غادر المتحاورون الكويت بتوقيعهم وثيقة التزامات سبعة: أولها الالتزام باستمرار اتفاق وقف إطلاق النار، وآخرها العودة إلى استكمال المباحثات، والتوصل إلى اتفاق سلام نهائي. غير أنه وبعد ساعات، خرج الجانب الحكومي ليتنصل من الالتزام الذي وقعه، وأعاد طرح شروط الاستسلام التي فرضها على الحوثيين وأتباع الرئيس السابق، بل إنه كذَّب المبعوثَ الدولي، الذي أكد إبداء الجانبين موقفا إيجابيا من خريطة السلام التي اقترحها.
وعلى الأرض، عادت المواجهات إلى أكثر من جبهة، وتبادل الطرفان الاتهامات بانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار، والتي يمكن سماعها باستمرار في ظل غياب رقابة محايدة. وزاد من تردي الأوضاع الانهيار الاقتصادي المتواصل، وعجز البنك المركزي عن دفع رواتب الموظفين قبيل حلول عيد الفطر السعيد في خطوة لم تشهد مثلها البلاد طوال تاريخها. كما انعدمت السيولة النقدية، وتوقف استقبال الحوالات المالية الخارجية؛ ما يشير إلى مصير مظلم بانتظار اليمنيين خلال الأسابيع المقبلة إذا لم يرتفع السياسيون إلى مستوى الكارثة.
ففي المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين وأتباع الرئيس السابق تتكدس الملايين داخل المدن، وفي الأرياف يبحثون عما يسدون به رمقهم ويعيشون من دون كهرباء أو مياه. وفي المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، تغيب الخدمات، وينتظر الناس المرتبات التي تأتي من البنك المركزي الخاضع لسيطرة الحوثيين، وتنشط الجماعات الإرهابية؛ فيما عجزت الحكومة عن إعادة عمل قوى الشرطة والأمن، وانتشرت الجماعات المسلحة في كل مكان؛ وأصبح أكثر من تسعة عشر مليون يمني يعيشون على المساعدات الشحيحة التي تقدمها المنظمات الدولية.
وخلافا لهذا الواقع المأسَوي، يستمر السياسيون في صراعهم على السلطة؛ حيث يطالب الحوثيون وأتباع الرئيس السابق بتشكيل حكومة جديدة يكونون طرفا فيها، وجعلوا ذلك شرطا لإنهاء القتال واستئناف المسار السياسي؛ في حين يرفض الرئيس عبد ربه منصور هادي أي مسعى لتقاسم السلطة، أو الحديث عن بديل رئاسي، ويشترط أن يسلم "أنصار الله" وأتباع صالح أسلحتهم، وأن ينسحبوا من المدن كي يعود ليحكم البلاد. وفاقم من المشكلة حجم المصالح والأموال التي يحصل عليها السياسيون ... بحيث أصبح هؤلاء ينظرون إلى أي اتفاق على أنه استهداف لمصالحهم، ومدخل لإغلاق منفذ الأموال التي تتدفق إلى جيوبهم .
ولأن الحوثيين والسعوديين توصلوا إلى اتفاق على وقف القتال على جانبي الحدود، وتم تبادل إطلاق الأسرى من الجانبين؛ فإن المخاوف اليوم هي من أن يتحول الصراع في اليمن إلى حرب أهلية داخلية تؤجج معها صراعا مذهبيا وجهويا، يغرق فيه اليمنيون عقودا من الزمن على غرار ما حدث في الصومال بعد انهيار نظام حكم الرئيس محمد زياد بري؛ حيث فشلت حتى الآن كل الجهود الدولية لتشكيل حكومة مركزية في الصومال، الذي تحول إلى مرتع للجماعات الإرهابية والقراصنة.
وإذا كان المجتمع الدولي يدرك مخاطر استمرار الحرب في اليمن، وتنامي الجماعات الإرهابية، وخطرها على الأمن الدولي، ويدفع باتجاه تسوية سياسية معقولة؛ فإن السياسيين في اليمن وحدهم لا يدركون مخاطر الانهيار الكامل للدولة، واستمرار آلة الحرب. وقد وضعوا مصالحهم الشخصية في أولوية أي حديث.
ولهذا وجدنا أن شهرين من المباحثات لم تؤدِ إلى أي اتفاق من أي نوع، بل إن هؤلاء يعتقدون أن استمرار القتال يضمن تلك المصالح ويعززها.
محمد الأحمد