كيف يشكل قرار الحكومة الإسرائيلية إخلاء الشمال "هدية" لـ"حزب الله"؟ وكيف هي الصورة الآن؟
قال تقرير في صحيفة "معاريف" العبرية إن قرار الحكومة الإسرائيلية بإخلاء الشمال يعطي "دفعة" لـ"حزب الله" اللبناني.
تقرير عبري يقارن بين الثمن الباهظ الذي دفعته إسرائيل في حربها على غزة وما ستخسره مع حزب الله
وحسب "معاريف"، كانت خطة إخلاء الشمال جاهزة أصلاً قبل عقد من الزمن، وكان هجوم "حزب الله" الذي بدأ في أكتوبر (عقب إطلاق حركة "حماس" عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر) حدث أدى إلى استرجاع هذه الخطة بسرعة من الأدراج، وجعل من الممكن منح "حزب الله" أعظم هدية يمكن أن يتمناها.
وبين التقرير أن رؤساء السلطات في الشمال تلقوا في نهاية الأسبوع الماضي رسالة أخرى من "حزب الله" في لبنان، وفي كل بضعة أيام تمر، يرسل عناصر "حزب الله" رسائل نصية إلى هواتف رؤساء السلطات والمستوطنات على الحدود الشمالية. وهذه المرة، وفي إطار الرعب النفسي، كتب المقاومون اللبنانيون أن إطلاق النار في الشمال سيستمر طالما استمر القتال في غزة.
"نحن نطلق النار على المنازل التي يوجد بها جنود، ولكن إذا أصرت حكومتكم على القتال في غزة، فسيتم تدمير المزيد والمزيد من منازل اللاجئين لديكم.. لن يكون لديهم مكان يعودون إليه"، هكذا جاء في إحدى الرسائل التي وصلت إلى رئيس المجلس الكبير في الجليل في نهاية الأسبوع، بعد ثمانية أشهر من إطلاق "طوفان الأقصى"، حسب "معاريف".
"غزو إسرائيل".. تقرير عبري عن سلاح يملكه حزب الله "سيغير وجه الحرب"
ووفق الصحيفة العبرية، تبدو صورة الوضع في الشمال كما يلي:
- ما يقرب من 100 ألف إسرائيلي ما زالوا لاجئين، ويعيشون خارج منازلهم، واضطر معظمهم إلى التوقف عن العمل، وتم فصل الأطفال والمراهقين من مؤسساتهم التعليمية إلى مؤسسات تعليمية مؤقتة في بيئة جديدة وغير مألوفة.
- في المنطقة الصناعية بشمال ريكيم، تم إغلاق المصانع والورش.. كان لا بد من إغلاق مركز ريادة الأعمال في الجليل في تل حاي، وهو مرساة لتطوير الصناعة المبتكرة في الشمال والأمل الاقتصادي للجليل بأكمله، كما فعلت غالبية الشركات، وبحسب رؤساء مجلس الجليل الأعلى، فمن المحتمل ألا تتمكن كلية تل حاي من افتتاح العام الدراسي المقبل.
- وقع معظم أعضاء هيئة التدريس والمحاضرين حتى الآن عقودا للعمل في مؤسسات أكاديمية في جميع أنحاء البلاد. ناهيك عن السياحة التي تم القضاء عليها في الشمال وعن الأعمال الزراعية، فقد أصبح من المستحيل الآن العثور على متطوعين لقطف الكرز في شمال الجولان والجليل الأعلى.
وقالت "معاريف" إن رؤساء السلطات في الشمال، يدركون عندما ينظرون إلى الوراء، أن القرار المؤسف الذي اتخذه الجيش الإسرائيلي والحكومة بإخلاء الشمال من السكان وإنشاء منطقة أمنية هو خطأ تكتيكي واستراتيجي.
وأوضح جيورا زالتس، رئيس مجلس الجليل الأعلى قائلا: "لقد كان خطأً سندفع ثمنه لسنوات عديدة.. أنا أعلم اليوم أن بعض الأشخاص الذين تم إجلاؤهم من مستوطناتنا لن يعودوا إلى الجليل.. إنهم في الواقع جزء كبير من العائلات القوية".
ما الذي أدى إلى ذلك؟ وكيف تم اتخاذ قرارات إجلاء سكان مستوطنات الحدود الشمالية قبل نحو ثمانية أشهر؟ لمعرفة ذلك يجب العودة عقداً من الزمن إلى الوراء:
ووفق الصحيفة، قيادة الشمال بقيادة القائد العام حينذاك اللواء أفيف كوخافي ( تمت ترقيته بعد ثماني سنوات إلى رئيس للأركان) عرض على رؤساء البلدات في الشمال سيناريو الإسناد في الحرب مع حزب الله: "آلاف من الصواريخ على التجمعات السكانية، ودخول آلاف عناصر "الرضوان" (أبرز قوة في "حزب الله") من لبنان إلى مواقع الجيش الإسرائيلي في الشمال".
"معاريف": وزراء الحكومة يهددون نصرالله ولكنهم يعلمون أن أيدينا مقيدة.. هذه التهديدات كلام فارغ
ويقول رئيس إحدى السلطات في الشمال: "السيطرة على مفارق الطرق والطرق في جنوب الجليل، والدخول واحتلال المستوطنات على طول خط النزاع في الشمال وارتكاب أعمال قتل وخطف.. للأسف سيناريو الإسناد الذي عرض علينا قبل عشر سنوات للحدود الشمالية يجعلنا وحيدين في المواجهة في الجنوب".
وقام مجلس الجليل الأعلى الإقليمي ومن ثم المجالس الأخرى في الجليل بإعداد خطة دفاعية على أساس السيناريو المرجعي، وقد ارتكزت الخطة على العقيدة القتالية للجيش الإسرائيلي في الشمال وهي: "لبنان هو الساحة..أولاً، إسرائيل في حالة حرب..ثانيا، ستكون شدة النيران بين إسرائيل و"حزب الله" كبيرة لدرجة أن القتال سيستمر من أيام إلى أسبوعين، ثالثا، سيتحرك الجيش الإسرائيلي خلال ساعات لنقل القتال إلى الأراضي اللبنانية، لكنه سيحتاج إلى خلفية قريبة في الأراضي الإسرائيلية، خالية من المدنيين، لكي يتحرك بشكل مكثف باتجاه الشمال".
ووضعت السلطات خطة إخلاء للمستوطنات، وكلها تواجه الجنوب. أولئك الذين يشغلون مناصب أساسية، مثل مشغلي الأمن أو المصانع الأساسية، وعمال المزارع العاملين في مجال الحلب، والتعاونيات وأعضاء الطبقات الاحتياطية يظلون في المقدمة.
وبحسب شهادة رؤساء السلطات، فقد تم عرض الخطة المدنية على جنرال الشمال أفيف كوخافي، الذي تبناها بعد ليفتيم.
وأضافت "معاريف" أنهم في السابع من أكتوبر، استيقظوا على مفاجأة هجوم حماس، والآن يمكن القول أن "حزب الله" فوجئ أيضا بالهجوم، وبدأت القيادة الشمالية بالتحضير فورا لهجوم "حزب الله"، وقام الجيش الإسرائيلي على الفور بتعبئة فرق الاحتياط، والانتشار في خطوط الدفاع في الجليل ومرتفعات الجولان، وفي غضون ساعات قليلة، انتشرت جميع قوات الدفاع في تشكيلين وثلاثة تشكيلات دفاعية ضيقة، وفي الثامن من أكتوبر، انتهى التهديد الرئيسي المتمثل في تسلل قوات رضوان إلى المستوطنات "بحكم الأمر الواقع".
وانتشرت مئات الدبابات وقذائف المدفعية ووحدات المشاة على ظهر الجبل، وكذلك في الوديان المحيطة بالمستوطنات وداخلها، لكن القيادة الشمالية لم تخاطر. ولخطورة الأمر، اتصل قادة الفرقة 91 برؤساء السلطات وحثوهم على تنفيذ خطة الإخلاء بهدوء.
يوضح رئيس مجلس الجليل: "قالوا لي: أخرجوا السكان غير الأساسيين"، وكانت التعليمات هي "اصطحاب السكان لمسافة تصل إلى خمسة كيلومترات من الحدود".
وبدأ "حزب الله" بإطلاق الصواريخ وقذائف الهاون بعد ساعات قليلة من إطلاق "حماس" لعملية "طوفان الأقصى"، وفي المراحل الأولى، أطلق "حزب الله" صواريخ دقيقة مضادة للدبابات، وكان معظم إطلاق النار تقريبا لأغراض عسكرية، وهذا هو السبب وراء قيام الجيش الإسرائيلي بتقييد حركة المركبات العسكرية على بعض الطرق، وتم السماح للمواطنين بالتحرك في تلك المحاور.
وبعد حوالي عشرة أيام من تبادل إطلاق النار، قامت الحكومة بتنفيذ عملية الإخلاء، وبعد أيام قليلة في 22 أكتوبر، وفقا لمصادر في الشمال، وبسبب الضغوط السياسية، تم تضمين مستوطنات إضافية في أمر الإخلاء الحكومي، ومن بين المستوطنات كانت مدينة كريات شمونة.
وتابع التقرير: "هنا يبدأ النقاش ليس قفقط داخل الجيش الإسرائيلي، ولكن أيضا بين رؤساء المستوطنات في الشمال. بعد ساعات إلى يوم من هجوم "حماس"، تمكن الجيش الإسرائيلي من تثبيت خطوط الدفاع ضد الاختراق، وكان التهديد بإطلاق النار يستهدف أهدافا عسكرية، وقررت إسرائيل تغيير عقيدتها الهجومية وذكرت أن غزة هي ساحة أساسية والشمال ساحة ثانوية، أي أنه تم إسقاط هجوم سريع بالكثير من النيران من الحلقة في ذلك الوقت".
وأكملت الصحيفة: "إن أساس خطة الإخلاء التي تم إعدادها قبل عقد من الزمن لم يعد موجودا. يقول مسؤولون في القيادة الشمالية ورؤساء المستوطنات اليوم إن الحكومة الإسرائيلية أدركت في بداية أكتوبر أنها لا تملك القدرة على إدارة جبهتين: الجيش الإسرائيلي كان بلا مخزون من الأسلحة، فقط عُشر كمية قذائف المدفع كانت موجودة في مستودعات جيش الدفاع الإسرائيلي، وتبين أن جزءا كبيرا من ألوية الاحتياط يعاني من ثغرات في التسليح والمعدات وكذلك تدريب المقاتلين".
وأشارت إلى أنه في إسرائيل، كانوا يخشون من أن يؤدي هجوم من نقطة واحدة من قبل "حزب الله" عن طريق الخطأ إلى إلحاق ضرر كبير بالأطفال أو المدنيين، على سبيل المثال، إن الإضرار بحافلة صفراء للأطفال وهم في طريقهم إلى المدرسة من شأنه أن يجبر إسرائيل على خوض حرب في الشمال، على الرغم من عدم قدرة جيش الدفاع الإسرائيلي على ذلك حينها، ولهذا السبب قررت الحكومة تنفيذ خطة الإخلاء، لدى الجيش الإسرائيلي والسلطات إجماع واضح واحد: "لم نتوقع، لم نتوقع أن يستمر الإخلاء لهذه الفترة الطويلة من الزمن، لم يكن الأمر ضمن الخطط، كما يقولون جميعًا.
من جهته، أدرك "حزب الله" قيمة الهدية التي قدمتها له الحكومة الإسرائيلية في قرار الإخلاء، وبدأ يتصرف بأسلوب سلامي لترسيخ إنجاز استراتيجي، وبمساعدة سلاحه الدقيق أصاب المباني التي يتواجد فيها جنود الجيش الإسرائيلي في المستوطنات. ثم بدأ بإتلاف المباني في المستوطنات حيث لم يتم العثور على جنود أيضا، وبعدا بدأ بإطلاق النار على المستوطنات التي تم إخلاؤها، ولكن ذات الكثافة السكانية العالية، مثل مرغليوت، والمنارة، ودوبيف، وأفيفيم، وشلومي وكريات شمونة.، فيما يمتنع عن إطلاق النار على المستوطنات التي لا يتم إخلاؤها، حسب "معاريف".
وفق "معاريف"، تتعرض إسرائيل حالياً لضغوط من "حزب الله"، الذي يستغل عملية إخلاء الشمال لصالحه، كما يدركون في إسرائيل أن الفخ الذي جلبته الحكومة الإسرائيلية في بداية الحرب سيكون من الصعب الآن تصحيحه.
المصدر: "معاريف"
التعليقات