وفي خطوة غير مسبوقة في تاريخ دول الاتحاد السوفيتي السابق، قررت السلطات الكازاخية عام 1994 نقل العاصمة من مدينة ألماتا الجنوبية، التي كانت تحمل هذه الصفة منذ العام 1929، إلى مدينة أقمولا وسط البلاد.
وكان السبب الرسمي وراء هذه الخطوة موقع ألماتا الجغرافي على طرف البلاد، في منطقة مهددة بخطر الزلازل والمشاكل البيئية إضافة إلى استنفادها الطاقات على مواصلة النمو.
لكن الأسباب الحقيقية حسب مراقبين، تلخصت في المسعى لتحقيق توازن ديموغرافي قومي أنسب، وتشجيع الهجرة من مناطق جنوبية ذات أيد عاملة زائدة، نحو مدن الشمال المتطورة صناعيا، وإشراك السكان الكازاخ في القطاع الزراعي والصناعي في مناطق وسط وشمال البلاد ذات النسبة الكبيرة من الناطقين باللغة الروسية.
من هذا المنظار، جاء نقل العاصمة إلى أقمولا كأحد الإجراءات الهادفة إلى تعزيز وحدة البلاد والحيلولة دون تنامي النزعات الانفصالية، التي كانت بوادرها تلوح في الأفق في بداية التسعينات.
كما كانت هناك اعتبارات جيوسياسية وراء هذا القرار، تمثلت في قرب ألماتا من الحدود مع الصين، ما يجعلها معرضة للخطر في حال اندلاع أي نزاع، خاصة وأن العلاقات بين البلدين شهدت خلافات حدودية حتى تسويتها عبر اتفاق عام 1998، إضافة إلى خلافات أخرى تتعلق باقتسام الموارد المائية.
ونقلت العاصمة رسميا في ديسمبر عام 1997، قبل أن يتغير اسم المدينة من أقمولا ("القدس الأبيض" أو "الوفرة البيضاء") إلى أستانا ("العاصمة")، التي أخذت تتطور بشكل سريع استجابة لمتطلبات مقامها الجديد وأصبحت ثانية أكبر مدينة في البلاد (بعد "العاصمة الجنوبية" ألماتا) وتجاوز عدد سكانها المليون نسمة عام 2017.
وفي السنوات الأخيرة اشتهرت أستانا عالميا بشكل خاص لدورها في جهود تسوية الأزمة السورية، حيث استضافت المدينة منذ 2017 عدة جولات من المفاوضات بين الأطراف السورية برعاية الثلاثي روسيا تركيا إيران، في صيغة أثبتت أنها الأنجح في مساعي التسوية حتى اللحظة، كونها ساهمت في تحقيق الهدوء والأمان النسبيين على الأقل في معظم الأراضي السورية.
والآن، ومع اختفاء اسم أستانا من الخريطة الجغرافية، تبقى الآمال معقودة على أن يستمر إرثها السياسي والدبلوماسي في الإثمار من أجل تقريب موعد سوريا مع السلام المنشود.
المصدر: RT