هل التقى المسؤولون الروس برياض حجاب حقا؟
يبدو أن هناك حملة إعلامية محمومة تجري على قدم وساق، بالتزامن مع البدء في تنفيذ قرار "قيصر" لعرقلة كل الجهود السياسية الروسية مع مجموعة أستانا لحل الأزمة السورية.
من بين ذلك ما قرأناه في بعض العناوين التي تصدرت وسائل الإعلام المختلفة في الصحف والمواقع والبرامج الفضائية مؤخراً، أن "فرنسا وروسيا تبحثان ملف إدلب وتتجاهلان الدور التركي". تناولت هذه الأخبار اجتهاداَ في تفسير بعض اللقاءات التي أجراها "دبلوماسيون روس" مع شخصيات سورية مختلفة كان آخرها في الدوحة وجنيف!
بهذا الصدد، أود توضيح أن تقاليد الدبلوماسية الروسية العريقة تقتضي الإعلان الرسمي عن اللقاءات التي تتم بين الدبلوماسيين الروس والشخصيات السورية المختلفة التي تمثل المعارضة السورية، خاصة إذا ما كانت تلك اللقاءات رفيعة المستوى والتمثيل. إلا أن ما يلفت الانتباه هذه الأيام هو البون الشاسع بين تلك الأخبار الملفقة عن مضمون ونتائج هذه "اللقاءات"، وبين ما يجري العمل عليه للمساهمة في إنهاء الأزمة السورية وتخفيف معاناة الشعب السوري، وحث الجانب السوري على ضرورة تفعيل الحوار السوري السوري، وعمل اللجنة الدستورية، والبدء بعملية الانتقال السياسي السلمي، استناداً لما تم التوصل إليه في مؤتمر الحوار السوري في سوتشي، وما نص عليه قرار مجلس الأمن رقم 2254، بالإضافة إلى الجهود الروسية أثناء اللقاءات كافة،سواء مع ممثلي المعارضة أو النظام في دمشق، والتي تركّز على ضرورة الحوار بين السوريين والمبادرة السورية للشروع في خطوات تسرّع من الوصول إلى الاتفاق بين جميع المكونات السورية لإجراء التعديل الدستوري وبدء الانتقال السياسي بإرادة سورية، والتحضير إلى انتخابات برلمانية ورئاسية بإشراف الأمم المتحدة، وهو ما يمثّل جوهر السياسة الروسية في التعاطي مع الملف السوري، وخارطة الطريق لحل الأزمة.
لقد أكّد قرار مجلس الأمن رقم 2254 على الحوار بين الطرفين: النظام والمعارضة. بمعنى أن القرار لم يشر من قريب أو من بعيد إلى "الإطاحة بالنظام"، بينما أكد على آليات الحوار والتفاوض سبيلاً وحيداً لتوصّل السوريين إلى اتفاق لمعالجة كافة مشكلاتهم، وصولاً إلى الانتخابات النيابية والرئاسية وحقهم الطبيعي والمشروع في اختيار قيادتهم أو تغييرها بالانتخابات.
لذلك فكل ما يتم تداوله في الأيام الأخيرة، حول ما يجري من البحث أو الاتصال مع مكونات جديدة في المعارضة السورية، أو من طرق أخرى ملتوية تنسب كذباً للسياسة الخارجية الروسية، بل وبيانات وتصريحات صحفية عارية عن الصحة، لا تندرج تحت أي بند من بنود ما أعرفه عن اللقاءات والأنشطة الدبلوماسية الروسية السورية على كافة المستويات. فالمصدر الوحيد الجدير بالثقة هو ما يتبناه الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الروسية.
إنها حملة إعلامية مسمومة، تترافق مع "قيصر" الذي يفرض عقوبات أشد صرامة على سوريا، تهدف إلى عرقلة كافة الجهود الروسية، بالاشتراك مع مجموعة أستانا، والتي توجها اتفاق وقف إطلاق النار على كافة الأراضي السورية، ومؤتمر سوتشي للحوار السوري السوري، والأهم من هذا وذاك التخلّص من وتصفية غالبية التنظيمات الإرهابية الدولية على الأراضي السورية.
كذلك فإن هذه الحملة التخريبية تهدف أيضاً إلى إحداث صدع في التنسيق بين روسيا وتركيا وإيران، وشرخ في مجموعة أستانا، ويكفي في هذا المقام أن أشير إلى خبر يقول بأن "فرنسا وروسيا تبحثان ملف إدلب وتتجاهلان الدور التركي"، وانتشر على كثير من المواقع ووسائل الإعلام المختلفة، دون أن يكون له سند من منطق أو عقل! لقد بدا الأمر وكأن كل وسائل الإعلام قد تلقّت أوامر "عليا" من مركز واحد للعمليات، وبدأت على الفور في العمل على تشويه سياسة روسيا الخارجية، والمساعي التي تبذلها لحل القضايا الدولية الأخرى مثل القضية الليبية. ويتزامن ذلك مع تصعيد جديد بين مصر وإثيوبيا، والدور التركي في شمال أفريقيا وانعكاسات هذا التوتر على المواقف المختلفة لبلدان الشرق الأوسط، خاصة دول الخليج، وهو ما يدفع باتجاه استنتاج أنها حملة إعلامية موجّهة، تجند وسائل إعلامية مختلفة تابعة لمركز واحد يخدم مآرب جهات إقليمية دولية، تسعى لعرقلة كل جهود الأمم المتحدة لحل القضايا الدولية المستعصية على أساس احترام القوانين الدولية وسيادة الدول وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها، وهو ما تصرّ عليه السياسة الروسية دوما من احترام لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن لحل كل هذه القضايا.
