جاء ذلك في مقال لساكس في صحيفة "كاثيميريني" اليونانية، والتي تعد واحدة من أكثر الصحف المعادية لروسيا في اليونان، حيث تابع الخبير الاقتصادي أن خطة المحافظين الجدد لتطويق "الناتو" لروسيا في منطقة البحر الأسود "قد فشلت، وسوف يكون للقرارات التي ستتخذها الولايات المتحدة وروسيا الآن أهمية كبيرة للسلام والأمن والرخاء في العالم أجمع".
وكتب ساكس، الذي يشغل منصب أستاذ ومدير مركز التنمية المستدامة بجامعة كولومبيا ورئيس شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة: "كانت هناك 4 أحداث حطمت آمال المحافظين الجدد في توسع حلف (الناتو) شرقا نحو أوكرانيا وجورجيا وما وراءهما. الأول واضح، حيث تعرضت أوكرانيا للدمار في ساحة المعركة، مع وقوع خسائر مأساوية ومرعبة. روسيا تنتصر في حرب الاستنزاف، وهو ما كان متوقعا منذ البداية، إلا أن المحافظين الجدد ووسائل الإعلام الرئيسية ينكرون ذلك حتى يومنا هذا".
وتابع جيفري ساكس: "الحدث الثاني هو تراجع الدعم الأوروبي لاستراتيجية المحافظين الجدد في الولايات المتحدة، حيث لم تعد بولندا تجري محادثات مع أوكرانيا. ولطالما عارضت هنغاريا المحافظين الجدد، وانتخبت سلوفاكيا حكومة مناهضة للمحافظين الجدد. وأصبح زعماء الاتحاد الأوروبي (ماكرون وميلوني وسانشيز وشولتس وسوناك وغيرهم) يعانون من معدلات رفض أعلى بكثير من معدلات التأييد".
الحدث الثالث هو قطع الدعم الاقتصادي الأمريكي لأوكرانيا، حيث تعارض قاعدة الحزب الجمهوري وعدد من المرشحين الرئاسيين الجمهوريين وعدد متزايد من الأعضاء الجمهوريين في الكونغرس زيادة الإنفاق على أوكرانيا.
والحدث الرابع، وفقا لساكس، وهو الملح من وجهة النظر الأوكرانية، يتمثل في "الهجوم الروسي المحتمل، وسقوط مئات الآلاف من الضحايا في أوكرانيا، بعد أن استنفدت المدفعية والدفاعات الجوية والدبابات وغيرها من الأسلحة الثقيلة، حيث من الممكن أن تشرع روسيا في شن هجوم واسع النطاق".
وأشار ساكس إلى أن أوكرانيا معرضة لخطر الانهيار الاقتصادي والديموغرافي والعسكري، فيما تحتاج الولايات المتحدة بشكل ملح إلى تغيير المسار، حيث يتعين على الرئيس بايدن أن يبلغ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن الولايات المتحدة ستنهي توسع "الناتو" شرقا، إذا توصل البلدان إلى اتفاق جديد بشأن الترتيبات الأمنية.
وأكد ساكس على ضرورة أن يوافق بايدن على التفاوض على ترتيب أمني مماثل، وإن لم يكن في جميع التفاصيل، لمقترحات بوتين في 17 ديسمبر 2021، حيث كان "من الحماقة"، على حد تعبير ساكس، أن يرفض بايدن التفاوض مع بايدن آنذاك. والآن "حان الوقت للقيام بذلك".
ويرى ساكس أن هناك 4 عناصر أساسية للتوصل إلى اتفاق:
أولا، الموافقة على عدم تمدد "الناتو" شرقا، ولكن دون إلغاء التوسع السابق، حيث لن يتسامح الحلف مع التدخلات الروسية في دول الحلف الحالية.
ثانيا، أن يشمل الاتفاق الجديد الأسلحة النووية. بما في ذلك انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من جانب واحد من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية عام 2002، ونشر صواريخ "إيجيس" في بولندا ورومانيا، وانسحاب الولايات المتحدة من جانب واحد من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى عام 2019، وتعليق المعاهدة، وكذلك معاهدة "ستارت 2".
ثالثا، يتعين على روسيا وأوكرانيا أن تتفقا على حدود جديدة، مع بقاء شبه جزيرة القرم ذات الأغلبية العرقية الروسية والمناطق ذات الأغلبية العرقية الروسية في شرق أوكرانيا جزءا من روسيا. وستكون التغييرات الحدودية مصحوبة بضمانات أمنية لأوكرانيا، بدعم بالإجماع من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ودول مثل ألمانيا وتركيا والهند.
رابعا، استعادة العلاقات التجارية والاقتصادية والثقافية والسياحية ما بين روسيا والاتحاد الأوروبي، حيث حان الوقت مرة أخرى للاستماع إلى رخمانينوف وتشايكوفسكي في قاعات الحفلات الموسيقية بالولايات المتحدة وأوروبا.
وأشار جيفري ساكس إلى ان المحافظين الجدد في الولايات المتحدة يتحملون قدرا كبيرا من المسؤولية عن تقويض حدود أوكرانيا لعام 1991، حيث لم تطالب روسيا بشبه جزيرة القرم إلا بعد الإطاحة بالرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية عام 2014. ولم تضم روسيا منطقة دونباس بعد عام 2014، ودعت أوكرانيا إلى احترام اتفاقيات "مينسك-2"، التي تبنتها الأمم المتحدة، ووعدت بالحكم الذاتي لدونباس. وقد فضل المحافظون الجدد تسليح أوكرانيا لاستعادة السيطرة على دونباس بالقوة بدلا من منحها حكما ذاتيا.
وختم ساكس مقاله بأن "مفتاح السلام طويل الأمد في أوروبا هو الأمن الجماعي، كما تطالب به منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. ووفقا لاتفاقيات المنظمة، فإن الدول الأعضاء لا يجوز لهم تعزيز أمنهم على حساب أمن الدول الأخرى".
المصدر: كاثيميريني