القرار يكشف عن تفاصيل مثيرة لوقائع خطيرة تمثلت في عدد من الأمور بالغة الأهمية:
أولها: أن القضية التي أعلن تفاصيلها النائب العام المصري جرت وقائعها قبل 27 شهراً، ظلت منذ وقوعها في طي الكتمان، من دون نشر أي تفاصيل عنها في وسائل الإعلام.
ثانيها: أنها المرة الأولى التي يتم فيها إحالة هذا العدد الكبير من المتهمين في محاولة
الاغتيال، 292 متهما، إلى القضاء العسكري.
ثالثها: يتمثل في الكشف عن التنظيم الذي وقف خلف هذه العملية، وهو تنظيم "داعش"، أو من يطلقون على أنفسهم "ولاية سيناء"، والذين يشكلون خليطا من "أنصار بيت المقدس" وعددا من التنظيمات الجهادية في منطقة "شمال سيناء".
والقضية الأكبر في إحالتها للقضاء العسكري، تكشف عن تفاصيل مثيرة واكبت حدوثها ومجريات التحقيق، التي استمرت نحو عام، مع 158 متهما مسجونا بينهم 7 تم إخلاء سبيلهم خلال التحقيقات.
وبداية المحاولة الفاشلة لاغتيال السيسي تواكب التخطيط لتنفيذها مع بدء الزيارة الرسمية، التي قام بها الرئيس المصري إلى السعودية في العاشر من أغسطس/آب عام 2014، حيث حل ضيفا على الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز مساء الأحد في جدة.
في هذا الوقت، وبينما كان السيسي يتأهب لأداء العمرة صبيحة اليوم التالي "الاثنين 11 أغسطس/آب 2014"، كانت عناصر إرهابية تابعة لتنظيم "داعش" تضع اللمسات الأخيرة على خطتها لاغتياله لدى وصوله إلى المنطقة المحيطة بالمسجد الحرام بمكة المكرمة. وهو ما كشفته التحقيقات التي جرت على مدار عام كامل بإشراف المستشار خالد ضياء، المحامي العام الأول لنيابة أمن الدولة العليا.
وأوضحت تحقيقات النيابة أن المتهمين بالتخطيط لمحاولة الاغتيال استغلوا عملهم في برج الساعة بمكة المكرمة، فأدخلوا متفجرات إلى فندق "سويس أوتيل"، حيث كانوا يعتقدون أنه سيكون مكان إقامة الرئيس السيسي. وكشفت التحقيقات أن أحد العاملين في برج الساعة أحمد عبد العال بيومي، قائد الخلية الإرهابية في السعودية، وآخرون قاموا برصد الرئيس السيسي، كما تم رصد مهبط طائرات الأسرة الحاكمة بالسعودية في برج الساعة، وقاموا بشراء بعض المواد التي تدخل في تصنيع العبوات شديدة الانفجار من سوق الكعكي بمكة المكرمة وتخزينها في الطابق الـ 34 بالفندق. واعترف أحد المتهمين بعرض زوجته ارتداء حزام ناسف لتفجير نفسها حتى تشغل القوات في الوقت الذي يقوم فيه أعضاء باقي الخلية باستهداف الرئيس.
كما كشفت التحقيقات محاولة استهداف الأمير نايف. واعترف بذلك طبيب الأسنان علي إبراهيم حسن؛ مشيرا إلى أن شخصين خططا لاستهداف الرئيس السيسي والأمير نايف، وأن هناك سيدة ستفجر نفسها، بفضل عدم تفتيش السيدات.
وجاءت واقعة محاولة اغتياله عن طريق خلية ضباط الشرطة المفصولين "من بين الضباط الملتحين" وقام بها 6 ضباط وطبيب أسنان، وقاد الخلية الضابط محمد السيد الباكوتشي.
وقد اعترف عناصر الخلية الإرهابية التي تعتنق الأفكار التكفيرية بالسعي للالتحاق بتنظيم ولاية سيناء. في حين التحق أحد أعضائها بالعمل في قطاع الأمن المركزي عام 2007، وتلقى دورات تدريبية مكثفة نهضت بقدراته القتالية واستخدامه للأسلحة النارية.
وبحسب التحقيقات، فإن 66 متهما ممن تم القبض عليهم أدلوا باعترافات تفصيلية حول التنظيم، الذي وقف خلف محاولة اغتيال السيسي، ومنها الهيكل التنظيمي لما سمي بولاية سيناء، ومصادر التمويل وعدد أسماء بعض القيادات الهيكلية، باستثناء "والي التنظيم" لأنهم ليسوا على علم به.
محاولة الاغتيال الفاشلة الثانية والتي أعلنت في حينها، تم الكشف عنها قبيل ساعات من المشاركة التي كانت متوقعة للرئيس السيسي في القمة العربية بالعاصمة الموريتانية نواكشوط قبيل منتصف هذا العام، حيث خرجت وسائل الإعلام المصرية لتؤكد أن أجهزة الاستخبارات المصرية نصحت السيسي بعدم حضور القمة، لأن هناك مخططا لاغتياله. وأكدت الصحف المصرية في هذا الوقت أن الجماعات المتطرفة، بالتنسيق مع جهات معادية لمصر، ولثورة الثلاثين من يونيو/حزيران 2013، أعدت مخططا لاغتيال الرئيس السيسي خلال مشاركته في القمة العربية؛ حيث تضمن المخطط تكليف عناصر شديدة الاحتراف في عملية الاغتيال للقيام بهذه المهمة بالتنسيق مع جهات معادية لمصر، لتسهيل دخول أسلحة قناصة متطورة وتوفير الدعم اللوجستي لتنفيذ عملية الاغتيال.
هذه التحذيرات والمعلومات هي التي دفعت الرئيس السيسي للاعتذار عن المشاركة في القمة العربية في اللحظة الأخيرة؛ ما شكل سابقة في تاريخ القمم العربية. إذ جرت العادة أن يحضر رئيس الدولة التي ترأس الجامعة العربية أعمال القمة، ليسلم رئاسة الجامعة العربية إلى الدولة المستضيفة للقمة.
وقد أكدت السلطات الموريتانية في الحادي والعشرين من سبتمبر/أيلول 2016، إحالة عشرة أشخاص تم اعتقالهم في وقت انعقاد القمة العربية إلى المحاكمة بعد انتهاء التحقيق معهم، بعد أن وجهت إليهم اتهاما بالتخطيط لعمليات إرهابية تستهدف قادة عرب مشاركين في القمة العربية.
محاولتان لاغتيال الرئيس المصري فشلتا لأسباب متباينة. بيد أن هذا الفشل لن يحول دون تكرار محاولة العناصر الإرهابية استهداف السيسي، في ظل حرب مستعرة بين الدولة المصرية من جانب، وجماعات العنف والإرهاب من جانب آخر.
محمود بكري