيا، محملين خصوم كييف في جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين مسؤولية استئناف القتال، فيما توجه وزير الخارجية الأوكراني بافيل كليمكين إلى ألمانيا التي ستستضيف يومي الأحد والاثنين قمة مجموعة السبع، ليشكو من "هجمات الانفصاليين المدعومين من روسيا"، مؤكدا أن الجيش الأوكراني لم يتراجع "شبرا" خلال مواجهتهم.
وعلى خلفية استمرار القتال في محيط بلدة ماريينكا القريبة من دونيتسك، تحدث البيت الأبيض عن احتمال "استخدام وسائل إضافية" ردا على تصعيد الأزمة في أوكرانيا.
وقال بن رودس مساعد الرئيس الأمريكي للأمن القومي الخميس 4 يونيو/حزيران: "إننا نسجل استخدام أنواع مختلفة من الآليات القتالية الثقيلة، والتي يجب سحبها من خط التماس وفق اتفاقات مينسك". ولم يذكر رودس أي كلمة عن استخدام كييف إقرار كييف للأسلحة الثقيلة والذي أقرت به علنا.
اشتداد الضغوط الأمريكية على الأوروبيين
كان العديد من الزعماء الأوروبيين أعربوا عن أملهم خلال الشهور الماضية، في أن يسمح تطبيق اتفاقات مينسك السلمية وتطبيع الوضع في شرق أوكرانيا، بالشروع في رفع العقوبات الاقتصادية عن روسيا، والتي يتكبد الاتحاد الأوروبي بسببها وبسبب العقوبات الروسية الجوابية خسائر بعشرات مليارات الدولارات.
لكن هذه الآمال تحطمت حتى قبل التصعيد الأخير في منطقة النزاع. وتحدثت مصادر أوروبية عن "نجاح" مساعي الدول الأوروبية الكبرى للضغط على اليونان لكي توافق على تمديد العقوبات ضد روسيا والتي ينتهي سريانها في يونيو/حزيران الجاري. وكانت الحكومة الجديدة في اليونان قد أعلنت إثر وصولها إلى السلطة رفضها مواصلة نهج العقوبات، وشكت من تجاهل الاتحاد الأوروبي لصوت أثينا لدى اتخاذه القرارات بهذا الشأن.
ويبدو أن قيادة الاتحاد الأوروبي لم تعد تشعر بالحياء لدى استخدامها كافة وسائل الضغط المتوفرة لحمل أعضاء الاتحاد على قبول "الموقف الموحد" من الأزمة الأوكرانية وملف العلاقات مع موسكو. وذلك بعد أن أقر جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي علنا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أن واشنطن مارست الضغوط على الاتحاد الأوروبي لكي يفرض الأوروبيون عقوبات اقتصادية ضد روسيا. جاء ذلك بذريعة إسقاط الطائرة الماليزية في شرق أوكرانيا (والذي جرى قبل انعقاد قمة الاتحاد الأوروبي في يوليو/تموز الماضي).
وقال بايدن في خطاب له بجامعة هارفارد: "الصحيح أنهم (الأوروبيون) لم يريدوا ذلك. لكن أمريكا أمسكت بزمام الأمور، وأصر الرئيس الأمريكي على ذلك، على الرغم من أنه اضطر عدة مرات لدفع أوروبا إلى وضع مرتبك، لكي تخاطر بتحمل خسائر اقتصادية، من أجل إرغام روسيا على دفع الثمن".
وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية قبل أيام أن الاتحاد الأوروبي سيمدد عقوباته ضد روسيا حتى أواخر يناير/كانون الثاني عام 2016، وذلك خلال القمة القادمة للاتحاد الأوروبي يومي 25 و26 يونيو/حزيران.
وعلى الرغم من أن الصحيفة تحدثت عن تمديد العقوبات باعتباره أمرا مقررا، إلا أنها أكدت أن الموضوع لم يطرح حتى الآن للنقاش في بروكسل بصورة رسمية. وأوضحت أن "المسؤولين في بروكسل يشعرون بثقة متزايدة من تمسك دول الاتحاد الأوروبي بالموقف الموحد الذي يقضي بعدم تخفيف الضغوط على روسيا حتى تنفيذ موسكو لكافة التزاماتها المتعلقة بوقف إطلاق النار في أوكرانيا".
