بعد رفض أكبر الشركات الغربية، على نحو استعراضي، التيتانيوم الروسي، ظلت تشتري منه بهدوء ما قيمته مئات الملايين من الدولارات، بينما قال المستوردون إن المخزونات الصلبة والمنتجين البديلين يساعدونهم. الآن، يخشى هؤلاء من نقص المواد الخام الحيوية والتهديدات التي تواجه صناعات الدفاع والفضاء والطيران إذا ما توقفت إمدادات التيتانيوم فعليا.
ولم يتم إدراج شركة VSMPO-Avisma الروسية في القوائم السوداء الغربية، برغم أن شركة Rostec الخاضعة للعقوبات الغربية ضد روسيا من بين مالكيها. وفي مواجهة أكبر منتج للتيتانيوم بدورة كاملة (من المواد الخام إلى المنتج المصنع)، فرض الأمريكيون ضوابط للتصدير فقط، والتي لا تحظر الواردات. مع ذلك، وعد مصنعو الطائرات بعدم شراء المنتجات الروسية.
من جانبها ذكرت شركة "إيرباص" مرة أخرى، ديسمبر 2022، أنها سترفض "الإمدادات لعدة أشهر"، فيما قال مدير شركة "إيرباص للدفاع والفضاء" مايكل شيلهورن: "نحن بصدد الابتعاد عن روسيا".
كذلك أكدت "بوينغ"، مارس 2022، أن "هناك احتياطيات كبيرة"، تشكلت، من بين أمور أخرى، بفضل إنشاء مجموعة من الموردين حول العالم، لهذا فستستغني الشركة عن التيتانيوم الروسي.
إلا أن المحليين، مع هذا، قالوا إن التعاون مع موسكو "يتم استعادته فعليا بهدوء" على ما يبدو. تلك حقيقة.
وكما ذكرت صحيفة "واشنطن بوست"، فإن الغرب واصل طوال هذا الوقت شراء التيتانيوم من روسيا، وبحسب الصحيفة، فإن شركة VSMPO-Avisma، التي لم تخضع للعقوبات، باعت 15 ألف طن بقيمة 370 مليون دولار في عام 2022، معظمها إلى المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة.
واتضح أن جميع الموردين الرئيسيين لعمالقة تصنيع الطائرات اشتروا التيتانيوم الروسي. فقد قامت مجموعة الطيران الفرنسية "سافران" Safran، التي تنتج الهياكل، بما في ذلك لطائرات "بوينغ"، بزيادة وارداتها من التيتانيوم إلى 20 مليون دولار في عام 2022، بعد أن كانت 8.6 مليونا في 2021. وأعلنت شركة "رولز رويس" البريطانية، التي تنتج محركات لإيرباص وبوينغ، وقف الواردات في ربيع عام 2022، ونتيجة لذلك، فقد اشتروا بـ 6.7 مليون دولار أكثر من العام السابق.
ويأتي التيتانيوم "رسميا" من دول أخرى، بما في ذلك اليابان والصين وكازاخستان، لكن من الواضح أن هذا ليس كافيا. حيث يقول الخبير الصناعي المستقل ليونيد خازانوف أن مصنع "أوست-كامينوغورسك" في كازاخستان ينتج صفائح وسبائك وألواح التيتانيوم، بينما تنتج VSMPO-Avisma مسطحات طويلة وأنابين وأختام من المادة الخام. كما أن لدى شركة Toho Titanium اليابانية وشركة Osaka Titanium خطوط إنتاج أوسع من مصنع "أوست-كامينوغورسك"، ولكن من حيث عدد مواقع منتجات التيتانيوم شبه المصنعة، فكل هذا الإنتاج "أقل شأنا من الشركة الروسية" وفقا للخبير.
كذلك لا يعد الشراء من شركات التعدين الصينية خيارا، نظرا للسياسة الخارجية المعقدة والعلاقات الاقتصادية بين الغرب وجمهورية الصين الشعبية.
ويشير الخبير الاقتصادي خازانوف إلى أنه "إذا أعطت الحكومة في الولايات المتحدة الضوء الأخضر لاستيراد كميات كبيرة من التيتانيوم من الصين، فإن صناعة الطائرات والمجمع الصناعي العسكري سوف يصبحان مدمنين عليها".
لهذا فقد أصبح هناك خيارات قليلة: "التهام" الاحتياطيات، ومحاولة البحث عن التيتانيوم في أسواق بديلة. وبالتوازي الحصول بهدوء على المنتج الروسي.
وتظهر المشتريات أن الغرب لا يزال يعتمد على موسكو في بعض السلع، على الرغم من التأكيدات بقطع العلاقات الاقتصادية، حسبما ذكرت صحيفة "واشنطن بوست"، حيث نقلت الصحيفة عن المحلل في شركة المراقبة الأمريكية Import Genius ويليام جورج قوله "يمكن لروسيا أن تقطع إمدادات التيتانيوم، وحينها ستجد الشركات ذات الأهمية البالغة للدفاع الوطني والطيران المدني نفسه في وضع صعب".
هناك حقا ما يدعو للقلق.
ويتابع الخبير: "سيكون ذلك بمثابة ضربة تحت الحزام: سترتفع أسعار التيتانيوم، وبعدها سيتعين علينا بالتأكيد أن ننحني للصينيين، الذين لن يتوانوا عن استغلال الموقف مع العملاء الغربيين الذين أصبحوا رهائن للألعاب السياسية للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي".
في هذه الحالة، وفقا لمؤسس شركة SharesPro الاستثمارية دينيس أستافييف، ستنشأ مشكلات في صناعات الطيران والدفاع في "البلدان غير الصديقة"، حتى إغلاق الشركات. وتوضح تجربة السنوات الأخيرة أننا نستخدم بمهارة "ذراع المواد الخام" كأداة ليس فقط "لتحقيق استقرار الروبل، ولكن أيضا للتأثير على العمليات الجيوسياسية المختلفة".
وقد علّقت شركة "بوينغ"، على سبيل المثال، إنتاج طراز 737MAX، لأسباب من بينها صعوبات متعلقة بالمواد الخام. وسوف يتفاقم الوضع أيضا بسبب حقيقة أن الطلب على التيتانيوم سيزداد، حيث يتوقع محللو Roscongress أنه بحلول عام 2026 ستنمو السوق إلى 6.1 مليار سنويا، بينما تعتمد "إيرباص" على المواد الخام الروسية بنسبة 60%، و"بوينغ" بنسبة 35%. بالتالي فإن وقف الإمدادات الروسية من شأنه أن يوجه ضربة مزدوجة للغرب.
المصدر: نوفوستي