حديث يفغيني بريماكوف رئيس مجلس الوزراء الاسبق والدبلوماسي المعروف على الساحة الدولية والعالم العربي بشكل خاص ورئيس غرفة الصناعة والتجارة الروسية لقناة روسيا اليوم حول غزو العراق...
- يفغيني مكسيموفيتش، مرت خمس سنوات على بداية حرب العراق، والجميع اليوم يقارنون مرحلة ما بعد الحرب وما بعدها، ما هي حصيلة السلبيات والايجابيات الاساسية في هذه الحرب التي تكونت خلال السنوات الماضية؟
- لا يمكن ان يدور حديث عن نتائج ايجابية، انا اعتقد وبشكل قاطع ان العملية العسكرية ضد العراق ليست الا خطيئة تاريخية فظيعة، فهي العملية الاولى التي نفذت دون موافقة الامم المتحدة وبهذا المستوى، فقبل ذلك كانت هناك عمليات دون موافقة الامم المتحدة: كقصف يوغوسلافيا، ولكن بهذا المستوى وباستخدام القوات الارضية وغيرها لم يكن.
وعلى فكرة هذه العملية لم تساند من قبل حلفاء امريكا المقربين واعني المانيا وفرنسا وكذلك بلجيكا وغيرها، لذلك لا يمكن الحديث عن الجهة الايجابية لهذه العملية وخاصة اذا نظرنا الى نتائجها، لكنني اريد ان اقف عند بعض النقاط:
أولا يدور الحديث الآن هل هناك حرب اهلية في العراق ام ان ما يجري ليس حربا اهلية... نعم تدور في العراق حرب اهلية، ومنذ وقت طويل ونزاعات كهذه وصدامات ما بين الشيعة والسنة والصراعات الطائفية جديدة في العراق، فانا لم ارى مثلها في الفترة الاخيرة ولنقل على مدى 100 عام وبل لم يرها احد، والآن لا نهاية لمثل هذه النزاعات. فالعراق الآن يعوم بالتسييب والفوضى، والعراق اليوم على قيد شعرة من القسيم والتجزئة ويبحث الآن بشكل مكثف مصطنع موضوع "من سيسيطر على الجزء الغني بالنفط من العراق؟" وهذا ما يزيد التوتر فانا على ثقة بان هذا الموضوع سيعزز الصراع والنزاعات وما الى ذلك.
يريدون ان يضعوا نظاما فيدراليا ولكن الحكم الذاتي كان موجودا في العراق منذ زمن، منذ ايام صدام حسين حيث اوجد حكماً ذاتيا في شمال العراق للاكراد واعتقد ان كل هذا سيأتي للشيعة بنتائج مؤلمة: فماذا عن السنة؟ وعن تقسيم العراق بحواجز مصطنعة؟ وماذا سيصير ببغداد مثلاً اذا صار للشيعة حكم ذاتي في الجنوب لنقل في البصرة؟ ومن ثم العراق كان دائماً وخاصة في السنوات الماضية واثناء النظام السابق كان دولة مدنية، والآن يصعب القول الام سيصير اليه به الحال والسبب ليس في زيادة النفوذ الاسلامي بل ان اي دولة غير مدنية مهما كانت الديانة السائدة فيها ان تحولت الى دينية تكون قد خطت للوراء وتراجعت بالمفهوم الديمقراطي. واليوم في العراق تحولت جميع الاحزاب الى احزاب دينية وليس هناك من حزب جامع لكل الفئات الدينية والشعبية على غرار حزب البعث مثلا.
انا لا ابرر النظام السابق فقد كان له اخطاءه، بل وتلطخ بجرائم عديدة ولكن الواقع يبقى واقعاً واضحاً فما حدث في العراق بعد ذلك اسوء بمرات عديدة مما كان عليه العراق من قبل.. نعم اسوء بكثير.
وهنا لا يستطيع احد ان ينفي ذلك فالضحايا مثلاً كما نشر في تقرير الصليب الاحمر منذ فترة قصيرة 4000 قتيل امريكي و25 الف جريح، هذا ما يعلمه الجميع، فقد نشرت هذه الارقام الولايات المتحدة وهناك ايضا عدة مئات قتلوا من حلفائها هذا من جهة، وكم قتل من المواطنين المسالمين.. يذكر الصليب الاحمر بتقريره 150 الف، وانا اعتقد ان هذا الرقم غير صحيح، فالاعداد اكبر بكثير اذ نسمع عملياً كل يوم عن ضحايا كثر وهكذا تواليك كل يوم.. ثم كيف نتحدث بعد ذلك عن المنطقة بشكل عام فقد تغير ميزان القوى فيها وهذا يخل بالاستقرار ولا يساعد على السلم لان قوى التوازن هذ اختلت بالنسبة لبعض الدول الاخرى الموجودة في هذه المنطقة، ولكن هذه الاسباب لا اعتقد اننا يمكن ان نتحدث عن نتائج ايجابية حتى ولو جزئياً بهذا الموضوع.
- يفغيني مكسيموفيتش، انتم الشخصية السياسية الأخيرة التي قابل صدام حسين قبل بداية الحرب، لماذا لم يصدق بامكانية اسقاطه من قبل الامريكيين؟
- هناك عدة اسباب لذلك، فبالدرجة الاولى انا كنت مبعوثاً من الرئيس بوتين الذي كلفني شفهيا بان اطلب منه التخلي عن الحكم وكان هذا قبل الهجوم الامريكي، وانا اعتقد انه صعب على امريكا ان تجتاح العراق وكان الاجتياح اقل احتمالا لو ان صدام قبل منا اقتراحنا. ولكنه لم يقبل واظن انه لم يعتقد حتى اللحظة الاخيرة ان امريكا ستقدم على عملية زحف ارضي واسعة النطاق. لم لم يعتقد؟ لان امريكا اوحت له ومن الممكن ان يكون ذلك بشكل غير مباشر اوحت له انها بحاجته للحفاظ على ميزان القوى امام ايران، وكان يعتقد ان امريكا بحاجة لنظامه فهي ساعدته اثناء الحرب ضد ايران، وظن ان ما حدث ايام بوش الاكبر سيتكرر، اذ لم تقدم الولايات المتحدة حينها على الهجوم على بغداد ولم تحاول الاطاحة بنظامه. وانا لا استبعد من جهة اخرى انهم اخبروه من هلال اعوانه ان الاحداث لن تمسه، والآن قليل من يذكر انه اعلن اسيرا عسكريا عندما تم القبض عليه، وماذا يحمل مفهوم الاسير العسكري؟ الاسير العسكري لا يحاكم ويبقى عند الامريكيين، هناك ثوابت اخرى تؤكد هذه الفكرة اي الاحتمال الذي اخبركم عنه ولكن ما حدث غير ذلك.. نعم غير ذلك.. لقد اعدموه.
- انتم ذكرتم قبل قليل بان المحيطين بصدام حسين، او بعضاً منهم، حاول اقناعه بانه لن يكون مستهدفاً بشكل مباشر وبان الامور ربما ستسير بشكل آخر، برأيكم ما هي الحسابات التي استند اليها صدام حسين نفسه؟
- في الحقيقة هذه ليست عملية حسابية، لنقول ما هي النسبة 5% او 10% او غير ذلك، لن يقول لكم احد هذا، ولكن يمكنني ان اقول لكم ان اسئلة كثيرة بقيت بدون اجوبة واحدها مثلا – لماذا لم يقصفوا الجسور التي عبرت عليها الدبابات الامريكية الى بغداد؟ ومن اعطى الامر للحر الجمهوري بوقف اطلاق النار؟ والحرس الجمهوري كان بكامل القدرة على الحرب؟ واسئلة اخرى كثيرة... اين القوى الجوية واين الدبابات اين ذهب كل هذا... المدافع؟ وغير ذلك اسئلة كثيرة دون جواب حتى الآن.
- لنفترض ان صدام حسين غادر العراق وسلم الحكم الى سلطة بديلة، هل كانت ستظهر امكانية امام العالم لتجنب الحرب، وفي اي اتجاه كان من الممكن ان تسير الاحداث؟
- هذا يعتمد على الطريقة التي كان سيدع بها السطة، فمثلا كان بامكانه ان يحافظ على مركزه كقائد لحزب البعث، كل ما نقوله في هذه المجال هو افتراضات فالماضي لن يعود وليس باستطاعتنا ان نصلح شيئاً مما حصل، ولكننا نتناقش ما يمكن ان يكون قد حصل لو ان...
عند ذلك من الممكن انه كان باستطاعته الحفاظ على السلطة الكافية لتأمين الاستقرار في العراق...
كان بامكانه ان يدع السلطة بطريقة اخرى فقد اقترح عليه الرئيس بوتين ان يدع السلطة ويتوجه فوراً باقتراح الى البرلمان لانتخاب رئيس جديد بطريقة ديمقراطية، اعتقد ان الامريكيين حتى بعد هذه العملية تصرفوا بشكل غير ذكي، فقد نقلوا نموذج المانيا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية الى العراق، اذ حلوا حزب البعث وليس ذلك وحسب بل منوا اعضاءه من المشاركة في الحكم وفي الادارات وما الى ذلك. ومن الواضح تماما ان اعظاء حزب البعث ليسو مؤيدين جميعا لايديولوجية صدام حسين فالمؤيدون له ايدولوجياً قليلون جدا. اذ كان هناك اناس انضموا للحزب بحكم الضرورة للحفاظ على العمل والنمو وظيفيا وكانت النتيجة ان في الحزب اناس كثر متقنون لعملهم وهم من مختلف الطوائف والاتجاهات الفكرية وقد منعوا هؤلاء الناس من العمل في الادارات القيادات وكانت هذه خطيئة كبيرة وبذلك لم يوظف الناس المختصون العارفون في مجال عملهم.
والخطيئة الاخرى حل الجيش والشرطة والقوى الاخرى ونتج عن ذلك فراغ.. انا لا ادافع عن الموقف الامريكي ولكني اقول انه حتى بعد الاجتياح كان بالامكان خلق وضع آخر والامريكيون تصرفوا دون تفكير، طبعاً الآن يحاولون تصحيح بعض الامور ولكن الوقت قد فات.
- اليوم اصبح من المعروف ان الدوافع والذرائع المعلنة من الحرب كانت مزيفة، ما هي البواعث الحقيقية وراء اعلان الحرب؟
- يجب عدم التوقف على العراق فحقيقة الحال ان المقربين من بوش آنذاك والمسمون بالمحافظين الجدد اعتبروا ان امريكا كأقوى دولة في العالم وهذا صحيح من الناحية العسكرية والاقتصادية ومن ناحية تأثيرها السياسي، اعتبروا انها يجب ان تتصرف من منطلق النظام العالمي ذي القطب الواحد اي يجب ان تتصرف لوحدها وكما تشاء وعلى الجميع ان يسمع لها ويطيعها وهذا ما يسمى بعقيدة القطب الواحد والتي بدأوا تنفيذها في العراق وها هي انتهت بالفشل، ووصلت الى طريق مسدود، الآن العالم متعدد الاقطاب وليس ذي قطب واحد. وقد اشير الى الادارة الامريكية بانفسهم عليهم ان يقرروا من اين ينبع الخطر وما طبيعته وكيف يجب ان تكون (دون الاخذ برأي الآخرين ودون السماع لقرارات هيئة الامم المتحدة) ردود الفعل، بل والرد دون قرار من مجلس الامن. فاتخذوا آنذاك القرار وبشكل منفرد بان اللجنة الدولية العاملة في العراق لم تأت بالنتائج لانها غير مؤهلة بينما سيثبتون بعد اجتياحهم للعراق انه لا يملك الاسلحة الممنوعة وحسب، بل ويصنعها في الوقت الحاضر، او انه يصنعها حتى ان لم يمتلكها بعد، ولكن كما تعلمون لم يثبت شيئ من هذا، ثم تقدموا بافتراض ان نظام صدام حسين يتعامل مع القاعدة وهذا ايضاً لم يثبت ومن ثم قالوا انهم يريدون صنع الديمقراطية في العراق... وقد تحدثنا عما نتج عن ذلك عن اية ديمقراطية يمكن الحديث هنا...؟ اي انه حسب جميع مقولاتهم التي اعلنوها للعالم اجمع وبناء على نظريتهم بعالم احادي القطب حسب كل هذه المقولات فشلت امريكا في تعليل وجودها في العراق وهذا دليل على ان هذه العقيدة غير صحيحة.
- بم يمكن تفسير المقاومة العنيفة لقوات التحالف في جنوب العراق بينما جرى تسليم بغداد دون قتال؟
- لا، لم يكن هناك دفاع حقيقي، فاولاً كانت هناك بعض المقاومة، الامريكيون خسروا اثناء الاجتياح 100 جندي قتيل او اكثر من ذلك، ولكن هذا قليل بالنسبة لمقاومة حقيقية فالامريكيون دخلوا العراق بسهولة كبيرة.
- كيف تنظرون الى الرأي الشائع والقائل ان اسقاط صدام حسين فتح صندوق المصائب حيث جلب الارهاب والانفصالية والعصابات وغيرها، وادى خارجيا الى تعزيز دور ايران وتقوية مواقع الحركات الراديكالية فيها؟
- انا لا اوافقكم في الرأي بانه ظهرت تناقضات لم يتوقعها احد من قبل اذ لم تكن على السطح ومنها العامل الايراني الذي يملك تأثيرا كبيراً على سير الاحداث في العراق. ولكني اعتبر ان التأثير الايراني الآن يخف شيئاً فشيئاً لان الامريكيين يتعاملون بشكل مباشر مع السنة وهنا لا تملك ايران اي تأثير. اضافة الى ذلك تختلف الآراء داخل الطائفة الشيعية نفسها وتتشعب، لا يجب ان نتهم ايران بكل الاخطاء القاتلة ولكن تأثير ايران في السياسة العراقية واقع دون شك.
- لماذا قامت السلطة العراقية ومن ورائها الامريكيون بالتخلص سريعاً من صدام حسين ومحاكمته لقتله نحو 100 شخص ولم ينتظر اجراء محاكمته بشأن حبلجة التي كان من المتوقع ان تكون مدوية؟
- هناك اعتقادات عدة وعندي شخصيا رأيي الخاص، وقد نشرته في كتابي (الشرق الاوسط : المخفي والمكشوف) والذي ترجم للغة العربية، انا عتبر ان ما تقولون يطابق الواقع فقد كان من مصلحتهم كما يعتقد الجميع ان يحاكموا صدام محاكمة عسكرية ثانية تتعلق باستخدام الاسلحة الكيمياوية ضد الاكراد (على الاقل اثبتوا للناس عندها ان هناك اسلحة شاملة استخدمت وما الى ذلك مما زعموا) ولكنهم لم يقدموا على هذا الامر بل قضوا على صدام بشكل لم ينتظره بنفسه، اتوا اليه قبل العيد بيوم اخذوه وشنقوه، من قام بهذا؟ نفذت هذا الامر قيادة الحكومة العراقية ولكنها كما اعتقد ما كانت تستطيع القيام بهذا العمل دون السماح الامريكي به، اظن ان الامريكيين لم يريدوا السماح بأعطاء الكلمة الاخيرة لصدام والتي كانت حسب سير المحكمة الطبيعي واجبة قانونياً اذ كان من الممكن ان يكشف اسراراً مخفية في السياسة.
- وماذا كان يمكن ان يقول صدام حسين آنذاك؟
- لن اقول هنا شيئ، فقد اخبرتكم خلال حديثنا باشياء كثيرة حول هذه الامور.
- ما هي الاهداف التي كان يتوخاها اولئك الذين حظروا نشاط حزب البعث العراقي وطردو ممثليه من الوظائف الحكومية والجيش والشرطة، فقط لانهم كانوا يمارسون وظائفهم خلال حكم صدام حسين؟
- لا.. فالبعض منهم مجرمون حقيقيون ومن العدالة ان يحاكموا من قبل السلطة، لكنني بنفس الوقت لا اريد ان اكون قاضيا. هناك مقولة بان "المتهم بريء حتى تثبت ادانته" وهناك محاكم عسكرية قائمة لا اريد ان اعلق على عملها.
ولكن من ناحية اخرى ان وجهة النظر الامريكية غير صحيحة في تنحية جميع البعثيين فقط لمجرد كونهم بعثيين، اذ انهم بذلك ابعدوا الناس الذين كان باستطاعتهم ادارة البلد والمساعدة في خلق الاستقرار وقد تحدثت عن ذلك.
- ما الذي ينتظر العراق عندما تغادره قوات التحالف؟
- من الصعب ايراد التكهنات، ولكني اعتقد وهذه وجهة النظر الرسمية الروسية كما اظن، اعتقد ان رحيل القوات الامريكية الآن، السريع والفوري، اي رحيل جميع القوات بشكل عاجل سيؤدي الى فوضى اكثر، وهذه وجهة نظر الدول العربية ايضا، في نفس الوقت،فان ابقاء القوات الامريكية هناك لوقت طويل، يعني ابقاء عامل عدم الاستقرار والجميع يعتبره كذلك، من الواضح ان الحل الافضل الآن، ان يعلن الامريكيون موعد رحيل قواتهم، وعندها سيلعب عامل الوقت دوره، ولكنهم لا يريدون ان يفعلو ذلك... لا يريدون... هناك خطر من وجهة نظري، وهو ان هذه القوات في نهاية المطاف، وتعد بـ 160 الف جندي، او حتى جزء منها لنقل ثلثها سيبقى في القواعد العسكرية على اساس دائم في العراق، وعند ذلك يقولون ان الاحتلال قد انتهى.
- كيف تقيمون اليوم التعاون الروسي-العراقي في المجال الاقتصادي وخاصة ان روسيا كانت قد شطبت قرابة 90% من الديون المستحقة على العراق؟
- انتم تعلمون اننا سامحنا العراق بهذا الدين فهذا الموضوع لا يلعب اي دور، اما ما يتعلق بالتعاون الاقتصادي فنحن على استعداد لتوسيعه وفي العراق كثيرون كما أعتقد من يعي مصلحة العراق في هذا المجال، فقد اثبتنا خلال السنوات الكثيرة الماضية اننا نعلم كيف نتعاون وبشكل مثمر ونقدم الكثير.
وشكراً لكم.