ظهرت فكرة إنشاء مترو الأنفاق بمدينة موسكو في ثمانينات القرن التاسع عشر، ولكنها لم تنفذ بسبب عدم وجود المستثمرين ومن ثم بسبب الحرب العالمية الأولى والحرب الأهلية التي اندلعت بعد ثورة اكتوبر عام 1917. ولكن هذه الفكرة بقيت في أذهان المهندسين الروس وبدأوا في تحقيقها في النصف الثاني من عشرينيات القرن العشرين. وفي عام 1935 افتتح أو خط لمترو الأنفاق، كان عمق بعض أجزائه يصل إلى 70 مترا تحت سطح الأرض.
تعتبر محطات مترو موسكو متحفا ضخما لفن العمارة يجمع بين الماضي والحاضر، حيث تعرض فيها تماثيل مختلفة ولوحات فنية يمكن من خلالها التعرف على تاريخ روسيا.
والشيء المثير للاهتمام أن مترو موسكو لم يتوقف عن العمل منذ افتتاحه وحتى يومنا هذا، حتى في أيام الحرب العالمية الثانية، عندما كانت السلطات السوفيتية على وشك إصدار قرار بتفجيره في حال استيلاء الجيش الألماني على موسكو، ولكن هذا لم يحصل.
ويتميز مترو موسكو منذ افتتاحه في 15 مايو 1935 وحتى اليوم، بكونه واسطة النقل الرئيسة في المدينة. وبالإضافة إلى ذلك يتوسع المترو وتزداد محطاته سنة بعد أخرى مع تحديث عرباته لتصبح مريحة أكثر وأقل ضوضاء.
بدأت عمليات الحفر وإنشاء الأنفاق تحت الأرض ببطء لعدم وجود كوادر مؤهلة والمعدات الآلية اللازمة لتنفيذ العمل. لذلك أضطرت السلطات إلى الاستعانة بخبراء أجانب، وأثر ذلك ظهر في موسكو ما كان يطلق عليه اسم "فوج الأنفاق الانجليزي"، حيث تمكنت السلطات السوفيتية من تشكيل "فوج" مشابه له، ما أدى إلى تسارع العمل، الذي تكلل بتحرك أو قطار تحت الأرض في 15 أكتوبر عام 1934 . وبعد أقل من عام افتتحت 13 محطة مترو في الخط الأحمر من بينها محطات "مكتبة لينين" و"كمسمولسكايا" و"متنزه الثقافة".
وبعد ذلك بدأت المرحلة الثانية من مشروع إنشاء مترو موسكو التي أنجزت في عام 1938، حيث تميزت محطاتها بالهيبة والوقار ومحاكاة روائع الفن المعماري، حتى أن تصميم محطة مترو "مايكوفسكايا" حصل عام 1939 على الجائزة الكبرى في معرض نيويورك الدولي.
وبعد اندلاع الحرب العالمية الثانية استخدم المترو كمأوى من الغارات الجوية والقذائف الألمانية، حيث كان يستقبل خلال الغارات الجوية حوالي نصف مليون شخص. وقد أصبحت الحياة تحت الأرض أمراً مألوفاً، حيث افتتحت المتاجر وصالونات الحلاقة ومكتبات ومستشفيات وقاعات للاجتماعات. وتشير الإحصاءات إلى أنه خلال الغارات على موسكو ولد في المترو 217 طفلاً. كما كانت هناك أقسام تابعة لهيئة الأركان العامة في المترو تحت الأرض، وكانت المسارات مسيجة، ولأسباب أمنية لم تتوقف القطارات في جميع المحطات خلال أيام الحرب.
وبعد انتهاء الحرب قررت االسلطات السوفيتية في خمسينيات القرن الماضي إلغاء مظاهر البذخ في تصميم محطات المترو الجديدة لتقليل تكاليف الإنشاء. لذلك تبدو هذه المحطات أبسط من سابقتها. واستمرت هذه الحالة حتى عام 1970 ، بعدها ظهرت محطات جديدة فيها أعمدة في صفين متقابلين ولكنها لم تختلف كثيرا عن بعضها البعض سوى بلون البلاط المستخدم في تغليفها من الداخل وبعض التفاصيل الهندسية البسيطة.
وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي انخفض تمويل إنشاء محطات المترو ما أضطرت إدارته إلى السماح في عرض الإعلانات التجارية في محطات وعربات المترو بهدف جمع الأموال اللازمة لتوسيع خطوطه ومحطاته، ولكن ذلك لم يحقق الهدف المنشود تماما.
ولكن مع بداية القرن الواحد والعشرين بدأ العمل على وضع تصاميم جديدة واستخدام ابتكارات حديثة لتحسين الإضاءة واستخدام تقنيات رقمية وقاطرات وعربات مريحة. وبالطبع رافق ذلك ارتفاع سعر تذكرة الركوب، وتغيرت طريقة الدفع عدة مرات، وكذلك طريقة الدخول إلى محطات المترو ولاحقا، تم الاستغناء عن قطع النقود المعدنية، واستبدالها ببطاقات بلاستيكية أقل كلفة، إلى جانب إمكانية استخدام برنامج خاص في الهواتف الذكية لدفع رسوم الرحلة.
وتجدر الإشارة إلى أن ازدياد عدد سكان موسكو أدى بالطبع إلى زيادة عدد مستخدمي المترو، ما تطلب إنشاء محطات وخطوط جديدة تربط الأحياء السكنية الجديدة التي ظهرت في ضواحي المدينة بمركز المدينة ومناطقها الأخرى.
ويبلغ عدد محطات المترو في العاصمة الروسية أكثر من 270 محطة، مرتبطة بشبكة أنفاق طولها حوالي 500 كيلومتراً، تسمح للركاب بالانتقال بسرعة من أحد طرفي العاصمة إلى الطرف الآخر دون مشكلة ودون ازدحام مروري.
كما تستخدم في المترو أكثر من 6 آلاف عربة قطار وفيه حوالي 4 آلاف باب دوار و حوالي 6 آلاف إشارة مرور وأكثر من 900 سلم متحرك وأكثر من 17 ألف كاميرا مراقبة.
ووفقا للخطة المعتمدة سيتم خلال الفترة إلى عام 2027 افتتاح 25 محطة جديدة وخطوط يبلغ إجمالي طولها 58 كيلومترا.
المصدر: وكالات روسية