يحاول الغرب، منذ اليوم الأول للعملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، تجنّب حرب طويلة الأمد، والتحوّل إلى نظام الحرب الخاطفة Blitzkrieg، على المستوى الاقتصادي أولا، ثم عسكريا. ويضع في ضربته كل القوى، لكن الغرب رغم ذلك فشل في تحقيق أهدافه في كلا المجالين، ما يجبره على رفع المخاطر.
في سبتمبر وأكتوبر الماضيين، عاش الغرب أحلاما بهزيمة سريعة لروسيا بعد الانسحاب الروسي من منطقة خاركوف وخيرسون. ومع ذلك، انعكس الوضع بحلول العام الجديد، وأوكرانيا تخسر، فيما تزداد الآفاق كآبة في كييف مع كل يوم يمضي.
في غضون ذلك، يعمل الوقت ضد إدارة بايدن، حيث تتحول أوكرانيا بشكل متزايد إلى ثقب أسود يمتص مليارات الدولارات الغربية، بينما تدور أزمة اقتصادية حادة في العالم وفي الولايات المتحدة الأمريكية حتى بدون أوكرانيا. من ناحية أخرى، قامت روسيا بتعبئة جزئية وأبدت استعدادها للشروع في الهجوم. وفي أقل من عام، ستبدأ حملة رئاسية في الولايات المتحدة، والتي ستكون فيها هزيمة أوكرانيا (ومعها الولايات المتحدة الأمريكية) بالنسبة لبايدن بمثابة هزيمة في الانتخابات. إضافة إلى ذلك، تسحق الصين الولايات المتحدة على الجبهة الاقتصادية، وتقوم ببناء قوتها العسكرية بسرعة. على واشنطن، بغض النظر عن انتماء الرئيس الحزبي، إغلاق الملف الروسي بأسرع ما يمكن والتركيز على الاستعدادات للحرب مع الصين.
باختصار، تحتاج واشنطن بشكل عاجل وفي هذا العام على وجه التحديد إلى انتصار على موسكو، أو على الأقل منع هزيمة أوكرانيا، والذي يمكن تقديمه بوصفه انتصارا.
في الوقت نفسه، فقد استنفد الغرب تقريبا ترسانته من الأساليب الآمنة نسبيا في التعامل مع روسيا. وقد يؤدي رفعا آخر في المخاطر إلى مواجهة مباشرة بين الولايات المتحدة وروسيا واندلاع حرب نووية.
وأظهر الاجتماع الأخير في رامشتاين أن الغرب ليس مستعدا بعد لمنح كييف صواريخ بعيدة المدى وطائرات غربية. إلا أنني متأكد من أنه سيتم توفير هذه الأسلحة إلى كييف لاحقا، لكن واشنطن تحتاج أولا إلى حل مشكلة الرد الروسي المحتمل، حيث تريد واشنطن إبقاء السيطرة على الصراع، حيث تقرر واشنطن، وليس موسكو، إلى من سيوجه الرد الروسي.
تحتاج واشنطن إلى إيجاد "أحمق مفيد" جديد مثل أوكرانيا، على استعداد لوضع رأسه طواعية في مفرمة اللحم ومحاربة موسكو دون مشاركة مباشرة من الولايات المتحدة.
لحسن حظ واشنطن، هناك بولندا.
بولندا إمبراطورية فاشلة أوقفت روسيا صعودها. فقد احتلت بولندا أوكرانيا في القرنين السادس عشر والسابع عشر، فيما يحلم البولنديون بدولة "من البحر إلى البحر" (من بحر البلطيق إلى البحر الأسود)، وأعادت الحرب الحالية بين الغرب وروسيا إحياء الطموحات الإمبراطورية للبولنديين. وقد بدأ السياسيون البولنديون بالفعل يتحدثون عن فرصة "للتخلص من روسيا مرة وللأبد"، فيما تجري مناقشات حول التوحيد، أو واقعيا استحواذ بولندا على أوكرانيا. وقد منح زيلينسكي بالفعل امتيازات لبولندا وساوى تقريبا بين المواطنين البولنديين والأوكرانيين. وفي 5 مايو 2022، أعلن الرئيس البولندي أنه "لن تكون هناك حدود بين بلدينا".
ولا شك أن الزيارات شبه اليومية للسياسيين الغربيين إلى كييف يجب أن تغرس في زيلينسكي إحساسا بالثقة في انتصار الغرب الموحد، وبالتالي أوكرانيا، على روسيا.
لهذا الغرض تحديدا، يسافر بايدن إلى بولندا، حيث ستُمنح وارسو بشكل خاص ضمانات بأقصى قدر ممكن من الدعم لبولندا في حالة وقوع صدام عسكري مباشر مع موسكو. كما سيُعهد لبولندا بدور قيادي لـ "الممثل الرئيسي للولايات المتحدة" في شرق أوروبا، وربما في كل أوروبا. وليس من قبيل المصادفة إذن أن يسافر بايدن إلى وارسو فقط، متجاهلا فرنسا وألمانيا وغيرهما من الدمى الأوروبية الأخرى. وفي حالة تحقيق أقصى قدر من النجاح، إذا ما غرقت روسيا في الفوضى وانهارت نتيجة هزيمة محتملة، يمكن لبولندا أن تفوز بالسيطرة على جزء من الأراضي الروسية وعلى مكانة القوة الأوروبية الرائدة.
لم يطلق تشرتشل على بولندا لقب "ضبع أوروبا" صدفة، بعد مشاركة وارسو في هجوم هتلر على تشيكوسلوفاكيا عام 1938.
الآن، تجسد بولندا حالة ضبع جائع، يقف خلفه أسد، وأمامه دب ملطخ ببعض الدماء، وليس من الواضح تماما مصدر الدماء على جسد الدب، ولا قدر إصابته. كان هذا الضبع يتضور جوعا منذ 4 قرون، فيما تغمر الغرائز وسفك الدماء صوت العقل، ويهمس الأسد وراء أذنه بصوت رئيس الأركان الأمريكية مارك ميلي: "لقد خسرت موسكو بالفعل استراتيجية وعملياتيا وتكتيكيا".. إلى الأمام! احصل على أكبر قطعة لنفسك!
هناك عامل آخر يزيد من ثقة بولندا وجاذبية مثل هذه المغامرة بالنسبة لها: منطقة كالينينغراد، الأرض الروسية المعزولة عن روسيا بأراضي بولندا ودول البلطيق.
وفي حالة نشوب حرب مباشرة بين بولندا وروسيا، ستضطر الأخيرة لاقتحام الممر المؤدي إلى كالينينغراد عبر أراضي دول البلطيق، وهو ما يضمن لبولندا ألا تكون في حالة حرب مع روسيا وحدها، على الأقل ستكون هناك 3 دول أخرى، وربما أكثر.
وإذا كان الغرب متأكدا من أن موسكو لن تستخدم الأسلحة النووية، فإن مثل هذه الخطة تبدو جذابة بشكل لا يقاوم، ومضمونة النجاح. وإذا استخدمت روسيا الأسلحة النووية، فعلى الأرجح لن يكون هذا ضد الولايات المتحدة، ولكن في مكان ما خارج "العالم المتحضر"، في أوروبا الشرقية، التي لم تعتبرها واشنطن وأوروبا الغربية أبدا من مواطني الدرجة الأولى.
سيضع الربيع والصيف القادمين النقاط على الحروف بشأن نتيجة للهجوم الروسي المتوقع والهجوم الأوكراني المضاد. فإذا نجحت موسكو، فإن احتمال انضمام بولندا إلى الحرب مرتفع للغاية.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف