مباشر

وداعا بو عدنان

تابعوا RT على
شيعت الكويت أحد أشهر أبنائها الأبرار، الفنان الكبير عبد الحسين عبد الرضا، الذي وافته المنية في أحد مستشفيات العاصمة البريطانية لندن.

وقد اقترن اسم لندن ببطاقة التعريف الأشهر بالفنان وتصريح دخوله إلى وجدان كل عربي مسكون بوجع أمته، ليشاء القدر أن يترجل فارس الفن الخليجي منها، ليخطو أولى خطواته في الخلود الأبدي.. فرحمة الله عليك يا مبدعنا العربي الكبير.

وبكل تأكيد من لم يخرج في الجنازة لوداع الراحل فقد عايشها من خلال شاشة التلفزيون، التي لطالما ظهر عليها الفنان الكبير ليرسم الابتسامة على وجوه مشاهديه ومحبيه. إلا أن ذات الشاشة أبت هذه المرة إلا أن تنقل مراسم دفن عبد الحسين عبد الرضا.. في مشهد مهيب يليق بتاريخه الذي جعله رجلا بحجم دولة.. رجلا بحجم وطن.. رجل بحجم أمة.

حمل الفنان هم وطنه انطلاقا من "الفريج" الصغير إلى عالمه العربي الكبير مرورا بلندن، التي أسدلت الستار على هذا العملاق، الذي سيظل دائما وأبدا ستارا شفافا لن يخفي عطاءه كما كان عبد الحسين عبد الرضا شفافا ومباشرا في تعاطيه مع هموم وطنه الكويت فكان انعكاسا له.. ومن خلاله انعكاسا لهموم وطنه الأكبر من الخليج إلى المحيط.

الممثل والمؤلف والمخرج.. عبد الحسين عبد الرضا الذي فرض نفسه كقيمة وقامة، وواحدا من أعمدة الفن الخليجي والعربي، ولا مبالغة في القول إنه من أعمدة الفن العربي، إذ أن اسمه ربما هو أول اسم يتبادر إلى ذهنك عندما تتحدث عن الفن الكويتي المتألق، وعن الكويت التي وضعها في مكانة متميزة على خارطة الإبداع العربي.

وبفضل عبد الحسين عبد الرضا ظهرت أجيال من الفنانين الكويتيين الذين رأوا فيه مثالا يُحتذى به فاستلهموا تجربته. لم يكن الفنان الراحل يبخل عليهم بالنصح، فأخذ بأيديهم ليقفوا إلى جانبه، ونهلوا من موهبته لينالوا بريقا لامعا من شهرته. وحينما تقف أمام عملاق فإنك ستعمل جاهدا على أن تكبر لتجاريه وتضاهي مستواه قدر المستطاع فتصبح ناقدا لنفسك.

لم يقتصر دور عبد الحسين عبد الرضا على نقل الفن الكويتي إلى المشاهد العربي وإنما اللهجة الكويتية أيضا، علما أن هذه مهمة ليست بالسهلة. فأُذن المشاهد العربي آنذاك لم تألف بعد اللهجة الكويتية، وهي لهجة صعبة مقارنة مع المصرية أو السورية الأوسع انتشارا في المجال الفني.

فقد كان عبد الحسين عبد الرضا عرابا مخلصا للهجة الكويتية، وكان يتعمد استخدام مفردات كويتية خالصة قد لا تسمعها من أفواه غيره من الفنانين في بلده. وتناول الفنان الراحل التباين في اللهجات العربية في مسرحية "باي باي عرب".. بأسلوب السخرية الطيبة فحبب العرب أكثر بلهجة الكويتيين.

كما خاطب الفنان مواطنيه العرب بلهجاتهم في العديد من أعماله الفنية. فمن منا لا يتذكر أوبريت "بساط الفقر" الذي طار بنا محلقا فوق بيتنا العربي الكبير، فأبدع عبد الحسين عبد الرضا كل الإبداع لتراه عراقيا ومصريا ولبنانيا.. عربيا خالصا وبامتياز.

عبد الحسين عبد الرضا ليس مجرد ممثل متقن لأدواره وحسب، فما أكثر هؤلاء.. ولكل منهم جيش من المعجبين الأوفياء. ولكن لعبد الحسين عبد الرضا لونه الخاص الذي يميزه عن غيره حتى بين المتميزين.

هناك في كل عمل شارك فيه الفنان الكبير تجد لمسة بطعم من نوع خاص، هي لمسة عبد الحسين عبد الرضا. وتكاد تدرك يقينا أنها إما ارتجالية وليدة اللحظة، أو من إبداعاته هو وليست من أفكار المخرج أو مؤلف العمل.. وكأنك كنت حاضرا أثناء البروفات التحضيرية حين قالها أول مرة، ولو قالها غيره لما كانت لها تلك النكهة الفريدة، نكهة عبد الحسين عبد الرضا.. أبو عدنان كما يسميه معجبوه تحببا وتوددا.

رحيل عبد الحسين عبد الرضا يعيد كل من اقترب من إبداعاته وشاهد أعماله الهادفة إلى ذاكرته التي ارتبطت بمراحل من حياته، ويتعلق ذلك بشكل خاص بكل من نشأ وترعرع في الكويت.. وكاتب هذه السطور أحد هؤلاء.

في لحظات مؤلمة كهذه تدرك أن حياتك عبارة عن ملف صغير يحتوي على صفحات كبيرة.. تدرك أيضا أن غياب أحد أبطال طفولتك إلى الأبد يدفعك إلى إغلاق هذه الصفحة، ووضع النقطة الأخيرة بدمعة أسى على فراق شخص تشعر وكأنك تعرفه شخصيا.. وأنت تعرفه شخصيا فعلا.

ولكنها دمعة حزن وأسى على نفسك أيضا لأن القدر حرمك من إحساس كان يرافقك حتى وقت قريب، وهو أن هذا الإنسان كان حتى لحظات - لا يزال صداها يتردد في كيانك - جزءا من حاضرك، فإذا به يصبح في ماضيك. وبعد أن كانت تلك الصفحة مشرقة بكل ألوان الطيف ودرجاتها، تراها وهي تتحول بلمح البصر إلى صفحة باللونين الأبيض والأسود.. فتحمد الله على نعمة الـ "يوتيوب".

"من عاش بالحيلة مات بالفقر". واحدة من العبارات والأمثال التي استشهد بها الفنان الراحل في أعماله الفنية، وقالها في أحد أهم الإبداعات الكوميدية العربية، مسرحية "على هامان يا فرعون".

عبد الحسين عبد الرضا عاش صادقا ومات غنيا مخلّفا ثروة هي ثروته الحقيقية.. حب الناس المتقد في الكويت وخارجها. وكما يقول المثل العربي "من خلّف ما مات". وقد ترك عبد الحسين عبد الرضا وراءه أمة تخلّد ذكراه وتدعو له بالرحمة.. وليس لي هنا إلا أن أذكّر بما قالته النائب في مجلس الأمة الكويتي صفاء الهاشم.. "يا بخت عينك على كل هالحب".. فرحمة الله عليك يا بو عدنان.

علاء عمر

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا