مباشر

ماذا جرى للأسرى الأمريكيين في كوريا الشمالية؟

تابعوا RT على
عقب انتهاء الحرب الكورية (1950 – 1953) اكتشف الأمريكيون أن كوريا الشمالية استعملت ضد جنودهم الأسرى في معسكرات الاعتقال أساليب مبتكرة للحرب النفسية، تأثيرها كان مدمرا للغاية.

هذه النتيجة توصل إليها الجنرال وليام ماير كبير المحللين النفسيين في الجيش الأمريكي آنذاك، وذلك بعد أن تعرف عن قرب على حياة آلاف العسكريين الأمريكيين الذين شاركوا في تلك الحرب المدمرة وذاقوا طعم الأسر في كوريا الشمالية.

يصف الجنرال ماير ظروف حياة أسرى الحرب في كوريا الشمالية، بالقول إنها لم تكن شديدة القسوة ولا يمكن وصفها بأنها لا إنسانية، إذ كان يقدم للجنود الأمريكيين طعام مقبول وكميات مياه كافية، وكان لهم سقف يأويهم، وأنهم كانوا يعاملون بطريقة جيدة، ولم يتعرضوا للتعذيب "ولم تغرس الإبر تحت أظافرهم".

بل وأكد ماير أن ما سُجل في كوريا الشمالية من حوادث العنف الجسدي، كان أقل بكثير مما سُجل في مثل هذه المعتقلات في أي صراع عسكري خطير مشابه في القرن العشرين.

ومع كل ذلك سجلت الوفيات في معسكرات الأسرى في كوريا الشمالية رقما غير مسبوق في تاريخ الولايات المتحدة بلغ 38%، فما سر ذلك؟

تقول المعلومات عن مخيمات الاعتقال التي وضع فيها الأسرى الأمريكيين، إنها لم تكن محاطة بالأسلاك الشائكة ولا بحراسات مشددة، وكان هؤلاء يتحركون بحرية هناك، مع ذلك لم يحاول أي منهم الهرب.

وعلى الرغم من كل ذلك، ارتفعت معدلات وفيات الأسرى من الأمريكيين، وسُجل موت 1000 عسكري أسير في معتقل واحد فقط، فما هو السلاح السري الخفي الذي استعمله الكوريون الشماليون ضد أسراهم من اليانكي؟

لقد جعل الكوريون الشماليون الأسرى الأمريكيين يفقدون تواصلهم الطبيعي وثقتهم في بعضهم البعض، فانتشر الشجار والخصام بينهم ما دفع عدد منهم إلى إقامة علاقات "ودودة" مع سجنائهم والقائمين على إدارة معتقلاتهم.

حتى أنه حين أطلق سراح من تبقى منهم على قيد الحياة بعد انتهاء الحرب، وسُلموا للصليب الأحمر الياباني، أتيحت لهم فرصة للاتصال برفاقهم الآخرين في السلاح، إلا أن عددا صغيرا جدا استفاد هذه الإمكانية، ما يشير إلى أن العلاقات بين رفقاء السلاح قد تعرضت إلى تدمير ممنهج نجح في إفسادها تماما.

ويضيف الجنرال الأمريكي أن أولئك الأسرى الذين عادوا إلى الولايات المتحدة قطعوا أي صلات برفاقهم السابقين في الثكنات، مشيرا إلى أن كل فرد من هؤلاء الأسرى السابقين "وضع نفسه في زنزانة من دون قضبان أو جدران من الخرسانة المسلحة".

 كل ذلك كان بتأثير تكتيكات حرب نفسية "جهنمية" طبقها بمهارة الكوريون الشماليون لخصها ماير في أربع نقاط:

- التشجيع على الوشاية.

- التشجيع على جلد الذات.

- قتل الروح الوطنية.

- عدم السماح بأي نوع من المساندة العاطفية الإيجابية.

ويقول الجنرال وليام ماير إن الحرب النفسية التي مارسها الكوريون الشماليون على العسكريين الأمريكيين الأسرى، جعلتهم يعانون من أعراض مرض جديد سماه "اليأس المطلق"، موضحا أن ترهيب الأسرى أو تعريضهم للعنف يمنحهم دافعا للبقاء على قيد الحياة وقوة للمقاومة والتحدي. لكن الأسرى الأمريكيين تركوا ليموتوا ببطء بأعراض "طبية كلاسيكية" من دون أي جهد بدني من قبل سجانيهم.

لقد نجح السجانون في "تسميم" العلاقات بين الأسرى، فكان المخبر الواشي يكافأ على عمله بمنحه علبة سجائر، وفي نفس الوقت لا تتم معاقبة الموشى به، ما يشجع الوشاة على تكرار فعلهم من دون الإحساس بتعذيب الضمير، ودفع آخرين إلى نفس السلوك، وبالتالي تدمير العلاقات بين الأسرى بشكل كاسح.

واتبع الكوريون أسلوبا آخر هو تقسيم السجناء الأسرى إلى مجموعات تتكون من 10 إلى 12 شخصا تنظم لهم "جلسات" يتحدث فيها كل أسير عن أخطائه ويعتذر لرفاقه عنها، أو أن يسرد عليهم أمورا إيجابية أراد فعلها لكن لم يتح له ذلك.

كما أنهم كانوا حريصين على حرمان الأسرى من أي أحاسيس إيجابية ترفع المعنويات، ولذلك كانوا يوصلون الأنباء والرسائل التي تحمل أخبارا سيئة ومحزنة بسرعة فيما يتم حجب ما يسر.

كل ذلك كان يدفع بالأسرى إلى حالة شديدة من اليأس والاكتئاب فينطوي الأسير على نفسه في الزاوية محدقا في الحائط بعيون خاوية، وحين تخور قواه تماما يسحب الغطاء على وجهه وبعد بضعة أيام يموت كمدا.

تلك هي خلاصة ما يُعتقد بأنه "سلاح خفي" استعملته كوريا الشمالية ضد الأسرى من الجنود والضباط الأمريكيين الذي وقعوا في الأسر خلال الحرب الكورية. وقد يكون ما توصل إليه الجنرال الأمريكي حقيقي أو نصف حقيقي، إلا أن ما جاء فيه لا يحمل أي صور قاسية أو صادمة أو منفرة. على الأقل من شاهد استعراضات الجنود الأمريكيين وصور ممارساتهم الوحشية في سجن "أبوغريب" لن ينفعل به كثيرا، وربما سيبتسم بخبث أو بهزء وقد يشعر بالملل وهو يمر في عجالة بهذه الأسطر.

محمد الطاهر

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا