وإذا كان الجميع يعلق آمالا واسعة على اجتماع "لوزان" في سويسرا السبت 15 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، فإن هذه الآمال تواجه شكوكا كثيرة عندما نعرف أن هناك خلافات على قائمة الدول التي يجب أن تشارك في هذا اللقاء الذي يراه الكثير من قاة العالم ودبلوماسييه، وعلى رأسهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف، أنه في غاية الأهمية على خلفية قرقعة الولايات المتحدة بالسلاح في أكثر من اتجاه.
غير أن المهم هنا هو أن البيت الأبيض أعلن أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما سيعقد الجمعة 14 أكتوبر، اجتماعا لمجلس الأمن القومي حول سوريا، لمراجعة دورية للحملة ضد داعش في العراق وسوريا، ولمناقشة الجهود الجارية للحد من العنف، وتعزيز وصول المساعدات الإنسانية وتعزيز عملية التحول السياسي في سوريا. أما وسائل الإعلام والتسريبات المعتادة، فهي تتحدث عن خيارات واسعة، من ضمنها العمل العسكري بتوجيه ضربات جوية لقواعد عسكرية سورية ومستودعات ذخيرة ورادارات. ومن الطبيعي أن يعلن أوباما، الذي لم يتبق له سوى 100 يوم فقط في المكتب البيضاوي، عن بعض التصريحات المطاطة. وهو ما يعني أن أوباما يتملص من مسؤولية إعلان حرب صريحة، ليلقي بها إما على المؤسسات العسكرية والأمنية أو على كاهل الرئيس المقبل.
الأمر الآخر الذي يرجحه خبراء عسكريون وتقارير، هو أن تواصل الولايات المتحدة إمداد جماعات وتنظيمات ومجموعات موالية لها بالأسلحة التي لن تكون تقليدية، وإنما أكثر تطورا، وقد تشمل صواريخ مضادة للطائرات. وهو ما تطالب به المعارضة "المعتدلة" منذ فترة طويلة. وهناك تقارير تتحدث عن أنه قد تم تزويدها فعلا بهذه الأسلحة، وأنها تنتظر اكتمال خطة ما لتتلقى الأوامر بالضرب. ومع ذلك لن تسير الأمور إلا بدعم أمريكي "بشري" مباشر، ربما في صورة "خبراء" أو "مستشارين" أو "مدربين". وهو الأمر القائم والموجود أيضا ولكن يجري التعتيم عليه في انتظار قرارات حاسمة ونهائية.
الولايات المتحدة تناقش كل الاحتمالات وتستعد لها في نفس الوقت. وتبعث برسائل الإنذارات والتهديدات إلى روسيا، وتمارس ابتزازا من نوعية خاصة على حلفائها الإقليميين من أجل أن يلتزموا بتنفيذ خطوات معينة ستتضح جيدا في حال بدأت الحرب في سوريا، وتحشد الدول الأوروبية من أجل توزيع الأدوار وتقسيم الحصص. ومع كل ذلك تتوالى التحذيرات بتفادي الحرب قدر الإمكان، لأن الأمور لا تخلو من مجازفة ومغامرة في اتجاه حرب أوسع، خاصة وأن روسيا أعلنت صراحة أنها قادرة على حماية قواتها ومعداتها الموجودة في سوريا، وأن أي تهديد لوجودها هناك سيواجه بحسم.
على الرغم من أن هناك نسبة كبيرة من أي حرب تتعلق بالمغامرة وبحسابات الخطأ والخسارة، إلا أن علاج الأزمة السورية بـ "الحرب"، قد تختلف نتائجه عن نتائج حرب العراق وليبيا في ظل المشاكل القائمة بين تركيا والولايات المتحدة من جهة، وبين الأخيرة والسعودية من جهة ثانية، وبين موسكو وواشنطن من جهة ثالثة.. وأيضا على خلفية فقدان العديد من البلدان ثقته في الولايات المتحدة، وفي توجهاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية. وهذا يعني أن واشنطن ستلجأ إلى مواصلة تسليح المعارضة "المعتدلة" وإخفاء (حماية) حلفائها من الجماعات والتنظيمات المتطرفة، وربما فتح قنوات مع جماعات إرهابية بعينها وفق السيناريوهات الكلاسيكية "المضرة" والتي تم تجريبها في أفغانستان.
هذا الافتراض الأخير يمتلك جذورا في الواقع، لأنه يرضي بعض الحلفاء الإقليميين، ويجنِّب الولايات المتحدة حربا مباشرة وتدخلا مباشرا في سوريا، ويطيل من أمد الأزمة السورية، وهو الأمر الذي يحقق عددا من الأهداف التكتيكية والاستراتيجية فيما يتعلق بالدول الأوروبية أو بروسيا في مجالات عدة: عسكرية وأمنية ومالية وجيوسياسية، وفي مجال الطاقة أيضا.
الخيارات العسكرية المباشرة للولايات المتحدة في سوريا تكاد تكون ضئيلة، ولكن لا يمكن تجاهلها أو حذفها من قائمة التوقعات. ولا يمكن أن نقارن ذلك بالتدخل العسكري المباشر للقوات التركية، لأن أنقرة اختارت توقيتات مناسبة للغاية، واعتمدت على جملة من التناقضات الدولية والإقليمية النادرة التي أعاقت كل الأطراف عن انتقادها أو مطالبتها بعدم التدخل العسكري المباشر. وبالتالي، ليس من المستبعد أن تستخدم واشنطن الورقة التركية على الرغم من الخلافات. إذ أن هناك قنوات عديدة يمكن تحقيق ذلك من خلالها، ومن بينها التزامات أنقرة أمام حلف الناتو الذي تقوده عمليا الولايات المتحدة، أو في أسوأ الأحوال ترك القوات التركية تواصل ما تفعله لأطول فترة ممكنة.
أشرف الصباغ