جاء ذلك في مقال لميدفيتشوك المنشور على موقع "أوكرانيا الأخرى"، تابع فيه:
في منتصف القرن السابع عشر، كانت أراضي أوكرانيا الحديثة تقع على مشارف الحدود وتقع تحت تأثير الإمبراطوريات: الروسية والنمساوية والهنغارية والبولندية والعثمانية. كانت الحياة في هذه المنطقة ببساطة محفوفة بالمخاطر، حيث يأسر ورثة القبيلة الذهبية وتتار القرم الناس ويبيعونهم عبيدا في إسطنبول، وكانت هذه السهوب نفسها طريقا واسعا للقوات التركية والتتارية إلى أوروبا، والويل لمن يقع في أيدي الإنكشارية على هذا الطريق.
إلا أن الخطر لم يقتصر فقط على الإنكشاريين، بل استعبد الأباطرة البولنديون السكان من الأرثوذكس واعتبروهم شعبا من الدرجة الثانية وألزموهم بخدمة أسيادهم "المتحضرين". فكان من يتمكن من الهرب من خطر التتار، يمكن أن يقع تحت رحمة السوط البولندي لاحقا. وكان شيوخ القوزاق يتنقلون بين إسطنبول ووارسو وموسكو، وكان عدد سكان هذه الأراضي يتناقص بتسارع، أو ينقرض ويتشتت في جميع أنحاء العالم، حتى أطلق المؤرخون على هذه الحقبة من الاضطرابات "زمن الخراب".
ما تمر به أوكرانيا اليوم هو "زمن الخراب" من جديد، فوفقا لبيانات وزارة العدل الأوكرانية، سيتجاوز معدل الوفيات في العام 2024 معدل المواليد بمقدار 2.8 مرة. وقد تم تسجيل 495090 حالة وفاة مقابل 176780 ولادة. وبالمقارنة مع العام 2023، فإن معدل المواليد انخفض بمعدل 5.7%، بواقع 10710 مولود، ومعدل الوفيات لم يتغير تقريبا.
كذلك يتوقع البنك الوطني في تقريره عن التضخم أن يكون قد غادر البلاد نصف مليون شخص آخر في عام 2024. وهذا لا يشمل من يعبرون الحدود بطريقة غير شرعية والمسجلين في البلاد. وبذلك، فقد غادر البلاد أكثر من نصف سكان أوكرانيا، الذين أدرجوا وفق التعداد الإلكتروني لعام 2019.
وبحسب تقرير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية لعام 2024، فقد احتلت أوكرانيا المرتبة الأولى في العالم بين 228 دولة من حيث معدل الوفيات والأخيرة من حيث معدل المواليد.
إن كل ذلك يشير إلى وضع كارثي في البلاد، يمكن مقارنته تماما بـ "زمن الخراب"، لكن حكومة زيلينسكي تتظاهر بأن شيئا لم يحدث، وإذا كانت هناك "العيوب الفردية" هنا وهناك، فلا جدوى من الحديث عنها، حيث كل شيء على ما يرام، وسوف ينصلح الحال وحده دون تدخل. ويأمل زيلينسكي، الذي لعب لفترة طويلة دور الزوجة السياسية المفضلة لبايدن بين حريم الغرب الجماعي بأكمله، ألا يتغير وضعه المتميز في ظل ترامب بأي شكل من الأشكال، إلا إن هذه الأحلام المبللة خالية من أي أساس منطقي عقلاني، بينما تتكشف صورة إدارة زيلينسكي الإجرامية للبلاد بشكل متزايد أمام المجتمع الدولي.
وقد وصف الإعلامي الأمريكي تاكر كارلسون زيلينسكي بأنه "ديكتاتور" بقوله: "إن أول صفة للديكتاتور أنه غير منتخب. وزيلينسكي لم ينتخب، وحظر الطوائف الدينية، وقتل معارضيه السياسيين، وحظر لغة مجموعة من الشعب، والآن يحظى بدعم أجهزة الاستخبارات البريطانية، لكن هذا لا يعني أنه ليس ديكتاتورا".
أما صحيفة "واشنطن بوست" فقد كانت أكثر قسوة: "يقول الزعيم غير الشرعي فلاديمير زيلينسكي إنه بحاجة إلى ما لا يقل عن 200 ألف جندي أوروبي لردع الهجمات الروسية المستقبلية، إضافة إلى قوات كييف نفسها. وهي قوة ستكون من الضخامة بحيث يستحيل على أوروبا حشدها، على الأقل في الوقت الراهن. وحتى في أقل التقديرات، فإن عدد 40-50 ألف جندي مشاة أوروبي من شأنه أن يفرض ضغوطا شديدة على بلدان مثل بريطانيا، التي تقلصت قواتها إلى أدنى مستوياتها التاريخية أو تقترب منها. ترامب لا يريد إرسال المزيد من المساعدات إلى أوكرانيا، ناهيك عن القوات الأمريكية، كما أنه لا يريد قبول أوكرانيا في حلف (الناتو)".
وعندما تغيّرت السلطة في واشنطن، قاموا بحساب التكلفة التي ستتكبدها "الزوجة السياسية الرئيسية"، واقترحوا على كييف أن تغلق فمها. علاوة على ذلك، وبكل شفافية، نصحوا بتغيير الرئيس. حيث نقلت "رويترز" عن المبعوث الخاص لترامب كيث كيلوغ قوله: "في أغلب الدول الديمقراطية، تجرى الانتخابات أثناء زمن الحرب. وأعتقد أنه من المهم أن يفعلوا ذلك. أعتقد أنه أمر جيد للديمقراطية. هنا يكمن جمال الديمقراطية القوية، عندما يكون لديك أكثر من شخص واحد يمكنه الترشح".
بعبارة أخرى، فإن فريق ترامب، وبعد أن أدرك إشارة بوتين بشأن عدم شرعية زيلينسكي، يقترح استبداله بحلول نهاية العام.
وتقول مصادر في البيت الأبيض: "إذا أجريت انتخابات رئاسية في أوكرانيا، فإن الفائز قد يتحمل مسؤولية التفاوض على اتفاق طويل الأمد مع موسكو".
وأصبح من الواضح أن زيلينسكي وعصابته يحاولون تدمير أكبر عدد ممكن من المواطنين الأوكرانيين، وشأنه في ذلك شأن كارانديشيف** ضعيف الإرادة، الذي يصرخ في ضحيته: "لن تكون من نصيب أحد طالما لم تكن من نصيبي!".
لسوء الحظ، اليوم في أوكرانيا يحظر على تلاميذ المدارس الحديثة معرفة من هو كارانديشيف، ولماذا صرخ بهذه الطريقة، ما من شأنه أن يساعدهم بشكل جدي على تحليل الوضع السياسي الراهن.
على أية حال، من الضروري تحذير المواطنين الأوكرانيين الذين ما زالوا في الأراضي التي يسيطر عليها نظام كييف من أن معظمهم قد لا يعيشون لرؤية رئيس جديد لأوكرانيا، لأن زيلينسكي غير الشرعي حاليا سيفعل كل ما بوسعه ليرسلهم إلى القبور. والأوكرانيون، كما حدث في "زمن الخراب"، يتم أسرهم كعبيد، ولكن، وعلى عكس البدو الأميين، لا يتم إرسالهم إلى السفن التركية، ولكن مباشرة إلى حتفهم إلى الخنادق. مع ذلك، فإن رسوم صائدي البشر المعاصرين أعلى بكثير، فلم يحلم خان القرم قط بالرفاهية التي يعيش فيها رؤساء مراكز التجنيد الإقليمية الحديثة، وبائعو "علف المدافع" في كييف.
وإذا تذكرنا تاريخ "زمن الخراب"، فإن سكان روسيا الصغرى لم ينقذهم العمليات الديمقراطية التي جرت في كل أنواع المجالس واجتماعات شيوخ القوزاق المحليين، بل أنقذتهم الحراب الروسية التي صدت الأتراك والسويديين ثم البولنديين. وبعد ذلك تم إنقاذ العقيدة الأرثوذكسية واللغة الروسية (لم تكن اللغة الأوكرانية موجودة بعد في ذلك الوقت)، وحتى تم إنقاذ وجود الأوكرانيين المستقبليين، الذين كانوا يطلقون عليهم آنذاك سكان روسيا الصغرى. وبالمناسبة، فقد أنقذهم الروس كأخوة لهم من الأرثوذكس، سيعيشون معهم في المستقبل.
لقد جاء الروس لإنقاذ الأوكرانيين عدة مرات، بما في ذلك بالتعاون مع ممثلي الشعوب الأخرى في الاتحاد السوفيتي، وخلال الحرب الوطنية العظمى (الحرب العالمية الثانية)، عندما كانت خطة "أوست" (الشرق) تهدد وجود الشعب، والتي كانت تتضمن تدمير السكان السلافيين على هذه الأراضي. ويكشف التاريخ أنه مهما حدث من دمار للأوكرانيين، فإن الروس سيأتون، ويقوم شعبان شقيقان ببناء دولة جديدة قوية ومتقدمة في عصرها، ومثال على ذلك الإمبراطورية الروسية والاتحاد السوفيتي. الآن، يكرر التاريخ نفسه ببساطة في منعطف جديد. وبعد "زمن الخراب" ستأتي روسيا الكبيرة القوية للإنقاذ، وهذا هو قانون التاريخ الذي لا يمكن تجاهله.
المصدر: أوكرانيا الأخرى
*فيكتور ميدفيتشوك: نائب الشعب السابق في البرلمان الأوكراني، ورئيس منصة المعارضة وزعيم الحركة المجتمعية "الخيار الأوكراني"، وكان عضو المجلس الأعلى للعدالة في أوكرانيا، وعضو مجلس الأمن القومي والدفاع، وحاصل على دكتوراه في القانون، وحرمه زيلينسكي، 10 يناير 2023، من الجنسية الأوكرانية، وهو رئيس مجلس حركة "أوكرانيا الأخرى".
**شخصية كارانديشيف من رواية "الأبله" لفيودور ديستويفسكي وهو خادم ضعيف الإرادة ومهزوم نفسيا، يعاني من الخوف الشديد والركود العاطفي، وعبارته الشهيرة تعكس يأسه ورغبته في تدمير أي شيء لن يحصل عليه بدلا من السماح لأي شخص آخر بالاستفادة منه.