وأشارت الصحيفة إلى أن المسؤولين في بروكسل "لا يرون أية إشارات تدل على نية أثينا منع تمديد العقوبات"، لكنهم اعتبروا أن تشديد تلك العقوبات يعد خطا أحمر بالنسبة للحكومة اليونانية. كما ومن المتوقع أن تعارض كل من سلوفاكيا وهنغاريا وإيطاليا ودول أخرى تربطها علاقات تجارية متينة بروسيا، أي اقتراح محتمل بتشديد العقوبات ضد روسيا.
ويبدو أن ألمانيا تقف موقف التردد أيضا من مسألة تمديد وتشديد العقوبات. وقد حذر المستشران الألمانيان السابقان غيرهارد شرودر وهلموت شميت من إبعاد روسيا عن عملية اتخاذ القرارات المشتركة، واعتبرا أن عدم دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لحضور القمة التي ستعقد في بافاريا كان خطأ كبيرا.
أما وزير الخارجية فرانك فالتر شتاينماير فأكد أنه ليس من مصلحة الدول السبع (بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وكندا والولايات المتحدة وفرنسا واليابان) عقد القمم بصيغة "السبع الكبار" إلى الأبد.
وأوضح: "على العكس، نحن بحاجة إلى مساعدة روسيا في جهود تسوية الصراعات المجمدة في أوروبا وسوريا والعراق وليبيا وفي المفاوضات المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني".
من جانب آخر أعلن رئيس وزراء كندا ستيفن هاربر أنه "لا يجوز السماح لروسيا بالانضمام إلى السبع الكبار طالما يحكمها فلاديمير بوتين".
وقال: "تعارض كندا بشدة جلوس بوتين من جديد إلى طاولة المفاوضات. وتتطلب عودة روسيا (إلى المجموعة) اتخاذ القرار بالإجماع، لكن الإجماع اللازم لن يتوفر أبدا".
وفي هذا السياق يبدو تصعيد الوضع الأخير في أوكرانيا كجزء من مسرحية جديدة هدفها تصعيد دوامة العقوبات من جديد، لا سيما إذا تذكرنا وجود مئات المدربين الأمريكيين والغربيين في أراضي أوكرانيا حيث يشاركون في تأهيل الحرس الجمهوري الأوكراني الذي يخوض المعارك في شرق البلاد.
يذكر أن المعارك في محيط بلدة ماريينكا الأوكرانية اندلعت يوم 3 يونيو/حزيران، وتبادل طرفا النزاع تقليديا الاتهامات بالمبادرة إلى استئناف القتال. وفي الوقت نفسه، صعدت كييف خطابها المعادي لروسيا ، إذ قال الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو في رسالته السنوية إلى مجلس الرادا يوم 4 يونيو/حزيران إن "14 مجموعة تكتيكية من القوات الأوروبية موجودة حاليا في أراضي أوكرانيا، يتجاوز عدد عناصرها 9 آلاف عسكري".
ونفت وزارة الدفاع الروسية صحة تصريحات بوروشينكو مجددا، واستغربت كون الأرقام التي تعلنها السلطات الأوكرانية بشأن عدد "الجنود الروس في أوكرانيا" متناقضة.
أما رد الفعل الروسي على تصريحات واشنطن عن احتمال تشديد العقوبات، فهو هادئ ومتزن، إذ تؤكد موسكو عدم اكتراثها بتلك التصريحات، وترى أن العقوبات تعد بالدرجة الأولى، قضية بالنسبة لمن بادر إلى فرضها. وترفض روسيا بحث موضوع العقوبات خلال المحادثات مع الأمريكيين والأوروبيين، ولا تحزن على الإطلاق لإبعادعا عن قمم السبع الكبار.
المصدر: RT