القرار السياسي الأصعب على طريق الإصلاح الاقتصادي لوقف المضاربات على سعر الدولار الذي تجاوزت قيمة تداوله في السوق السوداء 100% من السعر الرسمي المعلن، اتخذه محافظ البنك المركزي بدعم سياسي بعد مشاورات استمرت شهور مع الحكومة كما تأتي متسقة مع توصيات صندوق النقد الدولي الذى يوشك على اعتماد قرض بقيمة 12.5 مليار دولار لدعم الاقتصاد المصري.
كما استبقت الحكومة تحرير سعر الصرف المعروف بـ"تعويم الجنيه" قبل يومين باجتماع المجلس الأعلى للاستثمار في حضور الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وما صدر عنه من قرارات استثنائية للمستثمرين شملت منح الأراضي بالمجان في مناطق الصعيد ومنح تراخيص مؤقتة للمصانع للتغلب على بيروقراطية الإجراءات الحكومية للخروج من مأزق انكماش تداول أموال الأفراد والشركات في تلك الفترة.
وتعهد البنك المركزي بعدم فرض شروط للتنازل عن العملات الأجنبية وضمان أموال المودعين بالجهاز المصرفي بكافة العملات وعدم وضع أي قيود على إيداع وسحب العملات الأجنبية للأفراد والشركات تحسبا لردود الأفعال غير المدروسة من بعض المودعين والتي قد تتأثر بالشائعات والتحليلات الخاطئة لأبعاد قرار تحرير تداول سعر الصرف.
وقال طارق عامر محافظ البنك المركزي أن قرار تحرير سعر الصرف يهدف إلى إعادة الثقة فى الاقتصاد المصري وتحقيق الاستقرار النقدي واستهداف مستويات أدنى من التضخم، مؤكدا على أن تحرير أسعار الصرف السبيل إلى تصحيح سياسة تداول النقد الأجنبي واستعادة تداوله داخل القنوات الشرعية وإنهاء السوق الموازية للنقد الأجنبي تماما، وذلك بإعطاء مرونة للبنوك العاملة في مصر لتسعير شراء وبيع النقد الأجنبي طوال أيام الأسبوع.
وأوضح عامر أن قرارات البنك المركزي تأتي في سياق البرنامج الأوسع للإصلاح المالي والهيكلي الذي أعلنته الحكومة المصرية وجاري تنفيذه بإحكام لتخفيض عجز الموازنة والدين العام من خلال استكمال إصلاح منظومة الدعم وترشيد الإنفاق الحكومي وخفض الواردات خاصة الاستيراد العشوائي وزيادة الصادرات وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي وبرنامج الطروحات في البورصة المصرية والذي تم مؤخرا اتخاذ العديد من القرارات النافذة بشأنه من قبل المجلس الأعلى للاستثمار.
ومن جانبه، دعم مجلس النواب المصري من خلال لجنة الشؤون الاقتصادية المعنية بالتشريع والرقابة على السياسات المالية والمصرفية القرار الذي وصفه رئيس اللجنة الدكتور على المصيلحي بأنه الأجرأ منذ بداية الأزمة، لافتا إلى أن تلك الخطوة يجب أن تعقبها خطوات تنفيذية تعكس قوى العرض والطلب وتستهدف استعادة تداول النقد الأجنبي داخل القطاع المصرفي، وبالتالي إنهاء حالة الاضطراب فى أسواق العملة بعد أن تحول الدولار إلى سلعة تباع وتشترى وتقتنى.
وشدد رئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب على حتمية الاحتواء الكامل لآثار هذا القرار على محدودي الدخل من خلال التوسع فى برنامج الحماية الاجتماعية وتحمل الموازنة العامة للدولة العجز المتوقع بنسبة 30 % من أسعار السلع الأساسية والمحروقات المقررة في موازنة العام المالي الحالي، وتعهد البنك المركزي بتوفير النقد الأجنبي المطلوب لاستيرادها حتى لا يتحمل الفقراء فاتورة تعويم الجنيه.
وكان البنك المركزي المصري خفض صباح اليوم قيمة الجنيه بنسبة 48% ليسجل الدولار 13 جنيها فى السوق الرسمية بالبنوك مع السماح بتحركه في هامش بنسبة 10 في المائة ارتفاعا وانخفاضا الأمر الذي يكبد شركات الصرافة والمضاربين على أسعار النقد الأجنبي خسائر تصل إلى 50% من قيمة التداول غير الرسمي.
ويرى الخبراء أن قرارات البنك المركزي من شأنها كسر جمود حركة الاستثمار الأجنبي وزيادة الصادرات المصرية وتوفير المواد الخام المستوردة للتوسع في مجال الصناعة من أجل التصدير.
ويعد قرار تحرير سعر الصرف الأصعب سياسيا في ظل زيادة معاناة المواطن البسيط من ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة واستغلال أنصار جماعة الإخوان المسلمين المحظورة هذه الخطوة في دعوات التظاهر في 11من الشهر الجاري، بينما دعا الرئيس السيسي الشعب المصري إلى مشاركته في تحمل تبعات القرارات الاقتصادية الصعبة التي تهدف للإصلاح.
محمد سويد