انتحار شلبي فجر سلسلة من الشبهات حول الملابسات التي أحاطت بعملية الانتحار، وخاصة أن أقوالا عديدة تواترت عن ارتباط العديد من الشخصيات من ذوي النفوذ بالقضية موضع التحقيق، وهو ما دفع الطب الشرعي في مصر إلى الإعلان فور إذاعة نبأ الانتحار، عن فحص الجثمان لمعرفة الأسباب الحقيقية التي تقف وراء ما جرى.
وكان مجلس الدولة قد مارس ضغوطه على المستشار وائل شلبي لتقديم استقالته، بعد أن قدمت الرقابة الادارية ما يثبت تورطه في قضية الرشوة، وذلك في أعقاب القبض على مدير المشتريات بمجلس الدولة جمال اللبان وبحوزته مبالغ مالية ومشغولات ذهبية قاربت قيمتها 200 مليون جنيه، وهو تصرف أقدم عليه مجلس الدولة بشكل حاسم، ومن دون اللجوء إلى طلب رفع الحصانة عنه كما هو المعتاد في القضايا المماثلة، وذلك لكي يتسنى للرقابة الإدارية التنفيذ الفوري لأمر القبض عليه، حيث ترقب ضباط هيئة الرقابة الإدارية انتهاء الوقت المتبقي قبل نفاذ أمر الاستقالة، والمحدد له الأول من يناير/كانون الثاني الجاري، حين جرى القبض عليه في اللحظات الأولى من العام الجديد، باعتبار أنه عضو هيئة قضائية يتمتع بالحصانة حتى اللحظات الأخيرة من انتهاء فترة عمله، ثم اقتيد للتحقيق معه أمام النيابة المختصة، التي أمرت بحبسه أربعة أيام على ذمة التحقيقات.
وكان "المجلس الخاص"، الذي يعد السلطة الأعلى في مجلس الدولة، قد طلب من شلبي تقديم استقالته، حفاظا على سمعته، وحتى لا يقال إن الأمين العام للمجلس يخضع للتحقيق والمساءلة، وهو ما قد يسيء إلى الهيئة القضائية الرفيعة المستوى في مصر، ولا سيما أن التحقيقات الأولية التي جرت مع مدير المشتريات المتهم أشارت إلى أن شلبي هو المسؤول المباشر عن الموافقة على صفقات المشتريات والتوريدات كافة، والتي يجريها المجلس على مستوى الجمهورية، ولاسيما أنه كان يشغل منصب الأمين العام المساعد، قبل توليه منصب الأمين العام، ووفقاً لمصادر داخل مجلس الدولة، فقد كان التوجه منذ اللحظات الأولى للقبض علي مدير المشتريات هو الفصل العاجل أو الإقالة لكل من يثبت تورطه في قضية "الرشوة الكبرى" مهما علا منصبه، بخاصة بعد تلقي رئيس مجلس الدولة محمد مسعود طلباً من النائب العام نبيل صادق، وبناء على المذكرة المقدمة من نيابة أمن الدولة العليا، والتي تتولى التحقيق في القضية، برفع الحصانة عن الأمين العام للتحقيق معه فيما نسب إليه من اتهامات على ضوء الاعترافات التي أدلى بها مدير المشتريات جمال اللبان، والتي تكشف عن دوره في القضية وتورطه فيها.
وفور تقديم وائل شلبي استقالته، جرى تشكيل لجنة برئاسة نائب رئيس مجلس الدولة ياسر الكرديني وعضوية ممثل عن كل من وزارة المالية والجهاز المركزي للمحاسبات وبعض العاملين في إدارة التفتيش الإداري بمجلس الدولة، تم تكليفها بفحص كل المستندات الخاصة بجميع العقود، التي أبرمها مجلس الدولة خلال السنوات الخمس الماضية، للوقوف على مدى مطابقتها للقانون، ووجه خطابات إلى كل من الجهاز المركزي للمحاسبات ووزارة المالية، لترشيح ممثلين عنهم للمشاركة في اللجنة، فيما تم تكليف المستشار فؤاد عبد المنعم بمنصب الأمين العام الجديد لمجلس الدولة، والذي بادر على الفور بتشكيل لجنة لتسلُّم مكتب الأمانة العامة بالمجلس، وكذلك جميع الأوراق والمستندات والقرارات التي كان من المقرر صدورها خلال الفترة المقبلة.
القضية بتفاصيلها الكبرى تكشف جوانب مهمة من حرب مواجهة الفساد، والتي يقودها جهاز الرقابة الإدارية ورئيسه محمد عرفان جمال الدين، بتكليف مباشر من الرئيس عبد الفتاح السيسي. ومن المنتظر أن تكشف عن المزيد من المتورطين في هذه القضية، وقضايا أخرى مماثلة.
محمود بكري