أظن أن ما ينبغي على الدول العربية عمله، الانضمام إلى جهود مجموعة أستانا الرامية إلى إنهاء معاناة الشعب السوري، ويتعيّن على جامعة الدول العربية أن تتبنى كافة الجهود والمبادرات الساعية إلى إنهاء معاناة شعوب المنطقة.
لقد أصبح الإعلام سلاحاً أساسياً فعّالاً، لا يخلو من الخبث، ويفتقد النزاهة في كثير من الأحيان، تستخدمه القوى الدولية لتحقيق مآربها ومصالحها، دون النظر إلى ما تعودنا عليه في الماضي من قيم الموضوعية والشفافية والنزاهة والحياد والالتزام بميثاق الشرف الصحفي. وغالباً ما يكون ضحايا السلاح الإعلامي شعوب بأكملها تقع فريسة للفتن والمؤامرات وإثارة النعرات الطائفية والعرقية والتهديد والتلاسن، فتصبح النتيجة صراعات داخلية وإقليمية، تتطور في النهاية إلى حروب يروح ضحيتها عشرات ومئات الآلاف من الأبرياء.
من بين الأخبار الملفقة أخيرا، ما تم تداوله على نطاق واسع في وسائل الإعلام من لقاء روسي مع رئيس الوزراء السوري الأسبق، رياض حجاب، في تركيا، والذي كان قد انشق وهرب في وقت سابق إلى الأردن، وأعلن ساعتها أنه يحمل معه ملفا كبيرا من الجرائم والممارسات التي ارتكبها النظام السوري بحق سوريا وشعبها.
ودعونا هنا نفكر برويّة وعقل ومنطق:
أولاً، هل يعقل أن يصبح المرء رئيساً لمجلس الوزراء، بعد تاريخ طويل من الترقيات والمناصب داخل نظام الدولة، الذي ينشق عليه، دون أن يكون شريكاً ضالعاً في كل "الجرائم والممارسات" من خلال المناصب الحساسة التي تقلدها في الدولة؟
ثانياً، هل يعقل أن تساهم دولة بحجم وثقل روسيا، وبتاريخ العلاقات الروسية السورية، وزمالة السلاح والقضية، ثم بكل الجهود التي بذلتها ولا زالت تبذلها في إطار مجموعة أستانا دفاعاً عن سوريا ومصالحها، أن تساهم في إعادة تأهيل شخص مثل رياض حجاب، للعب دور في مستقبل سوريا، وهو جزء محيّر من ماضيها؟
ثالثاً، مما يثير الدهشة، ويدفع للتفكير في آن، رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية عن رياض حجاب! فأي معايير تستند إليها تلك الدول في فرض عقوباتها على ملايين المواطنين من الشعب السوري، بغرض تجويعهم وتركيعهم والتأثير على إرادتهم، بينما ترفع العقوبات عمن يؤدون فروض الطاعة والولاء للغرب؟
من بين الأخبار العارية عن الصحة أيضاً خبر حول لقاء وفد روسي بشخصيات علوية في جنيف! وفي الشأن الليبي أنباء عن دعم روسي لخليفة حفتر، وتنسيق مع القاهرة ضد سياسة تركيا في ليبيا من جهة، ومن جهة أخرى ضد إثيوبيا بصدد قضية المياه!
إن هذا ليس سوى استخدام لسلاح الإعلام لتدمير العلاقات الدولية، وتهميش دور الأمم المتحدة في حل النزاعات الإقليمية والدولية عن طريق الحوار والدبلوماسية، ومحاولات حثيثة لتشويه المساعي الدبلوماسية التي تبذلها روسيا في جميع المحافل الدولية لتحقيق السلام والأمن الدوليين استنادا لاحترام سيادة الدول وإرادتها السياسية وعدم التدخل في شؤونها الداخلية بافتعال الانقلابات والثورات الملونة والحروب الأهلية.
وروسيا لم تخف يوماً أنها تتواصل بشكل يومي مع المعارضة السورية وشخصياتها، كما تتشاور وتنقل المقترحات المتعددة التي تصل إلى النظام في دمشق، بهدف المساهمة في تقريب وجهات النظر، والعمل على بدء عملية الانتقال السياسي وتفعيل دور الحوار السوري، إلا أن روسيا تفعل ذلك في وضح النهار، ولا تحتاج إلى التخفي أو استخدام أذرع سياسية وإعلامية لتمرير "بالونات اختبار" كما تفعل دول أخرى.
إن روسيا ترى الحوار والمساعي الدبلوماسية واحترام قرارات الأمم المتحدة طريقاً وحيداً تعتمده أساساً لسياستها الخارجية في حل الخلافات والنزاعات الدولية.
يعود 9 ملايين سوري إلى منازلهم كل ليلة لمواجهة أطفالهم الجوعى، بينما لا يعرف شخص من كل اثنين في سوريا من أين ستأتي وجبته التالية! وليس السوريون وحدهم في ذلك، بل يشاركهم في تلك المأساة الشعب اليمني والليبي وقريباً جداً الشعب اللبناني والفلسطيني.
هذا ما أراه أجدى بأن تسلط عليه الضوء وسائل الإعلام والأنشطة الصحفية المختلفة.
رامي الشاعر
كاتب ومحلل سياسي
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب
التعليقات