إن كل هذه الحالات تثبت انتصار الشعبوي الذي يعد بحلول سهلة إلا أنها مستحيلة، وخلاص سهل من مشكلة معقدة في سياق أزمة اقتصادية عميقة ومستويات معيشة متدنية.
سؤال: هل معظم الناس بهذا القدر من الغباء والسذاجة الطفولية لدرجة أنهم يؤمنون بالمعجزات؟ أجب بنفسك عن هذا السؤال عزيزي القارئ.
وفقا لدراسة أجرتها "مؤسسة الرأي العام" الروسية، فإن 43.8% فقط من الروس يظهرون نماذج إيجابية للسلوك المالي، فيما يظهر 56.2% نماذج سلبية (المغامرة والسذاجة المفرطة والمقامرة والاندفاع والمبالغة في تقدير معرفتهم والتردد في تحمل المسؤولية). وفي قرون سابقة، أدت الأنماط التي تندرج ضمن النموذج السلبي للسلوك المالي إلى استعباد هؤلاء الناس بالديون. وأعتقد أن الناس في جميع البلدان متماثلون في هذا الجانب، وبشكل عام، فإن غالبية البشرية غير قادرة على الاعتناء بنفسها.
ولم يكن من قبيل الصدفة أن يرتبط حق التصويت في روما القديمة وكذلك في الولايات المتحدة في المراحل الأولى من وجود الجمهورية بمؤهل الملكية، أي أنه يمنح فقط للأشخاص الحائزين لأملاك، وبالتالي أثبتوا إيجابية نموذجهم المالي، ومسؤولية سلوكهم. أي أن النموذج الجمهوري المبكر كان أقل ديمقراطية، لكنه كان أكثر استقرارا.
فالديمقراطية، أي إعطاء كل الناس حق التصويت، تؤدي بطبيعة الحال وحتما إلى وصول الشعبويين إلى السلطة. وأثناء الأزمة، كلما استفحلت مشكلات المجتمع وأصبحت أكثر تعقيدا، كلما زاد الإيمان بالمعجزات بين السكان، وكلما كان السياسي الأقل مسؤولية والأكثر انعداما للضمير أقرب للفوز بالانتخابات. وهذا يعني أن يلتسين وترامب وزيلينسكي ومايلي ليسوا الاستثناء، بل القاعدة. ثم يلي ذلك الانهيار، لكن الناس يختارون مرارا وتكرارا الشخص الذي يعد بمزيد من المعجزات، وليس المزيد من العمل مقابل أموال أقل، على الرغم من أنه السبيل الوحيد للخروج من الأزمة.
ولحسن الحظ، يتمتع السياسيون بالقدرة على خداع الناخبين وعدم الوفاء بمعظم وعودهم، ولكن مع مرور الوقت، تؤدي القرارات الشعبوية إلى زيادة الإنفاق الاجتماعي الحكومي بمعدلات أسرع من نمو إنتاجية العمل والإنتاج. ونتيجة لذلك، لا توجد بلدان في العالم خالية من الديون، حيث تعاني خمس من كل ست دول في العالم الآن من عجز في الميزانية، أي أنها تنفق أكثر مما تكسب. وربما تكون النسبة أسوأ من ذلك، ولكن هناك دول غنية صغيرة في العالم مثل ممالك الخليج، حيث يتجاوز الدخل من الموارد الطبيعية التكاليف الاجتماعية، حتى لو لم تتسم السياسات المالية بكثير من الحكمة.
إن الديمقراطية هي النموذج الأقل قابلية للحياة في المجتمع، ولا يمكن تحقيقها إلا بعد أن تطور الدكتاتورية الاقتصاد، وتحل جميع المشكلات، وتزيل جميع التهديدات، بعدها يمكن للمجتمع أن يسترخي ويبدأ في الاستمتاع دون التعرض لخطر الموت الفوري، بما في ذلك من خلال أساليب تشكل خطورة على الحياة، من خلال الانحطاط والتحلل. وبطبيعة الحال، فإن الفكرة التي تروج لها الدعاية الغربية بأن الديمقراطية تولد الرخاء هي محض كذب، فكل شيء هو عكس ذلك تماما، أي أن الرخاء هو ما يولد الديمقراطية وما عدا ذلك مستحيل.
وإذا أمكن تلخيص المقال في جملة واحدة، بإمكاننا تذكر المثل القائل أن "الأوقات العصيبة تخلق أشخاصا أقوياء، والأشخاص الأقوياء يخلقون أزمنة الرخاء، وأزمنة الرخاء تخلق أشخاصا ضعفاء، والأشخاص الضعفاء يخلقون أوقاتا عصيبة". دائرة مفرغة.
إلا أن ما قيل لا يعني على الإطلاق أنني أفضل الدكتاتورية على الديمقراطية، وأؤيد حرمان غالبية الناس من حق التصويت، كما لا أقول إن الدكتاتورية أكثر فعالية من الديمقراطية. ومن غير الصحيح مقارنة الدكتاتورية بالديمقراطية من حيث أيهما أفضل أو أسوأ. كلاهما مرحلتان طبيعيتان في تطور المجتمعات، وكل منهما يتوافق مع المرحلة الخاصة به من تطور المجتمع، ويكون أكثر فعالية في ظروف معينة. وتطور الكائنات الحية (بما في ذلك المجتمعات) هو تطور فطري يصفه المخطط التالي: الولادة-التوسع-تعقيد النظام-تراكم الأخطاء-الموت.
شخصيا، كنت أفضل أن أعيش لحظة منح حق التصويت للجميع، فهذه قمة رفاهية وحيوية المجتمع، ولكننا جميعا نعيش في نهاية مرحلة تراكم الأخطاء.
ولك أن تخمن عزيزي القارئ شكل المجتمع الذي سيتعين على البشرية من خلاله الخروج من هذه الأزمة؟
ختاما، دعونا ننظر إلى الدول العربية. وبطبيعة الحال، فإن النضال من أجل حقوق الفرد هو أمر جيد وصحيح، ولكن يجب على المرء أن يفهم أن الديمقراطية في المجتمعات الفقيرة مستحيلة بحكم التعريف، لأن مطالب السكان تتجاوز في كثير من الأحيان قدرة هذه المجتمعات/الاقتصادات على ضمان تلبية هذه المطالب. والإطاحة بالحكومات الاستبدادية في المجتمعات الفقيرة لن تؤدي، تحت أي ظرف من الظروف، إلى إقامة ديمقراطيات. وإذا مضينا في طريق الثورات، فإن ذلك سيؤدي، في أحسن الأحوال، إلى انتخاب مهرجين غير أكفاء مرارا وتكرارا.
إذا كنت تريد الديمقراطية، فاعمل على تطوير اقتصاد بلدك، وناضل من أجل مكانة رفيعة لاقتصادك في سلسلة القيمة العالمية، وهذا الأخير يعني نظاما عالميا جديدا أكثر عدالة. بعد ذلك، من خلال التطور الطويل داخل البلاد والحروب خارج البلاد، بعد جيل او جيلين أو ثلاثة، وربما أكثر، قد يتطور في بلدك لبعض الوقت ما يمكن تسميته بالديمقراطية.
وأكرر، على سبيل الاحتياط، أنا لا أقوم بحملة للدعاية من أجل الدكتاتورية، كل ما هنالك أنني أقدم روايتي في تفسير ما يحدث.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف