تساتسيكي.. أدب وقلة أدب أمام الأطفال في مكتبة روسية

الثقافة والفن

تساتسيكي.. أدب وقلة أدب أمام الأطفال في مكتبة روسية
انسخ الرابطhttps://ar.rt.com/jhuy

عقدت في مكتبة الأدب الأجنبي بموسكو مؤخرا ندوة للروائية السويدية موني نيلسن، وهي كاتبة متخصصة في أدب الأطفال، وتعد واحدة من أكثر الكتّاب إثارة للجدل في بلدها.

ما من شك في أن إسهام الكتّاب السويديين في أدب الطفل يعتبر أحد أهم الإسهامات في هذا المجال على الصعيد العالمي، وقد اشتهرت أعمال عديدة مذيلة بأسماء مثل استريد لينغرين، صاحبة كارلسون الذي يعيش على السطح، والكاتبة الفنلندية باللغة السويدية توفي يانسن، مؤلفة مغامرات "مومي ترول"، أو المومين حسب النسخة العربية، وسلما (سلمى) لاغرلوف، مؤلفة حكاية الصبي نيلز الذي تمت معاقبته بسبب سوء معاملته للحيوانات فصار قزما.

من المؤكد أن الكاتبة موني نيلسن شقت طريقها في أدب الأطفال واكتسبت مكانة خارج حدود السويد، سيما وأن أعمالها الأدبية، وتحديدا مغامرات بطل قصصها تساتسيكي، قد تُرجمت إلى أكثر من عشرين لغة، وصورت أفلام مبنية على أحداثها.

كانت القاعة المخصصة لأدب الطفل ولإجراء الندوات المتعلقة بهذا النوع من الأدب مكتظة بالحضور، وأغلب هؤلاء من الأطفال الذين هم من اصطحب أمهاتهم.

وكان الضجيج سيد الموقف حتى يُخال أنك تجلس في خلية نحل. ولكن ما أن دخلت موني نيلسن حتى هدأت القاعة، وخيم الصمت للاستماع إليها وقد تواصلت مع قرائها الصغار، فاستمعوا وطرحوا أسئلة تدل على اهتمامهم بإبداعات الكاتبة السويدية.

تحدثت موني نيلسن عن ضرورة تأليف المزيد والمزيد من الكتب المخصصة للطفل، لأن الأطفال لا يقرأون بما فيه الكفاية، خاصة في وقتنا الحالي، شريطة ألا يقتصر محتوى هذه الكتب على المواعظ والنصائح.

كما تطرقت إلى أن مؤلفاتها تثير حفيظة، وأحيانا غضب، الكثيرين في السويد لما تحتويه على نصوص تبدو غير مناسبة للطفل.. فردت بتساؤل: الأطفال يشاهدون كل شيء في السينما وفي الحياة فلماذا الخوف من النص المكتوب؟

وربما تعيد كلمات موني نيلسن إلى الأذهان مقولة في أحد الأفلام الفرنسية.. "الأطفال الآن قادرون على صنع الأطفال".

وواصلت الروائية قائلة إنها قررت التوقف عن الكتابة بعد نشر ثلاثة كتب من سلسلة "تساتسيكي"، فإذا برسائل تصلها من فنلندا والسويد والنرويج تطالبها بكتابة المزيد، بل كان الأطفال يكتبون قصصا من نسج خيالهم، فعدلت عن قرارها وعادت للكتابة وألّفت كتابين.. فكان ذلك بمثابة انطلاقتها الثانية.

تلقت نيلسن العديد من الأسئلة، أغلبها من الأطفال الحاضرين، فسألها أحد الصغار عمّا إذا كان لديها اطلاع على الأدب الروسي، فأجابت بحماس أنها من المعجبين به، وخصت بالذكر ميخائيل بولغاكوف، والشاعر فلاديمير مايكوفسكي.

وفي معرض ردها على سؤال من إحدى الصغيرات المشاركات في الندوة أعربت عن أسفها لشح ترجمات الأعمال الأدبية الروسية المخصصة للطفل إلى اللغة السويدية.. وهنا تجدر الإشارة إلى تكريس أدباء روس كُثر جل إبداعاتهم للطفل.. أمثال أركادي غايدار وكورني تشوكوفسكي وصموئيل مارشاك.

في بداية مسيرتها في أدب الطفل كانت موني نيلسن تحاول الغوص في شخصية الطفل وتضع نفسها مكانه.. تراقب بعيونه وتكتب من خلالها.

لكنها استشعرت في لحظة ما أنها تكتب كشخص بالغ يحاول أن يؤدي دور طفل فكانت تمزق الورق. فقررت ذات يوم أن تلجأ لأحد أبنائها الثلاثة لمساعدتها، فطلبت منه الرسائل التي كان يتلقاها من معجبات.. باعتباره كان "دون جوان" الحي، إلا أنه رفض ذلك، وكان رفضه قاطعاً، حتى تمكنت من إقناعه.. وذلك بشراء هذه الرسائل منه مقابل 100 كرون.

واسترسلت نيلسن وسط ضحك الأطفال.. "عرفت الكثير من الكلمات الجديدة، وفضائح خاصة ونصائح في كيفية تبادل القبلة الفرنسية، كما شعرت بالحرج بعد أن تعرفت على جانب آخر لفتيات الحي عبر ما كنُ يكتبنه في رسائلهن لابني".

تتلقى موني نيلسن رسائل من أطفال تحمل أسئلة ربما تكون نواة لفكرة أو حدث في قصصها. من هذه الأسئلة.. كم أضيع من عمري من وقت في الرمش؟ لماذا الكبار وحدهم من يقرر كيف يكون شكل الشارع؟ كما تلقت ذات يوم رسالة من صديقتين هامتا عشقا بنفس الصبي وطلبتا منها النصيحة.

من ضمن الأسئلة التي تطرح نفسها باستمرار على الروائية السويدية كان السؤال المتعلق باسم بطل قصصها.. "تساتسيكي"، وما إذا كانت له أي صلة بالصلصة اليونانية الشهيرة التي تحمل الاسم نفسه. فردت نيلسن بأن لا علاقة مباشرة بين الصلصة والصبي بطل حكاياتها، مشيرة إلى أنها تعرف الكثير عن اليونان التي كانت تزورها مع والديها في طفولتها للسياحة.

وكانت موني نيلسن قد قالت في حوار صحفي إنها اختارت هذا الاسم لبطل قصصها، لأنها قررت أن تجعله من أب يوناني يعيش مع أمه فقط. وأضافت أنها استوحت قصة "تساتسيكي" من واقعة حقيقية، حين دعا أحد أبنائها إلى المنزل صديقه الذي كان يعيش مع والدته فقط. كان الطفل يبدو تعساً. فألهمتها قصة الطفل الواقعية تأليف قصة خيالية عن طفل يعيش دون أب، ولكنه سعيد وموهوب، وذلك في زمن كانت الصحافة السويدية تعرب فيه عن استيائها إزاء ظاهرة "الأم الوحيدة" لانعكاس ذلك سلبا على سلوك الطفل.

تشغل الطفولة حيزا كبيرا من حياة موني نيلسن، مشيرة إلى أنها تستمتع بقضاء الوقت مع أحفادها، حتى أنها تتنزه مع حفيدتها بعد الخروج من الروضة ثلاث ساعات كاملة، علما أن المنزل لا يبعد أكثر من مئتي متر.

بكل تأكيد نجحت موني نيلسن في أن تبدد مخاوفها بنفسها، إذ قالت في الندوة إنها كانت تتخوف من أن تصبح امرأة مملة عندما يتقدم بها السن. فقد تمكنت الروائية السويدية من دخول قلوب الأطفال وعقولهم في مختلف أرجاء العالم.. وهو ما بدا واضحا في هذه الندوة، التي ما كادت تنتهي حتى انهمك بعضهم بتصفح كتبها.. في انتظار أوتوغراف موني نيلسن.

ملاحظة.. تجدر الإشارة إلى زاوية في الصحافة المكتوبة تحمل عنوان "أدب وقلة أدب" ابتدعها الإعلامي المصري.. الراحل محمود السعدني.. لذا وجب التنويه.

علاء عمر

موافق

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا