ونأت بطريركية موسكو للكنيسة الأرثوذكسية بنفسها عن هذا الجدل الذي يخبو حينا ويشتعل أحيانا منذ انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، حتى أن القسم المختص بعلاقات الكنيسة مع المجتمع ووسائل الإعلام، رفض التعليق على دعوة الكنيسة الروسية الأرثوذكسية في الخارج لإخراج جثة لينين من ضريحه في الساحة الحمراء ودفنها في مقبرةٍ عادية وفق الطقوس المسيحيةَ.
وأصدر سينودس أساقفة الكنيسة الروسية الأرثوذكسية في الخارج يوم الأحد بيانا قال فيه إن "المصالحة الروسية مع الرب" يمكن أن تكون بتحرير الساحة الحمراء من رفات شخص يعتبر "المضطهد والمعذب الرئيسي في القرن العشرين وهدم النصب التذكاري المقام له" و"نزع اسمه عن جميع المدن والمناطق والشوارع التي لا تزال محرومة من الأسماء التاريخية". وتمت قراءة نص هذا البيان أمام رعايا هذه الكنيسة مرات عديدة خلال قداس كل يوم أحد.
غير أن الكنيسة الروسية الأم في الداخل نأت بنفسها ورفضت التعليق، وقال متحدث باسمها "لن نعلق على ذلك ... لأنه رسالة موجهة إلى العالم الخارجي، وليس إلى داخل الكنيسة وبالتالي لا معنى للتعليق ..".
وفي وقت سابق، أشار رئيس قسم السينودس للعلاقات بين الكنيسة مع المجتمع ووسائل الإعلام في بطريركية موسكو، فلاديمير ليغويدا، إلى أن قضية مستقبل ضريح لينين ليست "مسألة أنية ملحة" في الوقت الراهن، وأنه "سيتم حلها في الوقت المناسب وبطريقة طبيعية ومريحة". ووفقا له، فمن الضروري "الانتظار قليلا".
يذكر أن جثمان لينين تم تحنيطه يوم وفاته في 21 يناير/كانون الثاني عام 1924. ويقول العلماء إن الجثمان المحنط يمكن أن يحافظ على شكله الحالي، بفضل العناية المستمرة، على مدى مئات الأعوام القادمة.
ويتجدد في المجتمع الروسي دوريا النقاش حول جدوى إعادة دفن جسد لينين وتحويل ضريحه إلى متحف، وهو الأمر الذي يدعو له ممثلو مختلف الطوائف الدينية في البلاد، ويعارضه بشدة الحزب الشيوعي الذي يعتبر ثاني أكبر قوة سياسية في البلاد، بعد "حزب روسيا الموحدة".
ومع أن استطلاعات الرأي السابقة في روسيا كانت قد أظهرت عام 2014 أن أكثر من 61% من المواطنين يرون ضرورة دفن الجثة المحنطة للزعيم البلشفي لينين، إلا أن هذه النسبة تراجعت في السنوات الأخيرة كثيرا لأن المواطنين باتوا يعتبرونها مسألة ثانوية لا تقدم و لا تؤخر في حلّ المشكلات التي تواجهها البلاد .
ويعارض 33% من الروس على الأقل دفن جثة الزعيم السوفيتي الأبرز، في وقت يرى فيه أكثر من نصف المواطنين أن لينين كان شخصا جيدا ولعب دورا إيجابيا، واعتبر 42% أنه جلب فائدة كبيرة للبلاد، إلا أن 12% من المستطلعة آراؤهم يرون أن أفكاره أضرّت بروسيا.
من الجدير بالذكر أن مسألة نقل ودفن جثمان الزعيم السوفيتي لينين المحنط والموجود في ضريح خاص وسط الساحة الحمراء بموسكو، تطرح كل سنة قبيل الذكرى السنوية لميلاد زعيم الثورة البلشفية في 22 أبريل/ نيسان.
وتعتبر الكنيسة الأرثوذكسية الروسية عرض جثة الإنسان الميت عملا لا إنسانيا، لكنها في الوقت ذاته لا تدعو بشكل مباشر إلى ضرورة دفن جثة لينين المحنطة، خشية إثارة الفتنة.
أما الرئيس فلاديمير بوتين فيتخذ موقفا رصينا من هذا الأمر، فحين سئل متى سيتمُ نَـقْـلُ جثمانِ لينين من الساحة الحمراء؟ ردّ قائلا: أرجو أن تجيبَـني بصراحة هل كان كرومويل أفضلُ أم أسوأ من لينين وستالين؟ وأضاف: أن تمثال كرومويل لا يزال قائما في بريطانيا. لهذا يجب أن لا نتسرع فلكل أمر وقتُه المناسب.
وبوتين محق تماما. ذلك أنَّ في بريطانيا اليوم عددا من التماثيل الضخمة لكرومويل الذي فجر الثورة الأولى في البلاد وأمر بإعدام الملك كارل الأول.
كبار المسؤولين في الحزب الحاكم حزب "روسيا الموحدة" لا يجاهرون بمواقفهم حول هذه القضية. ولهذا افتتح الحزب تصويتا في موقعه على الإنترنت دعا المواطنين لمساعدته في بلورة قرار حول هذه القضية الشائكة.
أما استطلاعات الرأي التي أجريت في فترات سابقة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي حول القضية نفسها، فإنها تشير إلى أن نسبة من يعارضون إعادة دفن لينين تتناقص من استطلاع لآخر. ويتوقع المراقبون أن تصل نسبة الذين يعارضون إبعاد الجثمان عن الساحة الحمراء إلى حدودها الدنيا في غضون السنوات القليلة القادمة.
ويرى زعيم الحزب الشيوعي الروسي غينادي زيوغانوف أن نتائج الاستطلاعات مفبركة ومعدة سلفا ويعتبر أن مجرد تنظيم استطلاع للرأي حول هذه المسألة يدل على افتقار المنظمين إلى أبسط مبادئ الأخلاق والضمير. ويقول رئيس مركز القيادات السياسية في روسيا أليكسي تشيسناكوف: "إن هذه القضية لا تزال تشكل مصدر قلق للمواطنين وخير دليل على ذلك هو اضطرار الحزب الحاكم لتنظيم استطلاع خاص به بشأنها.
النقاش حول إعادة دفن جثمان الزعيم الشيوعي العالمي فتح باب التباحث في قضايا أخرى، فقد بدأت النقاشات تدور حول نبش قبور القادة السوفيت الآخرين من الساحة الحمراء وإخراج الزجاجات التي تضم رماد رفاة القادة العسكريين البارزين، التي وضعت في حائط الكرملين تكريما لمآثرهم وإعادة دفنها في المقبرة العسكرية الفديرالية التذكارية، التي كان من المقرر الانتهاء من بنائها بحلول الذكرى الستين للنصر على النازية ومن ثم بحلول الذكرى الخامسة والستين ولكن ذلك لم يحدث في حينه.
بعد أشهر قليلة تحل الذكرى المئوية الأولى لثورة أوكتوبر العظمى الذي قادها لينين عام 1917، لكن ومع أنه تمّ الانقضاض على الثورة ومبادئها ورجالاتها ودولتها، إلا أن الكثير من انجازاتها ما زال ماثلا للعيان، حتى وإن اختلف الناس حول مصير جثمان قائدها الراقد في الساحة الحمراء، إلا أن لينين في ضريحه لا يبدو أنه يعير كثيرا اهتماما لمن يتجادلون حول دفنه من عدمه.
المصدر: RT
سعيد طانيوس