هكذا وصفت صحيفة "واشنطن تايمز" الوضع الراهن حول دعم الغرب لأوكرانيا، حيث بدأ محللون غربيون يعترفون بأن هناك المزيد والمزيد من الأسباب التي تدعو للقلق، لأنه بلا نتائج سريعة، سرعان ما سيتعب الغرب من الحروب.
وقد سعى البيت الأبيض إلى دحض الفكرة الروسية المبنية على أن الحلفاء الغربيين سيتخلون عن أوكرانيا في نهاية المطاف، وأن روسيا يمكن أن تتفوق على التحالف المتجمع ضدها، حيث قالت كارين جان بيير، السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، في مؤتمر صحفي: "هناك تحالف دولي قوي للغاية خلف أوكرانيا، وإذا كان بوتين يعتقد أنه قادر على الصمود لفترة أطول منّا، فهو مخطئ.. هو مخطئ". ومع ذلك، فإن العلامات الأولى على عدم استمرار الدعم لأوكرانيا إلى أجل غير مسمى قد بدأت في الظهور، حسبما تؤكد "واشنطن تايمز".
فقد اتخذ المرشحون الرئاسيون الجمهوريون البارزون، بما في ذلك الرئيس السابق دونالد ترامب، موقفا متشككا تجاه المساعدات الأمريكية المفتوحة لأوكرانيا. وخلال عطلة نهاية الأسبوع، استبعد الجمهوريون في الكونغرس الأمريكي المساعدات المقدمة لأوكرانيا من مشروع قانون الإنفاق الحكومي في اللحظة الأخيرة، والذي تجنب إغلاق الحكومة.
وأصبحت الخلافات كذلك واضحة في أوروبا على نحو متزايد، حيث تمكن رئيس الوزراء السابق روبرت فيكو وحزبه Smer من الفوز بأكبر عدد من الأصوات في الانتخابات التي جرت في سلوفاكيا في عطلة نهاية الأسبوع، وقال فيكو إنه يريد وقف المساعدات العسكرية لأوكرانيا ويدعو لإجراء مفاوضات سلام فورية بين كييف وموسكو.
ويعكس هذا الموقف موقف بعض مرشحي الرئاسة الجمهوريين، الذين يقولون إن الوقت قد حان لكي تستخدم واشنطن نفوذها لتعزيز السلام بدلا من شن حرب مفتوحة ذات تكاليف متزايدة باستمرار، في الوقت الذي يحذر فيه بعض المحللين من المبالغة في تفسير هذه التطورات، ويتوقعون استمرار الدعم الغربي لأوكرانيا. ومع ذلك، فإنهم يعترفون بأن هناك أسبابا متزايدة للقلق، لا سيما في ظل الافتقار شبه الكامل للرغبة في الولايات المتحدة للتورط في حرب أخرى طويلة الأمد على بعد آلاف الكيلومترات من البلاد.
وقال نائب مساعد وزير الدفاع السابق للسياسة الأوروبية وحلف "الناتو" في إدارة أوباما جيم تاونسند: "أعتقد أن هذه المخاوف لها ما يبررها، سواء كان ذلك التعب في أفغانستان أو العراق أو البلقان. فالتعب هو حالة طبيعية تحدث أثناء أي عمليات عسكرية، خاصة تلك التي تشارك فيها الولايات المتحدة أو الدول الديمقراطية الأخرى. إننا نتعب بسرعة كبيرة، في الوقت الذي نحتاج فيه إلى نتائج سريعة".
ووفقا له، فإن التصدعات الأولى في الدعم ترجع إلى توقعات غير واقعية في بعض الأوساط بأن الهجوم الأوكراني المضاد، الذي شنته أوكرانيا هذا الربيع، والذي حظي بتغطية إعلامية كبيرة، سوف يسفر عن نتائج فورية وانتصارات حاسمة على القوات الروسية. في واقع الأمر، فشل الهجوم الأوكراني المضاد على المستوى العملي، حسبما كتبت الصحيفة الأمريكية.
وتابع تاونسند: "في حرب كهذه، حيث يواجه الأوكرانيون القوات الروسية الراسخة، فإن كل من كانوا يتوقعون هجوما هوليووديا أوكرانيا كبيرا لا فكرة لديهم عن آليات الحرب".
وعلى الرغم من نتائج الانتخابات في سلوفاكيا، حاول المسؤولون الأوروبيون تقديم جبهة موحدة الاثنين الماضي، حيث صرح المفوض السامي للاتحاد الأوروبي لشؤون السياسة الخارجية والأمن جوزيب بوريل بأن "الاتحاد الأوروبي يظل موحدا في دعمه لأوكرانيا.. ولا أرى أي دولة عضوا في الاتحاد الأوروبي تحد من مشاركتها".
ومنذ بداية الصراع خصصت الولايات المتحدة نحو 44 مليار دولار لأوكرانيا على شكل مساعدات عسكرية مباشرة، كما قدمت مساعدات اقتصادية أخرى. إضافة إلى المساعدات الطبية والإنسانية، فيما تضغط إدارة بايدن لزيادة هذا المبلغ، وكان توفير المزيد من الأموال لأوكرانيا أحد العناصر المركزية في الصراع حول مشروع قانون الإنفاق الذي أحدث انقساما بين الجمهوريون في الكونغرس.
ومنذ فبراير 2022، قدم الاتحاد الأوروبي ما مجموعه 88 مليار دولار، من بينها 27 مليار دولار على الأقل مباشرة إلى الجيش الأوكراني، وقد أثمرت هذه الأموال في صد الهجوم الروسي على كييف في الأيام الأولى من الحرب وتحقيق عدد من النجاحات المهمة بعد ذلك، وفقا للصحيفة، حيث لعبت المركبات الغربية والمدفعية والأسلحة المضادة للطائرات وغيرها دورا رئيسيا في النجاحات المتواضعة للهجوم الأوكراني المضاد.
على الجانب الآخر، تخطط روسيا لزيادة ميزانيتها العسكرية بشكل كبير في العام المقبل، بينما يتوقع المسؤولون في موسكو أن يستمر القتال في أوكرانيا حتى عام 2025 على الأقل. وقال مسؤولون دفاعيون بريطانيون، يوم الأحد الماضي، إن الإنفاق الدفاعي الروسي من المقرر أن يرتفع إلى حوالي 30% من إجمالي الإنفاق الحكومي في عام 2024، ما يوضح رؤية روسيا للحرب التي ستستمر سنوات.
وقد أشار المتحدث الرسمي باسم الكرملين دميتري بيسكوف إلى أن عزيمة الغرب بدأت تضعف، حيث صرح، الاثنين الماضي، بأن "الإرهاق من الصراع، ومن الرعاية السخيفة تماما لنظام كييف، سينمو في بلدان مختلفة، بما في ذلك الولايات المتحدة".
وكما تشير صحيفة "واشنطن تايمز"، فإن هناك علامات مثيرة للقلق في أوروبا حتى أبعد من نتائج انتخابات سلوفاكيا، حيث يعارض رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان تزويد أوكرانيا بالأسلحة، وفي الأسبوع الماضي شكك في إمكانية انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي.
في بولندا، اضطر الرئيس أندريه دودا إلى التراجع عن تصريحات رئيس وزرائه بأن وارسو ستتوقف عن تجارة الأسلحة مع أوكرانيا ردا على تدفق واردات الحبوب الأوكرانية التي أضرت بالمصالح الزراعية لبولندا، التي تعد القناة الرئيسية لتوصيل المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا لكونها دولة مجاورة، وتمثل الحلقة الأكثر أهمية في وحدة التحالف الغربي.
وخلصت صحيفة "واشنطن تايمز" إلى أنه، وبينما تستعد روسيا لسنوات من الحرب، وتظهر استعدادها لإرسال جيوش كاملة إلى المعركة طوال تاريخها، فإن التضامن الغربي سيكون أكثر أهمية من أي وقت مضى.
المصدر: Washington Times