وجاء هذا القرار في وقت سابق من مايو الجاري، في إطار تحقيق مستمر لسنوات في القضية التي أحدثت صدى واسعا في العالم، إذ شابت محاكمة سيدة الأعمال الروسية مخالفات جسيمة كثيرة.
ونشرت صحيفة "نوفيه إزفيستيا" التي تعمل منذ بداية القضية على تغطية محاكمة لازاريفا، مقالا بقلم رئيس تحريرها، سيرغي تارانوف، أشارت فيه إلى أن استراتيجية الدفاع التي اختارتها سيدة الأعمال ومحاميها كانت ستبدو خاطئة لو اقتصر هدف لازاريفا على مجرد الخروج من زنزانة عامة صغيرة حيث هي محتجزة، جنبا إلى جنب مع سبع نساء عربيات مدانات بجرائم جنائية.
وكان بوسع لازاريفا في بداية المحاكمة الاعتراف أمام القضاء شكليا بذنبها وبدء التفاوض وراء الأبواب المغلقة مع السلطات الكويتية بشأن الإفراج عنها، ناهيك عن أنه كان بإمكانها عدم السفر شخصيا إلى الكويت للمثول أمام القضاء في عام 2017 ليمثلها هناك فريق محامين، فيما تدير من أي دولة أخرى حملة في وسائل الإعلام للدفاع عن نفسها.
لكن لازاريفا بدلا عن ذلك، توجهت شخصيا إلى الكويت حيث سرعان ما ألقيت وراء القضبان، وفضلت إبراز قضيتها، كي تضعها وسائل الإعلام الغربية في صف واحد مع معتقلي الرأي الآخرين الذين جذبت قضاياهم اهتماما دوليا واسعا.
وأشارت الصحيفة إلى أن لازاريفا اختارت منذ البداية استراتيجية الصراع العلني التي تهدف بالدرجة الأولى إلى تبرئة ساحتها، ما وضع المسؤولين الكويتيين في موقف محرج، إذ يشعرون من جانب بقلق من الانتقادات الدولية على خلفية القضية، ويفهمون من جانب آخر أن الإفراج غير المشروط عن سيدة الأعمال الروسية سيكون بمثابة الاعتراف بأن قضيتها مفبركة ويقف وراءها منافسوها التجاريون.
وفي هذه الظروف، ألغت محكمة الاستئناف الكويتية، في الخامس من مايو الجاري، الحكم بالسجن لمدة عشر سنوات والصادر سابقا بحق سيدة الأعمال الروسية، ووافقت على الإفراج عنها بكفالة هائلة، نحو 66 مليون دولار.
وأشارت الصحيفة إلى أن السلطات الكويتية اقترحت مقابل رأس الزعيم العراقي الراحل صدام حسين، الذي احتل البلاد وألحق أضرارا هائلا بقطاعها النفطي عام 1991، 25 مليون دولار فقط!
وتطرقت الصحيفة إلى المخالفات التي تعرضت لها لازاريفا، سيدة الأعمال المخضرمة، التي تتمتع بسمعة جيدة للغاية، ولم تواجه أي اتهامات خلال 23 عاما عملت خلالها في مشاريع تجارية كبرى.
ولم يسمح القضاء الكويتي، حسب الصحيفة، لأي شاهد من جانب الدفاع بالإدلاء بإفادته أمام المحكمة، ما يمكن اعتباره حالة استثنائية في تاريخ المحاكمات القضائية، علاوة على منع لازاريفا من الاطلاع على ملف قضائي مؤلف من 30 ألف صفحة، باللغة الروسية أو الإنجليزية أو العربية على حد سواء، في مخالفة صارخة للقانون الكويتي على وجه الخصوص.
ونشرت الصحيفة جزءا مثيرا للدهشة من الحكم الصادر بحق لازاريفا، حيث اتُّهمت سيدة الأعمال ومحاميها بمحاولة عرقلة المحاكمة وتقديم كثير من الأوراق التي لا علاقة لها بالقضية، بهدف إضعاف "تثبير الأدلة"، موضحة أن هذه العبارات تعني رفض القضاء لضمان حقوق لازاريفا الأساسية خلال المحاكمة، ومنعها من الحق المنصوص عليه بموجب القانون الدولي والمحلي في نفي الأدلة المقدمة ضدها.
وذكرت الصحيفة أن القاضي الكويتي، أنور العنزي، تدخل شخصيا لتعديل صياغة إفادات الشهود المتضاربة، وقدم لهم نصائح كي تتطابق شهاداتهم بصورة أكثر ملاءمة مع ادعاءات جانب الاتهام.
في الوقت نفسه، تجاهل العنزي، حسب الصحيفة، بعض المسائل التي لم تُرض جانب الاتهام، بما في ذلك إقرار شاهدة بأنها زوّرت وثائق لإدارة موانئ الكويت.
كما لفتت الصحيفة إلى أن القاضي العنزي رفض أحيانا الإجابة عن أسئلة المحامين، وحاول إخافتهم ولجأ مرارا إلى لهجة شديدة بحقهم، وقطع الجلسات القضائية بشكل تعسفي.
وقالت الصحيفة إن "القضاء الكويتي أصبح بذلك مكانا وأداة لجريمة ارتكبت بحق شخص بريء، وكل ما تطلبه اليوم ماريا لازاريفا ليس الرحمة والعفو، بل النظر العادل في قضيتها بالمحكمة".
ووثّق فريق دولي يضم شخصيات بارزة من الولايات المتحدة وبريطانيا المخالفات التي تعرضت لها لازاريفا، وهي أم طفل في الـ 5 من عمره، إذ قال المحامي والمحافظ الأسبق لولاية فلوريدا، نيل بوش (وهو نجل الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب) إنه يشعر بالخجل من "الكويت الذي حرره والده من صدام".
وتضم مجموعة ضغط دولية تم تشكيلها دعما للازاريفا شخصيات مؤثرة، بمن فيهم الرئيس السابق للجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس، إيد رويس، ومدير مكتب التحقيقات الفدرالي FBI في عهد الرئيس بيل كلينتون، لويس فري، والمحافظ الأسبق لولاية فلوريدا، نيل بوش، وشيري بلير، زوجة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، والتي حضرت شخصيا إحدى جلسات المحاكمة.
وكشفت الصحيفة أن العمل انطلق بصورة طارئة، بمبادرة من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على إعداد اتفاقية بين الدولتين بشأن تسليم المواطنين الروس المدانين في الكويت إلى وطنهم، وذلك في وقت لا تزال فيه لازاريفا المواطنة الأوروبية الوحيدة التي تقع في السجون الكويتية.
المصدر: "نوفيه إزفيستيا"