كيري: إنما للصبر حدود!
فاجأ وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الرأي العام العالمي بتصريح يحمل أكثر من معنى، وينذر بتعقيدات كثيرة في الأزمة السورية وحولها.
كيري حذر موسكو من نفاذ صبر واشنطن حول الصراع السوري ومصير الرئيس بشار الأسد. وذهب إلى أن واشنطن بحاجة إلى يفهم الآخرون أن صبرها له حدود. بل وهو في واقع الأمر، محدود جدا، سواء مع محاسبة الأسد أو بدونها.
لا احد يستطيع أن يتكهن بالأسباب التي دفعت جون كيري إلى التصريح بمثل هذه العبارات التي تشير إلى الانحراف النسبي عن الدبلوماسية، وتميل إلى إظهار "العين الحمراء" ليس لدمشق فقط، وإنما أيضا لموسكو. وهل أصبحت الأوضاع الميدانية غير مواتية، أو ليست لصالح التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن؟ هل هناك تحولات ما في بعض السياسات الإقليمية، وبالذات في ما يتعلق بروسيا وتركيا؟
تساؤلات كثيرة ومباشرة تتعلق بمثل هذا التصريح على خلفية اجتماع وزراء دفاع حلف الناتو في بروكسيل للتمهيد لقمة الناتو في العاصمة البولندية وارسو يومي 8 و9 يوليو المقبل. من الصعب فصل هذا التصريح عن محاولات إظهار القوة وإبراز العضلات التي يمارسها الناتو والولايات المتحدة معا، سواء في البحر المتوسط ومحاولة عسكرته، أو في البحر الأسود والسعي إلى تحويلة إلى بحيرة تابعة للناتو الذي لا يتحرك إلا بأوامر من واشنطن، أو بالمناورات العسكرية في بولندا ودول البلطيق، ونشر عناصر الدرع الصاروخية في رومانيا، والتحضير لنشرها في بولندا بحلول عام 2018، والتهديد المتواصل بضم كل من جورجيا وأوكرانيان بعد أن تم الإعلان عن ضم جمهورية الجبل الأسود (مونتنيغرو) إلى صفوف الحلف.
في الحقيقة، لقد استبق مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين تصريحات كيري ليعرب يوم الثلاثاء 14 يونيو/ حزيران الحالي عن أمله بوضع حد للأزمتين السورية والأوكرانية قبل نهاية العام الجاري. ويبدو أن تشوركين يعول على حديث موضوعي مع المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا بمشاركة الأمين العام للأمم المتحدة. ولكن دي ميستورا لا يزال مترددا في توجيه دعوة لعقد جولة جديدة من المفاوضات، لأنه يرى أن المفاوضين غير جاهزين بعد.
ولكن روسيا، وفق تشوركين، أكدت لدي ميستورا أن الحكومة جاهزة، وهناك شخصيات عاقلة في مختلف مجموعات المعارضة، فلماذا يتم التركيز بشكل مفرط على ما يسمى مجموعة الرياض التي أطلقت على نفسها اسم الهيئة العليات للمفاوضات وحضرت إلى جنيف، ولكنها رفضت في الواقع المشاركة في المفاوضات.
وقبل أن ينهي تشوركين حديثه في المنلف السوري، وجه اتهامات مباشرة لبعض الأطراف بقوله: إن "بعض الدول" المسؤولية عن الدعم المباشر للإرهابيين في سوريا... لقد باتت هناك ظاهرة خطرة جديدة، عندما تدعم بعض الدول المنظمات الإرهابية سعيا لتحقيق مصالحها الجيوسياسية".
من الصعب فصل الملف الأوكراني عن مجمل تحركات الولايات المتحدة والناتو. وإذا كانت سلطات كييف تقوم بالتحريض ضد موسكو، ومطالبة الغرب ليس فقط بفرض العقوبات، بل وبالمزيد منها، فكييف لا تتحرك أبعد من ذلك، ربما بسبب الأزمات الداخلية في كييف نفسها، وانعدام ثقة الغرب في الإصلاحات التي تعد بها حكومة كييف، واستشراء الفساد الذي يبتلع المساعدات الغربية. وفي الحقيقة، فإن أوكرانيا تدعو الناتو لتزويدها بأسلحة فتاكة. وذلك إمعانا في تعميق الصراعات ليس فقط مع شرق أوكرانيا، وإنما أيضا مع روسيبا نفسها.
هذا الملف يدخل مباشرة في إطار تكثيف نشاط حلف الناتو بالقرب من حدود روسيا. ولكن تواجد القوات الجوية الروسية في سوريا هو أيضا بالقرب من حدود الناتو المتمثلة في الحدود التركية – السورية. وبالتالي،
فالملفان السوري والأوكراني وتوسع الناتو شرقا من القضايا الشائكة في العلاقات بين روسيا والغرب (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو). ولكن الولايات المتحدة تحمل أوروبا الفاتوة الأكبر من حيث زيادة ميزانيات الدفاع، وتعرض الأمن الأوروبي للخطر، والتداعيات الاقتصادية التي تظهر تباعا في ظل تبادل فرض العقوبات بين روسيا والدول الأوروبية.
قد يكون تحذير كيري بأن "للصبر حدود" موجها لوسائل الإعلام ولا يمتلك أي مسوغات دبلوماسية أو قانونية، أو حتى عسكرية. فماذا يمكن أن يفعل كيري في حال انتهاء صبره؟! هل سيبدأ بضرب المقاتلات الروسية في سوريا، أم سيوجه صواريخ الناتو إلى طهران، أم سيقتحم دمشق أو يساعد قوات المعارضة التابعة له من الجو؟
من جهة أخرى، قد يكون هذا التصريح تمهيدا لخطوات مهمة على مسار الأزمة السورية سياسيا وميدانيا في ظل تحركات متشابكة من جانب روسيا والولايات المتحدة تحتاج إلى تعاون القوى الإقليمية التي تتناقض مصالحها أيضا مع بعضها البعض من جهة، ومع مصالح كل من روسيا والولايات المتحدة من جهة أخرى.
أشرف الصباغ