مباشر

الاتحاد الأوروبي أم إيطاليا.. من يدمر الآخر؟

تابعوا RT على
رفض الاتحاد الأوروبي مجددا مشروع الميزانية الإيطالية لعام 2019، مفجرا بذلك أزمة جديدة قد تهدد بقاء الاتحاد الأوروبي برمته.

تكمن خطورة تلك الخطوة في كونها ربما خطوة أولى من جانب بروكسل لفرض عقوبات مالية على إيطاليا بما يعادل 0.2% من ناتجها المحلي الإجمالي، بسبب رفضها خفض العجز في الميزانية للعام القادم من 2.4% (كما تتوقع إيطاليا)، إلى ما دون 2% (كما يرغب الاتحاد الأوروبي).

لقد اختارت الحكومة الإيطالية الشعبوية على خلفية الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها، أن تواجه الاتحاد الأوروبي في محاولة منها للتأكيد على مواقفها المحلية.

وعلى الجانب الآخر، فإن المواقف الصلبة للاتحاد الأوروبي تفتح الباب على مصراعيه أمام تصعيد للأزمة غير محسوب العواقب، ربما قد يطغى على "البريكسيت" من حيث أضراره وتهديده لبقاء الاتحاد الأوروبي.

فما الأسلحة والإمكانيات التي يمتلكها الطرفان المتنازعان؟

إيطاليا داخل الاتحاد، بطلة في ارتفاع الدين العام على الإطلاق، والذي بلغ 2311 مليار يورو في يونيو 2019، كما بلغت نسبة الدين العام إلى نسبة الناتج المحلي الإجمالي 131.2% لعام 2017، لتحقق بذلك إيطاليا المركز الثاني بعد اليونان.

كذلك تعاني الحكومة الإيطالية من دفع فوائد الديون المتراكمة، التي تمثل عبئا كبيرا على ميزانيتها، لكن عضوية إيطاليا في الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو هي السبب الوحيد الذي يجعلها قادرة على مواجهة هذا العبء الثقيل، نظرا للتسهيلات التي تتمتع بها في الحصول على قروض ميسرة، ذات فوائد منخفضة للغاية.

لذلك فإن سعر الفائدة الذي يمكن لإيطاليا أن تحصل به على قروض جديدة، هو الركن الأساسي لاستقرار الاقتصاد الإيطالي، وخروج إيطاليا من الاتحاد الأوروبي يعني ببساطة ارتفاع سعر هذه الفائدة، وانهيار الاقتصاد الإيطالي.

ويعني ذلك بطبيعة الحال، أن بإمكان الاتحاد الأوروبي نظريا، أن يجبر إيطاليا على الرضوخ له في ظرف أسبوع واحد فحسب إذا ما دبّر، أو سمح بارتفاع أسعار الفائدة على القروض لإيطاليا، أو امتنع البنك المركزي الأوروبي عن شراء سندات القروض الإيطالية.

لكن الصعوبة بالنسبة للاتحاد الأوروبي تكمن في أن إيطاليا تشغل المركز الثالث بين ترتيب الاقتصادات الأقوى في الاتحاد الأوروبي، والمركز الثامن على مستوى اقتصادات العالم، وبينما تتساقط البورصات العالمية فعليا، ونشهد تراجعا لنمو اقتصاد الاتحاد الأوروبي، بما فيه الاقتصاد الإيطالي، بل ومن المنتظر أن يتراجع الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا في الربع الأخير من العام، وفي الوقت الذي تخرج فيه بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بصعوبة بالغة، وتهدد أوروبا والعالم بأسره بتداعيات غير متوقعة لذلك الخروج، في ظل هذا كله، تصبح أي أزمة كبيرة في إيطاليا بمثابة منعطف خطير يمكن أن يدفع لا بالاقتصاد الأوروبي وحده، وإنما باقتصاد العالم كله نحو فوضى اقتصادية لا سبيل لمواجهتها، وهذه خطوة لا يستطيع الاتحاد الأوروبي الإقدام عليها.

كما أن إيطاليا هي الأخرى لا تستطيع الإقدام على خطوة الخروج من الاتحاد الأوروبي، لكون ذلك يهدد بانهيار اقتصادها، لكن بإمكان إيطاليا أن تستمر في ابتزاز أوروبا، لترفع بذلك سقف الاقتراض، وهو ما يمكن أن يحفز أعضاء آخرين في الاتحاد كي يحذوا حذوها، ما سوف يزيد من التوترات داخل الاتحاد.

ومهما فعلت إيطاليا، سوف ينقذها الاتحاد الأوروبي في نهاية المطاف، نظرا لأهميتها بالنسبة له، لكنه في الوقت نفسه، سيحاول الحفاظ على مستوى معين من الضغط، وسيزيد من تكاليف هذا التمرد، ويتأخر عن اللجوء لآليات إنقاذ روما، أي أن بروكسل وبصرف النظر عن التصريحات النارية والتهديدات الكلامية، سوف تسمح لإيطاليا بالإقدام على الإجراءات التي حظرتها من قبل على اليونان، على سبيل المثال.

لكن ازدواجية المعايير، وعدم المساواة داخل الاتحاد الأوروبي، ستزيد من حدة التوترات بين أعضائه، وهي توترات يمكن أن تعصف بشعبية فكرة أوروبا الموحّدة.

وفي الوقت نفسه، فإن 60% من الإيطاليين داخل إيطاليا أصبحوا يرون في الاتحاد الأوروبي أساسا لكل مشاكلهم، وسيسهم ضغط بروكسل في ارتفاع تلك النسبة على نحو ملحوظ.

الاتحاد الأوروبي وإيطاليا يستطيعان إلحاق ضرر بالغ ومتزايد ببعضهما البعض، في الوقت الذي يفرض فيه الموقف المتصاعد على كليهما المضي قدما في طريق المواجهة، ولم يعد أحد منهما قادرا على التراجع عن مواقفه، دون تداعيات ضارة للغاية، فلا يوجد مخرج من هذا المأزق المتأزم سواء بالنسبة لإيطاليا أو للاتحاد الأوروبي سوى سيناريو تصاعد الأزمة، أو تجميدها، كما حدث عام 2013.

لكن السيناريو الأخير تسبب في احتدام الأزمة مع الوقت، فأزمة القروض/الميزانية الإيطالية هي أزمة طويلة الأمد، ومن المرجح أن تنضم إليها دول أوروبية أخرى.

الاتحاد الأوروبي هو فكرة طوباوية، جرى تمويلها على حساب تضخيم الديون التي لن يتم سدادها، وسوف يسقط الاتحاد الأوروبي حتما استنادا لأسباب اقتصادية، فالتناقضات والأزمات الحالية لم يعد لها حل داخل إطار الاتحاد الأوروبي القائم، ولن يؤدي تجميد هذه الأزمات مجددا إلى سوى انهيار كارثي محقق للاتحاد، ربما يكون أكثر فوضوية وأكثر حدة، حتى ولو بعد حين.

المحلل السياسي ألكسندر نازاروف

 

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا