مباشر

الحسم على الأرض والدور الخبيث للاتحاد الأوروبي في سوريا

تابعوا RT على
ظل الاتحاد الأوروبي كتكتل سياسي – اقتصادي صامتا طوال السنوات الأخيرة في عمر الأزمة السورية إلى أن بدأت الآلة العسكرية دورانها.

لقد اكتفى الاتحاد الأوروبي بتصريحات غامضة أو مغلقة، بينما كانت دول الاتحاد تتبادل المواقع والمواقف طول 4 أو 5 سنوات حتى أن اللعبة السياسية تحولت إلى لعبة تشبه "الكراسي الموسيقية". وإذا كانت الولايات المتحدة قد استخدمت أزمة اللاجئين كورقة رابحة إعلاميا و"إنسانيا"، فإنها لم تساهم إلا في تفاقمها. بينما وقعت الدول الأوروبية بين الضغوط الأمريكية ونزق واشنطن، وبين المخاطر التي ستصيبها من تدفق اللاجئين، وطموحات نخبها السياسية الحاكمة التي تضرب بمصالح بلادها عرض الحائط من أجل مصالح الولايات المتحدة.

بعد عدة لقاءات لا يمكن التقليل من قيمتها (برلين وروما ولوزان ولندن) على الرغم من فشلها، أو بلغة دبلوماسية، لم تسفر عن أي شيء، ظهر الاتحاد الأوروبي ليكشف عن أحد وجوهه التي يتحدث عنها الخبراء والمراقبون وناشطو الرأي العام ووسائل الإعلام. فبعد التلويح بالعقوبات ضد موسكو ودمشق، والتصريحات الحادة التي تعكس التوتر والعصبية اللذين أصابا العديد من قادة أوروبا، ثم تصريحات المنسقة العليا للشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي السيدة فيدريكا موغريني، بأنها لم تسمع من أي دولة من دول الاتحاد الأوروبي عن فرض عقوبات ضد موسكو، التأم شمل لقاء وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي لمناقشة جدول أعمال متخم، ولكن الملاحظ أن "سوريا" كانت على رأس القائمة. وأكدت موغيريني، حسب وكالة الأنباء الفرنسية، أن هناك فرصة لاتفاق الوزراء على إضافة أسماء المزيد من السوريين إلى قائمة الممنوعين من السفر إلى أوروبا أو الوصول إلى أموالهم هناك.

على الرغم من محاولات موغيريني التملص من تصريحات "الصقور الأوروبيين"، إلا أنه من المتوقع أن يبحث زعماء الاتحاد الأوروبي موضوع روسيا واحتمال فرض عقوبات جديدة عليها خلال قمة بروكسل يوم الخميس المقبل. لكن المهم هنا أن دولا مثل اليونان وقبرص وهنغاريا تعارض ذلك، كما أن هناك أيضا تحفظات من جانب النمسا وألمانيا. وبالتالي، فمن الممكن أن نتحدث عن فشل لقاء لوكسمبورغ في 17 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، وبالذات فيما يتعلق ببحث إيصال المساعدات الإنسانية واستئناف المفاوضات بشأن انتقال السلطة في سوريا، ومناقشة كيفية دفع المفاوضات لوقف الأعمال العدائية بالتوازي مع تحقيق اتفاق بشأن انتقال السلطة في البلاد، وضرورة الحفاظ على ما يسمى بـ "الفضاء السياسي"، بعدم عرقلة محاولات التوصل إلى تسوية سياسية.

إن النقاط الثلاث السابقة لا تهم الاتحاد الأوروبي كثيرا، على اعتبار أنه بدأ يمارس دوره الذي بدأت أبعاده تتكشَّف تدريجيا. فالسيدة موغيريني أكدت أن "الاتحاد الأوروبي يتشاور مع شركائه ومع المعارضة السورية حول مستقبل الدولة السورية بعيدا عن الإعلام، وأنه لا يبحث مع السلطات السورية مسألة التسوية السياسية". بل وذهبت إلى كشف آخر في غاية الأهمية والخطورة. إذ سيبدأ الاتحاد الأوروبي، الثلاثاء 18 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، محادثات مع دول المنطقة حول المستقبل السياسي لسوريا، وأن هذه المحادثات ستبدأ على وجه الخصوص مع "تركيا وإيران والسعودية"، وسيواصل الاتحاد العمل مع "مجموعات مختلفة من المعارضة السورية ومجموعات أخرى من ضمنها النسائية والمسيحية والأقليات والمجتمع المدني، للتفكير فيما سيكون بعد إنهاء الصراع".

هكذا أعلن الاتحاد الأوروبي، كاشفا عن وجههه الحقيقي، عن أحد أخطر الأدوار في الأزمة السورية. فساسة الاتحاد بدأوا الآن، والآن تحديدا، مناقشة "مستقبل سوريا بعد إنهاء الصراع"، ومع "المعارضة ومجموعات أخرى، من ضمنها النساء والمسيحيون والأقليات ومنظمات المجتمع المدني"، وأن الاتحاد "لا يبحث التسوية السياسية مع السلطات السورية". وهذا يعني ببساطة أن الاتحاد الأوروبي، وبصرف النظر عن ما يبدو من تناقضات في التصريحات، قد بدأ مسار تسوية سياسية من نوع خاص، ترتكز بالدرجة الأولى على ما يجري من حسم في الوقت الراهن على الأرض أو في "الميدان".

وقالت المسؤولة الأوروبية إن "الأولوية الرئيسة الآن – هي إنقاذ حلب، وسكانها. ولذلك، فإننا نحث روسيا والحكومة السورية بشدة على وقف قصف حلب ومواصلة المفاوضات مع الولايات المتحدة وغيرها من اللاعبين على الأرض، من أجل قبل كل شيء، تجنب وقوع كارثة إنسانية في المدينة".

تجدر الإشارة إلى أن روسيا أكدت مرارا أنها تدقق بعناية في المعلومات الاستخباراتية التي تردها عند اختيار أهداف الضربات الجوية في سوريا، وبعد ذلك تقرر ضرب الهدف الجوي، وترفض الاتهامات باستهدافها المناطق المدنية.

إن تصريحات الاتحاد الأوروبي تؤكد ضبابية المشهد السياسي والميداني في سوريا وحولها، والنوايا الثابتة لكل من الولايات المتحدة وحلفائها العرب من جهة، والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو من جهة أخرى. وإذا كانت المفاوضات لا تلبي لأى طرف من الأطراف طموحاته وأهدافه ومصالحه، فهي ضرورية لاستيفاء "الأوراق القانونية" و"الحجج الدبلوماسية" من أجل استكمال "الحسم على الأرض أولا"، ثم إقرار كل شيء بعد ذلك على طاولة المفاوضات.

أشرف الصباغ

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا