أما الستة الذين سبقوه إلى هذا الإنجاز، فهم الإسباني ميغيل مونوز لاعبا في صفوف ريال مدريد عامي 1956 و1957 ومدربا للفريق الملكي عامي 1960 و1966، والإيطالي جوفاني تراباتوني لاعبا في صفوف ميلان عام 1963 و1969 ومدربا ليوفنتوس عام 1985، والهولندي يوهان كرويف لاعبا في صفوف أياكس أمستردام ثلاث مرات أعوام 1971 و72 و73 ومدربا لبرشلونة عام 1992، والإيطالي كارلو أنشيلوتي لاعبا في صفوف ميلان عامي 1989 و1990 ثم مدربا لميلان عامي 2003 و2007 وكذلك مدربا لريال مدريد عام 2014، والهولندي فرانك رايكارد لاعبا في صفوف ميلان عامي 1989 و1990 وأياكس عام 1985 ومدربا لبرشلونة عام 2006، وأخيرا الإسباني بيب غوارديولا لاعبا في صفوف برشلونة عام 1992 ومدربا للفريق الكاتالوني عامي 2009 و2011.
وكان زيزو توج بطلا لدوري أبطال أوروبا لاعبا في صفوف ريال مدريد بالذات عام 2002 في مباراة سجل فيها هدفا رائعا حسم اللعب في مصلحة فريقه ضد باير ليفركوزن 2-1.
والمفارقة أن زيدان رسخ أقدامه في منصب لم يمض على تسلمه أكثر من خمسة أشهر، علما أنه لم يحظ بثقة الإدارة في الصيف الماضي ليتولى مسؤولية الفريق منذ مستهل الموسم.
غير أن مقربين من نجم منتخب فرنسا السابق، يؤكدون أنه اكتسب حجما مختلفا، لا سيما بعد الدور نصف النهائي من المسابقة الأوروبية، مبرهنا أنه "مدرب حقيقي"، ومثبتا نضوجه التصاعدي منذ أن اعتزل لاعبا قبل 10 أعوام عقب نهائي مونديال ألمانيا (9 يوليو/ تموز 2006).
حملت الأشهر الخمسة للطرفين نتائج جيدة، وسجل الفريق خلالها نسبة انتصارات مرتفعة، وأنهى موسمه بالمركز الثاني في الدوري بفارق نقطة عن برشلونة (90 نقطة في مقابل 91).
ويكشف محيط "زيزو" أنه تردد بداية في قبول خلافة الإسباني رافاييل بينيتيز، كما تطلب اقتناع بعض الأعضاء في إدارة ريال بشخصه وقتا، على رغم الاقتناع أنه مشروع مدرب للمستقبل. لذا، بقي الشك في الرهان الحالي عليه من منطلق المعادلة "ليس كل لاعب ناجح مدربا ناجحا".
عموما، لم يظهر زيدان يوما أنه يفضل السلطة، بل أن يلعب الدور المؤثر. طباع لازمته منذ أن كان في صفوف "منتخب الديوك"، فحين أراد المدرب جاك سانتيني أن يعهد إليه بشارة القائد، فضل أن تمنح لمارسيل ديسايي من منطلق الأقدمية.
خلال الصيف المنصرم، نصح بعضهم رئيس ريال مدريد فلورنتينو بيريز بأن يبحث عن مدرب من ذوي خبرة. وعهدت الإدارة إلى زيدان دور "الرجل الثاني" في ظل بينيتيز وتحديدا الإشراف على الفريق الرديف في النادي. غير أن مسيرة بينيتيز مع الفريق الملكي توقفت باكرا. وكان الخيار بزج ابن الـ43 سنة في "معمودية النار"، والرهان على شخصيته وخياراته التكتيكية.
ومنذ اليوم الأول، سعى صانع ألعاب منتخب فرنسا السابق إلى فرض توازن في تحركات الفريق، وأوكل إلى المهاجمين مهمات دفاعية على سبيل المؤازرة، فكان التأهل إلى نهائي دوري الأبطال للمرة الـ14، على حساب مانشستر سيتي، من خلال إيلاء هذه الناحية أهمية قصوى.
كما أن من فصول هذه "المعمودية" وحسن خياراتها، الفوز على برشلونة (2-1) في "الكلاسيكو" ضمن الأسبوع الـ30 من الـ"ليغا" (2 أبريل/نيسان الماضي)، ويومها كان ريال على بعد 13 نقطة من برسا.
ينسج زيدان علاقة صريحة مع لاعبيه قوامها التواصل السلس والمباشر. وخلال حوارته معهم، يتجنب التفاصيل حتى في ما يتعلق بشؤون الكرة، مصوبا البوصلة دائما نحو التطلعات والأهداف الجماعية، حتى أنه حاصر "الأنا" والاعتداد بالنفس اللتين يشتهر بهما نجم الفريق البرتغالي كريستيانو رونالدو.
ويتفق أفراد الفريق على أن مدربهم شخص متواضع يتقن الإصغاء، ما يسهل الأمور ويذلل عقبات بحجم جبال. ويجاهر رونالدو بمؤازرته متمنيا بأن تبقى القيادة معقودة له. ويثني البرازيلي مارسيلو على تصرفاته التي تتصف بالوضوح، ويضيف: "نحن مخلصون له لأنه يمقت المواربة".
وحتى وإن خسر زيدان النهائي الأوروبي أمام اتلتيكو مدريد (الطرف الذي واجهه زيزو كمساعد لأنشيلوتي في المسابقة ذاتها قبل موسمين) في سان سيرو السبت، فإن مركز المدرب محفوظ له مع الفريق الملكي في الموسم المقبل. وفي حال الفوز، تنتظره عقبات وصعوبات ومطبات من دون شك، لطالما اعترضت المدربين الشبان أمثال البرتغالي روبرتو دي ماتيو، الذي قاد تشيلسي إلى لقبه الوحيد في المسابقة الأوروبية عام 2012 بعد ثلاثة أشهر على تسلمه مقدراته، وها هو اليوم عاطل عن العمل.
اشتهر زيدان بحض لاعبيه على الاستمتاع في الملعب، إذ ينهي حصة الإرشادات والملاحظات القصيرة، من منطلق خير الكلام ما قل ودل، بعبارة "هيا العب واستمتع". ولعل في هذا التوجه مفتاح "سحره" وحضوره الطاغي والكاريزما المميزة التي يتمتع بها. فما يقوله يسمع ويؤخذ به أكثر من أن يصدر عن أفضل المدربين وأشهرهم، وذلك على خلفية سجله كلاعب.
وقد عزز زيدان هذه الميزة بمزجه حسه التقني وفطنته المهارية بإدارة جيدة للموارد البشرية، أي إدارة اللاعبين وتوظيف كفاياتهم.
ويعزو اللاعب الدولي السابق المدرب غي لا كومب، الذي أشرف على إعداد زيدان في بداياته التدريبية في معهد ليموج، تفوق "تلميذه" إلى سرعة استيعابه، واجتهاده وشغفه في التطور المهني، فضلا عن مثابرته لتعويض ما فاته من سنوات دراسية أكاديمية حين فضل الاحتراف على إكمال تعليمه وهجر المدرسة بعد الصف الثاني متوسط. لذا، اجتهد حتى نيله شهادة التدريب والإدارة الرياضية عام 2013، ولم يغب عن الحصص المقررة إلا مرة واحدة على رغم انشغالاته ومهامه الكثيرة في ريال.
وقد تكون معرفة زيدان الراسخة بأجواء ريال مدريد وكواليسه ساعدته كثيرا في مهمته الشاقة، فضلا عن تفوقه على بينينيز بإتقانه حسن التواصل في فريق مدجج بالنجوم، وهي نقطة أساسية على المدرب توظفها واستثمارها كما يجب وإلا دبت الفوضى. فبدل من أن يجهد ليقنعهم بقيادته، أصبح مطالبا منهم بتولي القيادة. وهو تعلم الدرس جيدا بعد الخسارة أمام فولسفبورغ الألماني في ذهاب ربع نهائي دوري الأبطال (0-2)، فكان الفوز إيابا (3-0)، تلاه تجاوز برشلونة في الـ"ليغا"، ما عزز ثقة اللاعبين بحسن إدارته.
المصدر: أ ف ب